لست زميلك

4.4K 142 4
                                    

استيقظت جوزي صباح الخميس على صوت المطر المتساقط. جلست على شرفتها الصغيرة في الكرسي التي اشترتها من غلاسكو في الأمس وقد أمسكت بفنجان القهوة بين يديها وراحت تحدق في السماء الرمادية الكئيبة . وخشيت أن تجتاحها الكآبة إذا ما أفسحت لها المجال.
انزلت يدها لتداعب رأس مولي وقالت:
-يبدو أننا لن نتمكن من القيام بنزهة اليوم .
هذا ما كانت تخطط له... نزهة طويلة، لاسيما بعد أن اكد لها كينت أن الغوانا ليسا حيوانا مفترسا.
وجاء المطر ليزيد الطين بلة. تساءلت عما إذا أثر المطر في عمل كينت. وتساءلت عما إذا كانت
ستجده في المنزل إن طرقت بابه بعد ظهر اليوم حاملة معها الحلوى. هل هو بخير يا ترى؟ إذ لم تقع عيناها عليه منذ بعد ظهر يوم الثلاثاء. ماذا لو وقع في أخدود ما و كسر ساقه ؟ ماذا لو لدغته أفعى ؟ توقفي ! إنه يعيش في هذا المكان منذ سنوات طـوال ، ولن يبدأ بكسر ساقه أو التعرض للدغات الأفاعي لمجرد أنها ظهرت في حياته. كما أن مولي كانت لتعلم لو أن ثمة خطب ما. التفتت جوزي نحو الكلبة وعضت شفتها. ستعلم، أليس كذلك؟ واجهي الأمر. كينت لا يحتاج الناس كما تحتاجهم هي.
لقد جلست بالأمس في مقهيين مختلفين في شارع غلاسكو الرئيسي، ترتشف الضجيج والنشاط والصخب مع قهوتها. بعد بضعة أيام، وعندما تفوق العزلة حدها، ستكرر التجربة.
لكنها لن تفعل اليوم. ستبدأ اليوم مشروعها الحرفي: الوسائد المطرزة، أو السجاد المعلق على الجدران أو تصنيع الشموع، أو يمكنها أن تنتهي من قر اءة الصحف بعد أن اشترت كافة الصحف
المتوفرة بالأمس ولم تتمكن من قراءة نصفها بعد. أو قد تبدأ بقراءة احدى الروايات الست التي اشترتها.
أنهت قهوتها واتجهت إلى داخل الكوخ عازمة على اتخاذ قرار لكن كآبة ورتابة داخل الكوخ امتصتا طاقتها كلها. كان الداخل فظيعا،
عندما لم تجد كينت في المنزل بالأمس ، عادت إلى هنا وجلست في كرسي و راحت تحدق في أحد الجدران حتى لفها الظلام.
أخافتها الظلمة عندما عادت أخيرا إلى أرض الواقع ولم تشأ أن يحصل هذا مجددا.
- أتعلمين ماذا يا مولي ؟
ضرب ذيل مولي الأرضية في رد سريع فيما تابعت جوزي كلامها:
"إذا أردت ألا أجن خلال الشهر الذي سأمضيه هنا فسنقضي يومنا هذا في تحويل هذا الكوخ إلى مكان يحلو العيش فيه".
وفتحت حقيبتها وراحت تعبث بمحتوياتها بحثا عـن الالهام.
وفجأة ، انفجرت ضاحكة . سارنغ ! أحضرت معها لباس السارنغ!
فعلت هذا حين خيل إليها أن الأكواخ تعني اكواخا صغيرة جميلة تنتشر في حدائق غناء تحيط بحوض سباحة يتخذ شكل بحيرة استوائية.
فعلت هـذا عندما تخيلت أرائك وأراجيح مريحة و عصائر غريبة تقدم في ثمرات جوز هتد تزينها مظلات ملونة توضع بشكل أنيق.
تخيلت راحة ورفاهية واسترخاءا. ولم يخطر لها أن ترى أراضي معزولة تمتد بعيدا بقدر الأماكن الفارغة في داخلها. سحبت لباس السارنغ بسرعة ثم شغلت جهاز الراديو الجديد حيث بحثت عن محطة تبث أغاني مرحة. ستتخلص من الكآبة وتدفعها بعيدا بطريقة ما. وستفي الموسيقى المرحة والتافهة بالغرض الآن ، شكرا .
أخذت جوزي نفسا وقالت:
-حسن، هل أنت مستعدة للاختبار الكبير؟".
هزت مولي ذيلها.
ارتشفت جوزي ما تبقى من شاي في فنجانها وهبت واقفة على قدميها وهي ترجو أن تنجح. لقد عملت لساعات على داخل الكوخ.
والآن حان وقت الاختبار... ستدخل من البـاب وترى إن كان في الداخل ما زال يمتص منها الحياة.
اجتازت جوزي العتبة من دون أن تمنح نفسها فرصة إعادة التفكير ودخلت إلى الكوخ، حبست أنفاسها وقامت بدورة كاملة ببطء. تنهدت بارتياح ثم ركعت على ركبتيها واحتضنت مولي بقوة
قائلة:
-هذا مكان يمكنني أن أعيش فيه خلال هذا الشهر، فما رأيك ؟".
أجابتها مولي بأن لعقت جانب وجهها. انتفضت جوزي وهي تضحك. حسن ، ماذا يمكن أن تفعل لما تبقى من يومها؟
ووقع نظرها على المفكرة الموضوعة على الطاولة، مفكرة :
-ما هي المهارات التي أتمتع بها ؟ واعتصر قلبها فيما انخفض كتفاها وابتلعت كرة الذعر القاسية التي تشكلت في حلقها.
- حلوى .
خرج صوتها عاليا ما جعل مولي تتوقف عن تحريك ذيلها.
وعادت جوزي تسألها:
-ما الذي يفضله سيدك برأيـك ؟ التمر
والبندق ، أم التفاح و القرفة؟".

حراسة قلب العازفWhere stories live. Discover now