الإخوة كارامازوف

2.7K 93 165
                                    

رواية (الإخوة كارامازوف) لـ دوستويفسكي

قبل أن نشرع بالكتابة عن الرواية دعونا نتوقف قليلاً عند الكاتب فيودور دوستويفسكي.

فيودور دوستويفسكي

هو أحد أعظم وأكبر كتّاب روسيا، بل والعالم أجمع، ذاع صيته في الشرق والغرب، حتى لا تكاد تُبصر مُثقفا في الدنيا لم يقرأ له أو يسمعُ عنه، وأعماله تُرجمت إلى العديد من لغات العالم.
كتاباته تمتاز بقوتها وعمقها وغوصها في دواخل النفس البشرية؛ لذلك لا نستغرب أن يقول عنه رجل بحجم فرويد: (لقد تعلمت سلوك النفس البشرية من روايات ديستويفسكي).
وأما أقوى وأعمق وأروع ما كتب على الإطلاق ـ من وجهة نظري ـ فهي روايته (الإخوة كارامازوف) ولا عجب في أن تكون كذلك وهي آخر ما كتبه، حيث توفي بعد كتابته لها بفترة غير طويلة، فكتبها بعد أن طحنته الحياة، وأفادته الدنيا، وصقلته التجربة، فخرجت عروساً حسناء تتلألأ في بهاء وجمال يجبر المرء على أن يقف له وقفة إعجاب وإجلال.

(الإخوة كارامازوف).

الرواية في كلمة (مذهلة) تقع في ثلاثة أجزاء، وفي بعض الطبعات في أربعة أجزاء، الجزء الأول بأكمله تقريبا لا يروي إلا أحداث يوم واحد فقط!
والأجزاء كلها مجتمعة تروي أحداث فترة زمنية لا تزيد على ثلاثة أشهر، 
تحكي الرواية عن أب لهُ ثلاثة أبناء شرعيين ورابع ( غير شرعي ) ، الأربعة كل واحد منهم له عالمه الخاص، لا يكادون يلتقون إلا نادرا، عاشوا مشرذمين مفككين بعيدا عن والدهم، وكل واحد منهم بعيد عن أخيه، وكما تباعدت أجسادهم فقد تباعدت أيضاً، قلوبهم،  وأفكارهم وأخلاقهم وطبائعهم..
الابن الأول هو الابن البكر (دمتري) وهو عصبي متهور، منفعل كل حين وكل وقت، شهواني لأبعد حد، لا يبحث إلا عن اللذة، ويكاد أن يكون صورة لأبيه ،وأكثرهم كرها له في نفس الوقت لكنه طيب القلب ، حساس وذو كبرياء ،مليء بالتناقضات ، ؛ لذلك فالرواية تشهد صراعاً شديداً بين دمتري الإبن وبين والده.

وأما الابن الثاني فهو (إيفان)، ذلك الملحد الفيلسوف المفكر الذي لا يؤمن بإله ولا جنة ولا نار، قاعدته في الحياة هي جملته الشهيرة: (كل شيءٍ مباح)، لأن الكون لا إله له.

وأما الابن الثالث فهو (ألكسي) الطيب المتدين المهذب الذي كاد أن يكون مثاليا؛ ولذلك فهو الشخص الوحيد الذي يحبه الجميع بلا استثناء، وهو موضع سر الجميع.

وأما الابن الرابع فهو الابن غير الشرعي (سمردياكوف)، ولأنه غير شرعي فهو منبوذ ومحتقر، لا من إخوته فقط، ولكن من إخوته و أبيه والدنيابأسرها، لم يعترف به إخوته أخا لهم، وجعله والده يعمل خادما في المنزل دون أن يعترف به ابنا له؛ لذلك فهو حقود حسود، لا يحب أحدا، ولا يُشفق على أحد ، أمه فتاتة مجنونة اغتصبها في يوم من الأيام فيودور كارمازوف وماتت اثناء الولادة بعد ألق ابنها في منزل آل كارامازوف فإحتفظ به الخادم ورباه عوضاً عن إبنه المتوفى.

وأما الأب (فيودور كارامازوف) فهو مثال للأب المستهتر، الأب الضائع الذي أضاع أبناءه معه بإهماله لهم، وبلهثه خلف الملذات دون أن يُبالي.
ذات مساءٍ يتم اكتشاف ذلك الأب قتيلا في بيته وتطال أصابع الإتهام الإبن الأكبر ديمتري ، ذلك أنه كان على خلاف دائم مع أبيه حول الميراث ، وسبق وأن أعلن أنه سيقتل أباه في يومٍ من الأيام.. ولكن يا ترى هل هو القاتل حقاً ؟  

الرواية تناقش عدة قضايا، أبرزها علاقة الكنيسة بالدولة، (الدين بالدولة)، وتربية الأطفال، والأسرة وكيفية بنائها، وخطورة الإهمال داخل الأسرة وما قد يتسبب فيه من كوارث، وقضية الإلحاد، وغير ذلك من القضايا، ويتضح ذلك جلياً في المشهد الأخير مشهد المحاكمة وعلىلسن المحامي ( نسيت اسمه 😂 )  ....

من الحوارات الرائعة في الرواية مشهد حوار ألكسي ( إليوشا ) والأب زوسيما ذلك الراهب الوقور .
ومشهد حوار إليوشا وإيفان ، عن الدين والإيمان والإلحاد ، والجنة والنار .. .

ومشهد حوار إيفان مع الشيطان ( قرينه )

كل من قرأ الرواية لا يمكنه أن ينسى القصة التي كتبها إيفان بعنوان " المفتش ألكبير " والتي تتحدث عن عودة المسيح في القرن السادس عشر وظهوره في بلاد الأندلس وسط جمهور من الناس المترقبين ظهوره والذين يهتفون بإسمه ،فيقيم لهم معجزات ولكن يظهر المفتش الكبير ويأمر بإعتقال المسيح ، فيعتقلوه ويسجد الجميع أمام قوة وهيبة المفتش ، كما يقول الشاعر :
الشرعُ ما سَنَ القوي بسيفهِ
فلسيفه التحليل والتحريم
.........
يقول احد المفكرين  عندما تقرأ لدوستويفسكي فستتعرف على أُناس جدد ، هؤلاء الناس هم نحن !
اي اننا سنتعرف على  انفسنا مع رواياته وسنجد من يشبهنا بين شخصياته ،
فهو يصور لنا النفس البشرية ذلك الكيان الغامض، تصوير من عرفها حق معرفتها ، وكل التناقضات التي في داخلها ،
كما ويصور لنا كيف إن الألم يصنعم من عظماء ....
لا أود أن أُطيل الكلام أكثر ، فإنني مهما اسهبت وتكلمت لن أفي هذهِ الرواية حقها .....
ملاحظة من أراد أن يقرأ أعمال دوستويفسكي فليقرأها بترجمة سامي الدروبي فهي أفضل ترجمة ...

الرواية تنتمي الى صنف الروايات الطويلة( دوستويفسكي ويحب يسولف 😂) فعدد صفحاتها يقارب ١٥٠٠ صفحة ...
استغليت ايام رمضان والفراغ حتى اخلصها اخذت مني تقريبا عشرين يوم لكن ابدا ما متندم على هذا الوقت 😊

تقبلوا تحياتي
اخوكم
علاء

   روايات عالمية ( ريفيو )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن