08

216 10 1
                                    

في عالم محصور بين غين و باء، و ألف و همزة .. ولدت. في عالم بجل فيه السفهاء و عنف فيه النبغاء ... ولدت.

في عالم إن توسطت فيه خشبة و استهزأت بمن حولك، عظمت و وقفوا احتراما لك، و إن طالبت بحق و نطقت بما لم يحل لهم .. عذبت و زجوا بك في زنزانة بين أربع جدران. في عالم قاس و منحط ... ولدت.

في عالم كانت فيه أقصى مطالبي مجرد غذاء و اهتمام و رعاية، حينها كنت أراني أعيش في جنة حيث حققت جميع مطالبي. فالموت جوعا لم يكن إلا تعبيرا أستخدمه و لم أع أن هناك أناسا يموتون جوعا بحق. على الأقل حينها، كنت قد أهديت منزلا، طعاما و ... عائلة. أ كان ذلك محض صدفة، قدرا، أم مشيئة إلهية ؟! لا علم لي و لا دراية.

كبرت أكثر، لتكبر معي مطالبي، مطالب حققت بينما آخرون قد تخلوا حتى عن التفكير بها. و يوم توقفت مطالبي عن التحقق، يوم لسعتني أفعى الحقيقة، و سمعت فحيح واقعها، و سرى في عروقي جحيم سمها .. حين إذ، سقط القناع و انتهى العرض، لأرى العالم بأبشع حلاته .. و للأسف كان تلك حلته الحقيقية.

حيث الناس كالقطيع يمشون وراء قياد سفهاء نحو الهلاك، حيث من اختلف عنهم و جرى عكس التيار لقب بالخائن و المخرب للسلام، حيث من نادى بالحقوق قتل و من تغنى بالوضيع من الكلام وسم و شرف.

و أنا بدوري اخترت أن أتميز عن القطيع، رفضت أن أجاريهم، تحررت من قيودهم و مشيت بعيدا عن تقاليدهم و أفكارهم الغبية، و التي ما هي إلا لعنة حلت علينا، أفيون جعل من الجميع يتخبط و يترنح كسكير أمضى الليل يعاقر الخمور و يستنشق أعشابا تذهب بعقله و وعيه. انفردت عنهم، لقيت كثيرا من أمثالي، لكننا كنا دائما مهمشين، وصمة عار أمة فقدت معاني الكلمات الحقيقة.

اختلافي كاد أن يهلكني، لكنني آمنت به فلم أرض التخلي عنه، لم أرد أن أرتدي جلبابهم و أصفق لأشباه الفارغات من السنابل، فاستمررت في عنادي و بقيت على انفرادي. لم أهتم لهم و لم ألق بالا لكلماتهم الجارحة، فندباتهم ستبقى شاهدة على قوتي لا ضعفي ...

و أنا كذلك لم أهتم لهلاكهم و لا نجاتهم، فلن أنتظر ممن فضلوا الأبدان على الأذهان أن يرتقوا بتفكيرهم، لذا فأنا و بصمت سأشاهدهم يمشون نحو الهاوية، بينما أقاتل من أجل ورقة تمكنني من السباح في عالمهم دون الغرق ... و في الليل حين ينامون أختلي بأفكاري، يشاطرني سريري الرأي بينما تحتضن وسادتي دموعي .. و عاليا في السماء تواسيني النجوم و يشهد القمر على ما أقول.

كل ليلة أتمنى الهلاك لكل طاغية، سواء صدفة، امتثالا للقدر، أو خضوعا للمشيئة الإلهية.

خواطر.Where stories live. Discover now