الفصل الخامس

82.9K 2.7K 167
                                    

الفصل الخامس:

إن كانت واحدة غيرها موجودة في مثل ذلك الموقف المهلك للجأت للصراخ والاستغاثة بمن ينجدها من براثن الموت، لكن على عكس الطبيعي والمتوقع لم تقاومه على الإطلاق، ظلت "آسيا" ترمقه بنظراتها النارية التي تحمل كرهًا يوشك أن يحرق الأرض ومن عليها، ورغم شعور الاختناق الذي بدأ يستحوذ عليها إلا أنها رفضت التراجع، تقطعت أنفاسها وبدأت تدرك حاجتها للتنفس، لكن عنادها كاد يودي بحياتها، فهي لن تستسلم أبدًا حتى لو كانت على شفا خطوة من الموت، لن تريه أو تري غيره لحظة ضعفها، على الجانب الأخر، بادلها "معتصم" نظرات حقودة كارهة لما تبثه بداخله من مشاعر حنق وغل، لما توجده فيه من تصرفات بربرية لا يحبذها مطلقًا، تجمدت نظراته على حدقتيها الفيروزيتين، كانتا طبيعيتان، وتكرر في ذهنه سؤالاً ملحًا، لماذا ترتدي العدسات اللاصقة إن كانت تمتلك أعين ساحرة بحق، انتبه لتلك الزرقة التي تتسرب إلى بشرتها، شعر بالخوف لإقدامه على شيء أحمق وما ضاعف من تأنيب ضميره هو عدم مقاومتها له، أبعد أصابعه الغليظة عن عنقها متراجعًا بهلع للخلف وهو يجاهد لتمالك أعصابه التي انفلتت منه في لحظة طيش هوجاء، نظر لها مصدومًا وهو يستوعب ما أوشك على ارتكابه، شهقت "آسيا" بقوة لتستعيد أنفاسها من جديد، وضعت يدها على عنقها تتحسسه، ظلت تسعل لعدة مرات حتى عادت إلى طبيعتها، ومع ذلك لم ينتقص بغضها له ذرة واحدة، رمقته قائلة بتعالٍ رغم حشرجة صوتها:

-مكملتش ليه؟ خوفت؟

حاول أن يضبط انفعالاته الثائرة بداخله ليحدثها بجمود انعكس على تعبيراته:

-اللي زيك ماتستهلش إني أضيع نفسي علشانها، إنتي واحدة رخيصة!

كركرت ضاحكة رغم الوهن الذي تسلل إلى خلايا جسدها مزدرية إهاناته، استخفت بتهوره قائلة ببرود واثق:

-واللي زيي دي هـ .......

بترت عبارتها عمدًا لتثير فضوله قبل أن تتابع بغرور وهي تستند بيدها على حافة الأريكة:

-هاتخليك تركع عند رجلها تطلب العفو والسماح

استشاط من نجاحها الدائم في استفزازه، في إيصاله لقمة الانفعال حتى لو كان متسلحًا بأقوى دفاعاته، وقف قبالتها يشير لها بسبابته محذرًا:

-أحسنلك ماتلعبيش بالنار، لأنك مش هاتستحملي حاجة واحدة من اللي هاعملها فيكي، وفي الأخر هتتحرقي لوحدك

صفقت بيديها قائلة بتحدٍ:

-وماله، أنا جاهزة!

لم تصغِ "آسيا" لباقي ثرثرته المتعصبة بسبب ذلك الصداع الهائل الذي عصف برأسها في لحظة، تبعه دوارًا مصاحبًا له، هي تعرف ذلك الإحساس جيدًا، إنه إشارة إنذار لانخفاض مستويات السكر بالدم نتيجة عدم تناولها للطعام لفترة طويلة واستنزاف طاقتها دون وجود ما يعوض ما فقدته، كانت تصيبها تلك الحالة من آن لأخر حينما تعكف على اتباع حمية غذائية قاسية لتفقد الوزن، لم ترغب على الإطلاق في إظهار ضعفها أو تأثرها بشيء، بذلت مجهودًا هائلاً لتحافظ على ثباتها أمامه، كي لا تشعره بأنها ليست على ما يرام، نظر لها باشمئزاز متأفف، ثم أولاها ظهره قائلاً بقسوة وهو ينظر له بنفورٍ من طرف عينه:

المُحترَمُ البَرْبَريُّ ©️ - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن