5

71 11 2
                                    

دخل سالم الى البحر الواسع، وكان البحر لم يتلقفه بعد، لأنه كان مسيطرا على حركات جسده وحاول ان يسبح الى صديقه لينقذه،  لأن عمار لن يعرف السباحة في موقف كهذا ولكن صدره انفجر بالألم فجأة وظهر اكتئابه و وحدته التي هرب منها طول حياته، وترك عمار قائلاً لنفسه "سيتدبر أمره"
لم يعد يهتم لشيء! في عقله هنالك صور وذكريات لعائلة على الشاطئ وفتاة تتدفق من معدتها الدماء، وقارب بعيد يحمل أملاً  زائف صور مجنونة وألم وحزن مجهول، أغمض عينيه بقوة وعرف ان اكتئابه عاد، ليكون الحلقة الأخيرة من حياته في هذا البحر، ليسحبه للقائهما الأخير فاستسلم له، وأصبحت الحياة رخيصة حينها، وشعر أنه عاد لدروس السباحة مرة أخرى المياه تبلل شعره وتمسح دماء اخته، والتيار يسحبه أيضا ولكنه لم يقاوم او يحرك رجليه استمر بتذكر اول غرق له، كان متحمسا في اول يوم له في نادي السباحة والمدرب مشغول مع المستجدين فوقف عند البركة ببطنه العاري وهو ينظر الى بركة السباحة وكأن البركة تناديه من الاعماق، تحدى المياه وارتدى نظارته وغطس بسرعة كأن رجلاه محركان لطيارة نفاثة ولكن سرعان ما تعطل جسده ولم يعلم كيف يعود للسطح فبدأ يحرك اطرافه العلوية وشعر انه يضعف وان اطرافه تمتد للأبد ،وكانت الأبدية مرعبة بالنسبة لطفل!
فبدأ يخاف ويهلع، ينتظر ان يسرع أحد لنجدته بينما كان فمه مقفلاً يمنع المياه من ان تتسرب الى رئتيه جلس هناك  لإثنان واربعون ثانية حسبها بدقة، كان يحاول ان ينسى الأبدية بالعد "واحد اثنان ثلاث، تحمل يا جسدي سيصل احد الان" ثم اكمل العد "ثماني وعشرون تسع وعشرون ثلاثون يبدو اننا سنستسلم يا جسدي لا احد سيأتي أبدا" واستمر يعد حتى التقطه المدرب وبدأ يخرج الماء من كل مكان حتى عيناه أخرجت مياها مالحة، احمر وجهه وتخبط في الوان كثيرة وبعد ما حصل كان كلما نظر الى أصابعه تحت المياه شعر انها تمتد في مكان مظلم تحت البحر
والان مثل بركة السباحة ولكنه لم يقاوم يداه ضعيفتان تمتدان للمجهول تمتدان للعالم الجديد شعره يتحرك ببطء يحبس نفسه  ثنان واربعون ثانية مرة اخرى ثم تذكر في الرقم عشرة قصيدة كان سيقرأها  لأمه قبل ان تموت وبدأ يقولها في داخله كما لو أنها اخر ما يريد ان يتذكر وبدأ يقول في نفسه "(احدى عشر اثنا عشر)
كانت امرأة وحيدة
( خمسة عشر ستة عشر)
بلا  أساور أو بيت أو عشيق
(ثمانية عشر تسعة عشر)
و لذا قدمت نفسها للبحر
(اثنان وعشرون ثلاثة وعشرون)
فهل هذا شيء مثير للإهتمام؟"
انتهى ما حفظه في اثنتا عشر ثانية، امتدت اطرافه وعلا شعره وهو يهبط بقي له عشرون ثانية آلمه صدره والألم يزيد حتى أصبح طاقة هائلة  لا يستطيع منعها فبدأ يشد على صدره، وفكر "انه الموت من يستطيع ان يمنعه؟" أراد ان يبكي ولكن لم يستطع فظل يشعر بالبكاء ويعد حتى وصل  لإثنان واربعين وعندها تفجرت آلامه وصرخ في أعماق المحيط وهو يشعر بالبكاء وتمكن منه ا كتئاب وتمكن منه البحر، وقبل ان يغمض عينيه ل جلأبد تذكر يدان ملطختان بالدماء، تنقبض كشمس ذلك اليوم عندما غطست في البحر ،وانقبضت! يد حمراء كشمس حارقة تنقبض! كما انقبضت حياته في يد الحرب، وانفجرت!

ولينقبض قلبه بعدها لآخر مرة ويتوقف، وتمتلئ رئتيه بالماء كأنها اسفنجة، ويصبح جسده خفيفا كريشة وصغيرا بالنسبة للعالم كريشة فهو مثل ملايين الموتى في البحر الذين  لا يعلم عنهم أحد، وربما تذكرهم نشرة الأخبار بالمجهولين في خبر ذو اثنان وأربعين ثانية كما لو ان هنالك اثنان وأربعون شمسا وبحرا ليتحدثون عنها، اثنان واربعون دقيقة لينقلبوا، اثنان واربعون ثانية ليموت، وهنالك الكثير ليحصل في اثنان وأربعين ثانية

تلقف البحر جسده حينها وبدأ يصعد للأعلى، وطفى فوق البحر تحت السماء الزرقاء التي هدأت حينها، وبدأ البحر يعزيه ويبحر به للشاطئ، ليدفنوه كإنسان!
تمت

اثنان واربعونWhere stories live. Discover now