رواية الجرائم الابجدية(القاتل الخفي)

16.1K 391 38
                                    

                                      
الفصل الأول / الرسالة

                                      ☆

حدث هذا في شهر يونيو عام 1935 عندما عدت إلى انجلترا من مزرعتي في أميركا الجنوبية لأقضي في ربوع الوطن ستة أشهر..أنجز خلالها بعض المهام الضرورية بعد أن تركت زوجتي وحدها تدير شؤون المزرعة ولست بحاجة لأن أذكر أن أول شيء قمت به بعد عودتي إلى انجلترا هو مبادرتي بزيارة صديقي هركيول بوارو و قد وجدته يقيم في مسكن أنيق من أحدث المساكن بلندن ولا عجب في هذا إذ كان أحد المساكن التي تضمها عمارات نيوهافن في أحد الأحياء الراقية ودار الحديث طويلا بيننا عن أيامنا السابقة في التعاون على كشف الغموض في الجرائم المعقدة وعن الشيب الذي وخط شعر كل منا وعن أحسن أنواع صبغات الشعر التي تجعله يبدو طبيعيا لامعا وعن صلعة بوارو التي ستوفر عليه كمية كبيرة من الصبغة.
وفي أثناء ذلك الحديث عن الجريمة والجرائم قال لي بوارو فجأة:
- هل تعرف يا هاستنغز إنني اعتبرك تميمة حظ؟
- أحقا؟ وكيف ذلك؟
ولم يرد بوارو على سؤالي مباشرة وإنما استطرد يقول:
- بمجرد أن علمت انك في الطريق إلى هنا قلت لنفسي لابد وان شيئا سوف يحدث وإننا سنمضي معا كالأيام السابقة للإيقاع بالمجرم في يد العدالة.
وهز كتفيه وأردف قائلا:
- واذا صحت نبوءتي فلا ريب ان ما سوف يحدث سيكون شيئا ضخما مثيرا جديرا بمثل هذه النبوءة..
فهتفت قائلا:
- أقسم يا بوارو أن من يسمعك يحسبك تتحدث عن حفلة ضخمة تنوي إقامتها في فندق الريتز.
- آه يا صديقي.. أنني أؤمن بالحظ.. أؤمن بالقدر.. وأشعر أن الأقدار قد دفعت بك إلينا في هذه الأيام لتكون بجانبي ولتجنبني ارتكاب الأخطاء التي لا تغتفر.
- وما هي هذه الأخطاء التي لا تغتفر يا بوارو؟
- هي إهمال ملاحظة الأشياء الواضحة العادية.
- حسنا.. حسنا.. وهل هذا الحدث الضخم على وشك الوقوع؟
فهز بوارو كتفيه وقطب جبينه مفكرا ثم أومأ برأسه كأنما استقر على شيء ثم نهض وتناول من خزانة محفوظاته المرتبة والأنيقة خطابا مفتوحا وتقدم نحوي في تردد ثم قال وهو يسلمه لي:
- اقرأ هذا الخطاب يا عزيزي وأخبرني برأيك فيه.
فتناولت الرسالة من يده ووجدت انها مكتوبة على الآلة الكاتبة وعلى ورق سميك بعض الشيء وكانت كما يلي:
" المستر بوارو..
" انك تظن نفسك عبقريا في الكشف عن غموض الجرائم المعقدة التي يعجز عن كشفها رجال المباحث الإنجليز الأغبياء.. حسنا أيها العبقري بوارو دعنا نرى إلى أي مدى تبلغ مهارتك. ولعلك ستجد أن هذه الجريمة أعلى من مستواك انتظر ما سوف يحدث في بلدة اندوفر في الحادي والعشرين من هذا الشهر..
المخلص جدا: أ.ب.س"

