العودة

311 18 0
                                    


سافرنا في اليوم التالي نحو وجهتنا وطلبت مني والدتي ارتداء الحجاب بما يناسب قدسية المدينة التي سنقطن فيها وافقت على ذلك من غير معارضة فسواء قبلت او لا النتيجة ستكون لصالح امي وبعد ان نزلنا بأكثر من مطار انتهت الوجهة الى مطار النجف الاشرف وقالت امي هنا موجود قبر الامام علي الذي كنت قد قرأت الكثير عن بلاغته وفصاحته وكأنه انسان كامل بما يحتويه بعيدا عن كل شيء كان علي عليه السلام مثال حسن للاقتداء به والسير على طريقه.

في العراق كان كل شيء غير مناسب لي ولم يرقني عدا الشعور الذي تملكني حال دخلت ارضه لربما كان هذا هو شعور الانتماء الحقيقي من يدري.

داخل المطار كان ينتظرنا رجل هزيل متوسط القامة تلوح بعض الشعيرات الرمادية مقدمة رأسه بشرته سمراء عيونه واسعة وعلامات التعب ترتسم في تفاصيل تجاعيد بشرته كان يشبه والدي بشكل كبير وعرفت انه كان عمي باسل الذي سبق وحدثني ابي عنه وعن عطفه بكل من حوله, كان يقف الى جانبه شخصين الاول فتاة ترتدي عباءة سوداء وحجاب باللون نفسه تمتلك عيون واسعة عسلية تشبه لعينيّ الرجل فخلت انها ابنته واما الاخر فهو شاب تقاسيم الخجل تغزو ملامحه وكأنها المرة الاولى التي يستقبل فيها احدًا في المطار.

بعد ان تلاقت دموع امي وعمي حزنا لفراق والدي بقيت احدق بصمت وكأنني احد الجمادات التي لا تفقه شيء مما يحصل بعد لحظات احتضنني عمي وقال لا تقلقي يا ابنتي زهراء انا والدك من الان فصاعدا وهؤلاء اخوتك زينب وعلي.

كنت اود الصراخ في وجهه قائلة ان لا احد يمكن ان يكون ابي كفاك مجاملة وهراء ابي لا يستبدل بكلمات تتلاعب بها شفتيك لكني فضلت الصمت على بدأ حديث لن يخسر فيه احد غيري.

ونحن نتوجه نحو سيارة العم قال الشاب او كما يسمى علي الى هنا واترككم فلدي اختبار يوم غد ولا يسعني الذهاب لكربلاء ثم ذهب وبقينا نحن الاربعة جلست امي بجانب عمي في الامام وانا وابنته زينب جلسنا في المقعد الخلفي, بعدها توجهنا نحو كربلاء مباشرة ومستغنين عن زيارة قبر الامام علي الى يوم اخر بعد لقاء الاهل والاقارب.

كانت الكثير من التساؤلات تعتريني اود سؤال هذه الفتاة التي تبدو بنفس عمري او اكبر بقليل عنها لكني تجنبت الحديث ثم بدأت هي به, وقالت اسمك جميل يا زهراء فأجبتها بتبجح ما الجميل فيه انا اكرهه ابتسمت وقالت لمَ ذلك فلابد انك قد سميتِ به تيمنًا بالسيدة الزهراء روحي فداها, اجبتها ذلك لا يهمني ان كان لدي نفس اسمها لا يعني انني اتحلى بصفاتها ليكن بعلمك.

امضيت الطريق وانا اتأمل الاراضي القاحلة واللافتات التي غزت الاعمدة وعلامات التوقف والكتابات التي ملأت جداران مباني شبه معدمة (موكب علي الاكبر بخدمة الزوار) (لبيك يا حسين) (اهلا بزائرين الحسين) قررت ان اخرج من فجوة الصمت واتحدث مع زينب فقلت لها ما كل هذا؟

قالت الا تعرفين! هذه مواكب خاصة على طول الطريق لخدمة الزائرين الذين يأتون سيرًا من كل بقاع العام لزيارة سيد القلوب مولاي سيد الشهداء.

قلت لها بلى قد سمعت عنهم على شبكات التواصل لكن لم اتخيل ان هذا حقيقي بعدها ابتسمت وقال لازلنا لم نصل لكربلاء فعلى حد علمي انك لم تأت ولو لمرة لزيارة سيد الشهداء يجب ان تزوريه لتعلمي ان كل هذا حقيقي, قلت لها حسنا سأُفكر بالأمر حالما نصل.     

وتردّ سلاميOpowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz