الفصل الخامس والأربعون - الأخير- الخاتمة

97.2K 3.5K 832
                                    



الفصل الخامس والأربعون (الأخير – الخاتمة)

احترقت أعصابه وتلفت خلاياه العقلانية بعد أن علم مصادفة بوجود صغيرة من صلبه أتت إلى الدنيا دون أن يعرف عنها شيئًا، أو حتى يختبر معها مشاعر الأبوة منذ لحظة ميلادها، حُرم "معتصم" من كل شيء يخصها، من تلمسها، شم رائحتها الزكية، من ضمها إليه، ومن هدهدتها بين ذراعيه لتغفو، ومن رؤيتها تكبر أمام عينيه وذلك بسبب أفكار "آسيا" السوداوية عنه، وبخ نفسه بقسوة لعدم امتلاكه للشجاعة الكافية لأخذ ابنته قسرًا ليحتضنها ويغدق عليها من عطفه الأبوي الذي افتقدته بابتعاده الإجباري عنها، شلت المفاجأة الصادمة تفكيره وحجبت عقله عن التصرف بمنطقية مع من تحمل لقبه، توقف خـــارج البازار ملتفتًا للخلف ومترددًا فيما سيفعل، فإن اقتحم المكان من جديد لنشبت مشادة أخرى حامية، وإن انسحب الآن لن يتحمل عذاب ضميره لعدم احتوائه لصغيرته، حسم أمره بالعودة إلى "آسيا" واستقبال ابنته في أحضانه حتى لو عنى ذلك اندلاع الحرب من جديد.

اقتحم البازار الخاص بها ليجدها تضم طفلتهما، سيطر على غضبه هاتفًا بصوتٍ جهوري:

-"آسيا"

ارتعدت لرؤيته من جديد وناولت صغيرتها لرفيقتها "جميلة" الواقفة بجوارها ثم تقدمت عدة خطوات للأمام لتحول بينه وبين "نادية"، سألته بحدة وقد توهجت عيناها الفيرويتان:

-رجعت ليه؟

نظر لها بعينين مشتعلتين من فعلتها الحمقاء التي كلفتهما الكثير ثم أجابها بجمودٍ مقلق:

-أشوف بنتي، ولا ده كمان مش من حقي

ردت عليه بنبرة أقرب للصراخ رافضة طلبه:

-لأ مش من حقك، دي تخصني أنا وبس

راقبت الصغيرة اشتباك الاثنين بخوف جلي في نظراتها نحوهما، أدمعت عيناها تأثرًا بالصراخ المرعب، وتعلقت أكثر بـ "جميلة" وكأنها تحتمي بها من الخطر المجهول، اهتاج "معتصم" من جملة "آسيا" الأخيرة التي ألهبت نيرانه المتأججة بداخله ليرد بحنق مضاعف:

-فرقتي إيه عن "شرف الدين" باباكي اللي حرمك من مامتك؟

وكأن في كلماته العفوية التي عبرت عما يدور في عقله الناقوس الذي أوقظ فيها ما حدث معها في سنوات عمرها الصغيرة، مر في عقلها شريط ذكرياتها مع والدها الجاحد الذي ملأ قلبها بالقسوة والجفاء، هدرت مستنكرة بشراسة وهي تلوح بيدها في الهواء:

-أنا مش زيه

نظر لها بغيظ قبل أن يؤكد لها بشاعة فعلتها:

-إنتي بنته، وعملتي بالظبط زي ما عمل فيكي زمان

انفعلت من إصراره على لومها صارخة:

المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن