انطَوتْ البَيدَاء.

147 20 26
                                    

زَقزقَ الطَائِر مُحلِقا
أعلَى رَأسْ الجَوّاب مُحَملقا

بِـقَلب الوَادِي تَستقر
صَخبٌ يَنبع مِن هُناك مُقِّر

طَرِبَت نَفسهُ أثر رؤيَتِها
وأقدمتْ النَاقة مٌقبلةً بِـحماسِها

ذِكرى تًطوف
أعَادت إليهِ مَا تِلك الأرض
والنَاقة المِسفارة بالجُمود ترض
بل مَا كَانت سِوى للآثامِ أرض

بَـأي عِلمٍ مَاهِية؟
إن أجوِبة القَفر لا بُـنَاهِية

مَا يَصنع؟
أبِـالعَودةِ حَيثُ البِِدايةِ يَقنع؟
أمَا كان منهُ الإقدام ينفع

انفرَجتْ الأبوابُ
مُعلِنةً عَن مَنظرٍ يَخدع الألباب

بُيوت مَرصُوصة
أسواق مَقصُوصة

كَأنهُ زَائرٌ مُحتار
يَدُق الأذان بإختيار

التفّت الأعناقِ نَاحيتهُ
سَامِحاً لـقَلبهُ يَخفق بَاقيتُه

لَازمتهُ الأعيُن حيث ذَهب
سَائلاً بِـمَقربة تَاجر الأصواف:
أي منزلٍ بِـالبِقاء أُوافِ؟

أَجابَ مُطيل البَصر:
إني بِـبَقائِكَ عِندي قد أهِب
ونَقدي بِـكَفي تَفر
وأنت مُرتَحل، لذا أعنِّي بَعضاً مِن ذَهب.

اِمتثل الرَحّالة مُستَبشرًا
لكنّ بالتَوَجُس مُتذكرًا

أنُه بأرضٍ تَغطس بِما لَيس فيهِ
فَاليمضِ يَومين بِـالخِفاء يَقيهِ

يَنهَجان طُريِقَهُما سَويا
نَاظِراً نَحو الرَحّالة القَويا

مُتحرياً بِـفُضول:
أنّى لِي بِـإلتماس اسمك؟
أجَاب: إني آسِر، أسير المَجهُول.
رد الآخر: بل أنت أسير النَاقة
بِـكَم تَبِيعها؟ أتراني بِـفَاقة؟

جَاوب: لَيست عَليها مَالكٌ غَيري
ومَا كُنت لأقول بِـذي خَصاصة لمُكرِمي.

ضَحك الآخر مَارِحا:
وإنّي طَنُّوس، مُكرمك حِين تُمسي وتُصبِح.
اِعوجَّ ثَغر آسِر وأمَامهُ يَفرح

لَحاقٍ بِـحَارةِ المُجون
حَيثُ يَلهو فِيها الأحمق والمَجنون

أخبرهٌ طَنُّوس:
أتَأكل مَا تَشتَهي؟
ولمْ تَكد الدَقِيقة تَنتَهي
حَتى اختَلس مَا أرادَ مُنتَهي

ضَجَّ آسِر والذُعر يُعانقهُ:
مَا فَعلت بِـصُنع؟
أفَأنت تَسرِق بِـلا نَفع؟

مُتناول خُبزهُ مُجيب:
بل إني عَن هَذه الخُبزة مُنيب
فابِـالقلقِ دَع ومَا هُو بِـمُستَحِق.
وكَان الوُجوم لَـهو المُحِق

وهَا هو المَأوى
قَال طَنُّوس: انظر إلى النَاقة
إنها على الحِراكِ لا تَقوى.

مُسرعًا يُجيب: لكنها على الكَلالةِ لا تَسقُط
فَازِح هَمّ النَاقة، فَـهي لِـسواي لم تَأمن قط.

والنَظر يَخترقهُ
مَن ذَا لِـطَنُّوس يَرقبهُ؟

فَـلا دَعَة لمُتعدٍ
ولا أنَاة لمُعتدٍ

والخَدِيعة بِـجُفونهُ تَجري
والآخرُ غَافلٌ لا يَدري

وقُصور عَقلهُ يَمنعهُ
عَن الصَواب يَحجبهُ

فَقد انطَوت البَيدَاء
والقُلوب عَن البَواطِن غُرَباء


طَنُّوس: اسم علم مذكر عربي، يعني المُظلِم؛ من الطَّنَس وهي شدة الظلمة.

 أرضُ الآثام | THE LAND OF SINSحيث تعيش القصص. اكتشف الآن