الفصل الثامن

Start from the beginning
                                    

عاد إلى منزله مستقلاً سيارة ابن عمه بعد أن أرسل خاصته إلى التوكيل لإصلاح الأضرار الموجودة بها، كان مضطرًا لإلغاء كافة ارتباطاته بعد أن أفسدت عليه يومه، رسم "معتصم" على وجهه المتشنج تعابيرًا هادئة آملاً أن ينطلي ذلك على عائلته، درب نفسه جيدًا على التعامل بهدوء حذر مع أسرته كي لا يشعر من حوله بجم الكوارث التي تُلقى على كتفيه منذ أن وطأته "آسيا"، وخصوصًا من أفنت عمرها في تربيته ويعدها والدته؛ "نادية" تلك المرأة الحنون التي تملك بين يديها مفاتيح الأمان والحنان والأمومة الفائضة، عكف على الرد على أسئلتها المشتاقة عن ابنتها بحيادية وبدبلوماسية مانحًا إياها الأمل الزائف في العثور عليها، كان منزعجًا من كذبه المستمر وادعائه لجهله بمكان تواجدها، استنكر استخدام ذلك الأسلوب المضلل معها، لكنه كان يخشى من تبعات لقاء محكوم عليه بمواجهة شرسة ستخلف ضحايًا، خشي أن ينفضح أمره تلك المرة، فقد اكتفى من أفعالها وبلغ الذروة من تعامله معه، سار بخطوات متعبة نحو صورة العائلة ليتوقف أمامها، شرد متأملاً تفاصيلها مستعيدًا أسعد لحظات العائلة، انتفض في وقفته الشاردة حينما وضع والده يده على كتفه، ابتسم له قائلاً:

-بابا

قطب "وحيد" جبينه متسائلاً باستغراب:

-مالك يا "معتصم"، أحوالك مش زي تملي!

أخرج زفيرًا ثقيلاً مهمومًا من صدره وهو يجيبه:

-شوية مشاكل معقدة

أخفض والده نبرته متسائلاً بفضول جاد:

-ليها علاقة بـ "آسيا"، مظبوط؟

انقبض قلبه بقوة مع كلماته الأخيرة، شعر أنه كالكتاب المقروء أمامه، أخفى ارتباكه البائن عليه متسائلاً بتلعثم:

-وإيه اللي يخليك تقول كده بس؟

رد "وحيد" مؤكدًا وهو يومئ له بعينيه:

-علشان أنا عارف ابني كويس! كمان عرفت من مصادري مين هي "آسيا شرف الدين"!

زفر "معتصم" مجددًا وهو يشكوه:

-بجد أنا محتار معاها، مش عارف أعمل ايه في موضوعها

ربت والده على ظهره ثم تحرك معه إلى الأريكة الواسعة ليجلس بجواره عليها، استطرد "معتصم" حديثه قائلاً باستياء:

-ماما ماتعرفش حاجة عن حقيقتها، مفكرة إنها جاية تسأل عنها وترجع لحضنها زي ما تكون لسه العيلة بتاعة زمان

اكتست تعابيره بالحزن وهو يكمل بضيق:

-وهي جاية علشان تدمرنا وتضيع كل حاجة عملناها السنين اللي فاتت وتعبنا فيها

وضع "وحيد" يده على كتف ابنه ضاغطًا عليه ومضيفًا بنبرة ذات مغزى:

-ظهورها في التوقيت ده أكيد وراه حاجة، خد بالك أبوها مش سهل

المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅Where stories live. Discover now