ونظرت إلى المظروف الذي كان مكتوبا على الآلة الكاتبة أيضا فوجدت انه ارسل من مكتب بريد و.س.أ وبعد برهة صمت قال بوارو:
- ما رأيك؟
فهززت كتفي وأعدت الرسالة إليه قائلا:
- أعتقد أن كاتبها رجل مخبول.
- أهذا كل ما لديك من أقوال؟
- ألا ترى تماما انه مخبول؟
- إلى حد ما..
ونغمة ما في صوته جعلتني أنظر إليه وأقول في دهشة:
- هل تنظر إلى هذا الموضوع باهتمام كبير يا بوارو؟
- إن الرجل المجنون يا صديقي ليس بالشيء البسيط الذي لا يثير الاهتمام انه قد يكون شديد الخطر
فقلت مسرعا:
- نعم..نعم..ولكنني أردت ان أقول فقط ان مجنونا أرسل إليك هذه الرسالة لإثارة ضجة جوفاء أو لعل كاتبها رجل أسرف في شرب الخمر حتى فقد صوابه.
- كل هذا محتمل.. ولكنني غير مطمئن في الوقت نفسه.
فسألته قائلا:
- هل عرضت هذه الرسالة على رجال الشرطة؟
- أجل عرضتها على المفتش جاب فقال كما قلت أنت تماما أنها دعابة ثقيلة من رجل سكير أو مجنون وأكد لي أن إدارة سكوتلانديار تتلقى في اليوم الواحد عشرات من هذا النوع من الرسائل.
- إذن فلماذا تهتم بأمرها كل هذا الاهتمام؟
فأجاب بوارو ببطء قائلا:
- إن في هذه الرسالة يا هاستنغز شيئا يقلقني..
فقلت وانأ أراه يعيدها إلى مكانها:
- إذا كان الأمر كما تقول أفلا تستطيع أن تفعل شيئا؟
- آه انك دائما هكذا.. ولكن ماذا في وسعي أن افعل؟.. رجال المباحث لا يهتمون بالأمر وليس على الرسالة بصمات الأصابع. وليس هناك أي دليل يشير إلى كاتبها..
- ليس هناك في الواقع إلا شعورك الخاص.
- لا يا عزيزي هاستنغز..لا شأن لشعوري بهذا الموضوع إنما هي المعرفة.. التجربة الطويلة هي التي تقول لي إن في هذه الرسالة شيئا يثير القلق.
ثم لوح بيده في شبه يأس لأن الكلمات لم تسعفه ثم هز رأسه وقال:
- لعلي أقيم من الحبة قبة. وأيا كان الأمر فليس أمامنا إلا الانتظار.
- أجل. وان الحادي والعشرين من هذا الشهر يوافق يوم الجمعة فإذا وقع حادث سرقة بالقرب من اندوفر مثلا..
فقاطعني قائلا بسرعة:
- عندئذ أتنهد بارتياح.
- تتنهد بارتياح.
- نعم لأن الذي يخيفني أن يكون الأمر أخطر جدا من مجرد حادث سرقة.

نهض المستر الكسندر بونابرت سوست من مقعده وحملق بنظره القصير فيما حوله في غرفة نومه البالية وكان ظهره متصلبا بسبب جلسته غير المريحة ومن ثم راح يتمطى ويثب على قدمه بحيث لو رآه أحد في تلك اللحظة لحسبه رجلا طويلا جدا ومضى إلى معطفه القديم المعلق وراء الباب وتناول من جيبه علبة سجائر رخيصة وبعض أعواد الثقاب وأشعل لنفسه سيجارة ثم عاد إلى المائدة التي كان جالسا إليها وتناول دليلا للسكك الحديدية وراح يبحث فيه عن شيء معين ثم راح يتأمل بعدد كبير من الأسماء المكتوبة على الآلة الكاتبة ومد يده ببطء وعلم بالقلم على الاسم الأول..
وكان ذلك في يوم الخميس العشرين من شهر يونيو.

_________________________________________________
                           _____________

أتمنى ان تتفاعلوا لكي احدث بالباقي.😊

روايات اجاثا كريستي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن