4 - سيدها الوحيد

434 10 0
                                    

  أشرق يوم الإثنين مشرقاً براقاً ، فسعت سيليا إلى تركيز أفكارها على جمال هذا اليوم ، وذلك عندما كانت تتناول الفطور مع كارول وحدها ، فكريستبال إير طلبت الفطور إلى غرفتها وكانت العجوز قد اختفت عن الأنظار منذ وصول سيليا إلى المنزل في الليل الفائت . أصرت سيليا على عودة كارول إلى كليتها بداءاً من اليوم . . فعلى حياتها أن تعول إلى فلكها الطبيعي . - وأضيفي أن والدك حينما يرى نفسه وحيداً معي في المنزل سيتقبل وجودي أكثر وتتضاءل رغبته في التخلص مني . - - لا أعتمد على هذا . . صحيح أنه لم يعرف أنك وصلني ، إلا أنه في مزاج رهيب منذ ليلة أمس ابتسمت سيليا : - - ربما عرف أنني وصلت . - - لا أظن هذا . . من المستحسن ذهابي الآن . هل أنت واثقه أنك ستكونين على ما يرام ؟ - - كل الثقة . كان عندي مرضاً أسوء حالاً منه . ترددت سليا أمام غرفة برودي ، تتساءل عن نوع الإستقبال الذي ستتلقاه . فإن كان ما قالته كارول عن مزاجه صحيحاً فهذا يعني أنه لم يفرش لها الارض ترحيباً .  حين دخلت بعد طرقة خفيفة ، كان خارج فراشه مرتدياً ثيابه ، جالساً أمام النافذة ، ولكنه لم يرفع وجهه إليها وكأنه كان يعرف من دخل عليه حتى قبل دخولها . قالت تهاجمه ما إن رأت النظارة : - لم تضع هذه النظارات وعينيك لا تشوبهما شائبة ؟ بدلاً من الغضب التي أملت أن تثيره ، التوى فمه بابتسامه ساخرة : - ولماذا ترتدين بزّة الممرضات الرسمية ، وأنت تعلمين أنني لا أراك ؟ - لكن هذا لا يجيب على سؤالي . - أضعها لأنني أ{يد أن أضعها . - هذا ليس رداً ! - وهو الرد الوحيد الذي عندي . . . وماذا عنك ؟ أنت لم تجيبي عن سؤالي بخصوص بزَّتك الرسمية . - أنا . . ممرضة . . - سبق أن قلت إنك ممرضتي . . . أنا أستحسن ألا ترتدي بزّة التمريض عندما تكونين معي . . . اخليعها . تصاعد الللون الأحمر إلى وجنتيها : - عفواً ؟ تشدق ساخراً : - عزيزتي آنسة هالام . . . ماذا أعني برأيك ؟ ألا تقيمين في المنزل ؟ - أجل . - إذاً توجهي إلى غرفتك وارتدي شيئاً آخر علماً أنك قادرة على خلع ما تريدين دون أن أستفيد من هذا شيئاً ! فقد حرمت حتى من متعة النظر إلى إمرأة جميلة . - أنا لست جميلة . - وكيف لي أن أعرف ؟ قد يكون وزنك مئة كيلو غرام أو تشتبهين " غوريلا " فكيف أعرف ؟ ابتسمت : - لست على هذا القدر من البشاعة . . . كما أنك غير مضطر لرؤية جمال المرأة ما دمت قادراً على الإحساس به .  - أوه . . أجل. . وهل ستحب المرأة أن تجد يدي طريقاً إلى جسمها . أترغبين معي هذا آنسة هالام ؟ عضت على شفتيها غير واثقة من قدرتها على تحمل حديث حميم كهذا . فقال معلقاً بخشونة : - عرفت أنك لم ترغبي . أخذت نفساً عميقاً : - سأعقد معك إتفاقاً . تغيرت أسارير وجهه. - أي نوع من الاتفاق ؟ - تخلع النظارة السوداء ، لأنها غير ضرورية خاصة وأن لك عينين ساحرتين ، وعندئذ أسمح لك بالتعرف إلي لمساً . . . اتفقنا ؟ فكر برودي برهة ، وهز رأسه ببطء : - اتفقنا . مع أنني قد أصاب بخيبة أمل . تقدمت تجثو أمامه وسألت : - خيبة أمل ؟ - ابتسم : - لك صوت مثير آنسة هالام ، لذا أخشى أن أكتشف أنك مختلفة تماماً عما أتصور . أمسكت يديه مبتسمة ، وهما يدان حساستان ما زالتا تحملان آثار الجروح ، فوضعتهما على جانبي وجهها . لأن من الطبيعي أن يرغب في التعرف إلى وجهه الفتاة التي يسمع صوتها ولكن ليتها . . ليتها فقد لا تشعر بالتوتر . لمس شعرها أولاً : - همم. . . ناعم الملمس ، متجعد . . مالونه ؟ - أحمر ذهبي تقريباً . راحت أطراف أصابعه تمر على وحهها . . فاقشعرت بشرتها لملمسه . . . كان مستغرقاً في مهمته ، حتى تمنت ألا يشعر باضطرابها . . وتمتم : - حاجبان جميلا المظهر . . أهداب طويلة حريرية . . . مالون عينيك ؟ - عيناي خضراوان . - خضراوان قاتمتان أم .. .  - قاتمتان . - أنف مرتفع . . أهناك نمش ؟ - القليل منه . أخذ توترها يزداد قوة كلما أمعنت يداه في لمس كل جزء من وجهها . . وتابع : - وجنتان مرتفعتان . . مجوفتان . . إذن أنت لست سمينة . - خمسون كيلو غراماً أما طولي فمئة واثنان وسبعون سنتمتراً . - أنت نحيلة بالنسبة لطولك . ما عدت أستغرب أن يكون خداك أجوفين ! لك ثغر جميل . . همم ، يغري يتقبيله . احتاجت إلى كل ما تملك من قوة إرادة لئلا تسحب نفسها بعيداً عنه . . . ولكنها كانت تعلم من التواء فمه أنه يقصد إثارتها ، فبقيت صامتة تبذل جهداُ كبيراً . تحركت يداه إلى ذقنها وقال متمتماً : - ذقن صلب . . . كنت أعلم هذا . - رفع يديه إلى أذنيها ، ثم هز رأسه ينزلهما إلى جنبيه : - هل أنتهيت ؟ هز رأسه : - عليَّ الآن أن أرى جسدك بيديّ . شهقت : - لا! قست تعابير وجهه : - هذا هو الإتفاق سيليا . - لا . . .  - بلى . . سألتك إن كنت تقبلين أن تجدى يداي إليك طريقاً - وقد وافقت على ذلك إن قبلت أن أنزع النظارة التي لا تعجبك  شهقت : - عنيت وجهي ! لا جسدي ! - أنت تتراجعين عن الإتفاق إذن ؟ - لا أتراجع بل أقول إن الإتفاق ليس كما تصوره أنت . أ- مر مؤسف . . مع أن نحولك لا يغريني أبداً بالاقتراب منك .  كانت الإهانة شديدة الوقع عليها ، فقد تذكرت سيليا زوجته الشهية التي فضلها عليها منذ ست سنوات.
صاح بها وهي لا تزال جاثية أمامه . - حسناُ ؟ فوقفت تنظر إلى المرارة البارزة في وجهه . . ما أشد ما تكره هاتين النظارتين ! ولكن أتكرههما إلى درجة أن تتحمل يديه على جسدها ؟ وجدت في هذه الفكرة ما يبعث عن التوتر ومع ذلك صاحت به : - حسناً. . لك ذلك . نبض عرق في فكه ، ولكنه لم يتحرك ، بل قال يصرف النظر عن الأمر ببرود : - لست يائساً إلى هذا الحد . ثم هب واقفاً ولكن سيليا لم تكن قد تحركت ، فاصطدم بها حتى كاد يوقعها ولكن يديه سرعان ما أمسكتا بها . - أنا آسف . ثم ما لبث أن ابتعد عنها بحده ماداً النظارة إليها . - هاك . . خذي هذه النظارة اللعينه إن كانت تهمك إلى هذه الدرجة . تناولتها منه قائلة : سأسعى إلى تبديل ملابسي لأنني أفكر في القيام بنزه في الحديقة . . . - لا . .  - لا؟ - لقد سبق وقلت لك أن لا فائدة منها . ردت بعناد مماثل : - بل هناك فائدة . . فالكلب بوبي الذي رأيته البارحة لا يأكل كما يجب . أحسبه مشتاقاً إليك . - الكلاب مخلوقات متقلبة ، كالنساء تماماً . سرعان ما ينقلب حبها إلى شخص آخر . - ولكنه ليس مضطراً إلى البحث عن آخر وأنت أمامه . بدا غاضباً حقاً : - لا أريد الكلب هنا كما لا أريد النزول إلى الحديقة ! بالله عليك . . . دعيني وشأني . . !  - لا أستطيع . . هل حلقت لحيتك هذا الصباح ؟ علت وجهه تقطيبة : - وما شأن هذا ببوبي ؟ لا شئ . . كنت أشأل . - حسناً . . لا تسألي فلا أحتاج مربية أطفال . تدربت على القيام بما يلزمني في الحمام . لقد مررت بهذا كله في المستشفى . . لماذا إهتمامك بحلاقة لحيتي أو عدمها ؟ ثم راح يلمس بشرة وجهه الناعمة . . فقالت : - إنها جيده . . تسأل فقد عما إذا كانت باستطاعتك القيام بأشياء معقدة كالإغتسال أو الحلاقة أو ارتداء ملابسك . لماذا ترفض القيام بنزهة في الحديقة ؟ - لأنني أرفض السير معتمداَ على عصا بيضاء . . !  لماذا لم تفكر في هذا السبب من قبل . فلبرودي كبرياء يمنعه من عرض عجزه أمام الناس . . . لقد حفظ ما يحيط به في غرفته وحمامه . . ولكن في الحديقة ما زالت مجهوله بالنسبة له ، محفوفة بأخطار غير مرئية . فسارعت تقول له بمرح : - لديّ ما هو أفضل بكثير من عصا بيضاء .  أوه . . صحيح ؟ - أجل. . جرب هذه . وضعت يدها بيده ، فاتنفض : أو هذه إذا شئت . ثم وضعت يدها في ذراعه . - هذا يسهل علي إعطائك التعليمات التي تحتاج إليها . - - لا! . - - لماذا ؟ - لأنني سعيد هنا . - ربما ولكنني غير سعيدة ! فلن أمضي الصيف في هذه الغرفة الخانقة وهناك حديقة جميلة تمد يديها مرحبة . أكملت هذه الكلمات ثم تحركت مبتعدة عنه : - تهربن آنسة هالام ؟ - أبداُ . . إنما بوبي على ما أظن سيقدر صحبتي له أكثر منك . رد ساخراً : - دون شك . نظرت إليه نظرة إحباط قبل أن تترك الغرفة خافقة القلب . . . فقد يظن أنه دفعها إلى الهروب . . ولكنها لم تنته منه بعد ! - بدلت ملابسها ثم قصدت الحديقة ، فسارع بوبر لملاقاتها . . فقالت بصوت مرتفع وهي تدرك أن الجالس جامداً أمام النافذة سيسمعها . - سيدك المتقلب المزاج ما زال جالساً مقطب الجبينين في غرفته . .  - إذن لم يبقى سوانا . . . فلنبحث عن قطعة تلعب بها . . . هه ؟  قضت ساعة كاملة مع الكلب وهي تحاول بذلك أن يعرف برودي أنهما يتمتعان بوقت عظيم . . ولكن عندما أزف وقت عودتها إلى الداخل شعرت بالندم . توجهت إلى غرفتها الملاصقة لغرفة برودي تريد الاعتسال وترتيب نفسها قبل الغداء . وعندمت هيأت نفسها توجهت إلى المطبخ حيث مدبرة المنزل تقدم الطعام . قالت لها : - سأحمل طعام السيد بادجر مع طعامي . بدا التردد على الآنسه ويل: - اعتدت أن أحمل له الطعام على صينية . - سأحمل طعامنا معاً على صينية واحدة . - لا أحسبه يرضى بذلك . - وهذا ما أعتقده أنا أيضاً . بدت الحيرة على وجه مدبرة المنزل . - ألا يقلقك هذا ؟ - أبداً . - حسناً ولكن لا تقولي إنني لم أحذرك . حملت سيليا الصينية ضاحكة ثم توجهت إلى غرفة برود ي فقرعت الباب بقدمها . - ادخل . صاحت ترد عليه : - لا أستطيع! - مالذي يمنعك ؟ سمعته يتمتم ثم فتح الباب . مرت به تحمل الصينية سائلة عن المكان الذي يفضل أن يتناول طعامه فيه , فقال لها : - طننتك ممرضة لا ساقية في مطعم . - لن أجادلك الآن ولن أسمح لك بإفساد شهيتي . . فلحم الغنم يبدو لذيذاً . - إذن لم تموتي جوعاً . . صحيح ؟ جلست براحة على مقعد يقع قبالة مقعده : - ألن تجلس ؟ رفع رأسه بعجرفة : - حين تخرجين . - أوه . . ولكنني لن أخرج . - لا أريد مراقباً يراقبني أثناء تناول الطعام ! - لن أراقبك بل سأكون مشغولة بطعامي . .  التفت إليها بحدة : - تتناولين طعامك ؟ لن تأكلي هنا ! - لكنني بدأت . . همم.. كنت على حق . . اللحم لذيذ لماذا لا تتذوقه ؟ انا واثقة أنك . . .  - لا تعامليني كطفل . - إذن توقف عن التصرف كطفل ! هل في تناول الطعام ما يضرك ؟ اكره أن آكل وحيدة . - كرتستبال . . .  - تتغذى عند أصدقاء . تمتم: - هذا تصرف مثالي منها . لم يكن يستطيع مسامحة حماته على تجاهلها له ، فهي لا تزوره على الرغم من أنها تعيش معه تحت سقف واحد . ..  توسلت إليه سيليا بصوت ناعم  - رجاء إجلس برودي . . . سيبرد الطعام . نظر إليها نظرة غاضبة جعلت عينيه تنصبَّان عليها حتى استصعبت تصديق أن هاتين العينين النافذتين لا تريانها . . قال بحدة :  - ألن تقطعي طعامي ؟ - أتريد مني ذلك؟ - لا! كان في الواقع يتناول طعامه بطريقة رائعة ! ولكنها لم تعلق على هذا لأنها تعرف كرهه لمن يراقبه . بعد تنظيف الطاولة قالت : - سأحضر القهوة . أدار ظهره إليها : - سيليا . . .  - نعم ؟ - شكراً لك . . يستحسن أن أعرف ما أتناول قبل أن أقدم على الأكل ، الآنسة ويل تترك الصينية عادة دون تفاصيل هامة .وقد حدث أن تناولت الحساء مع حلوى التفاح . - أوه . . برودي . - لحضري القهوة  حين عادت تحمل صينية القهوة كانت لحظة التقارب قد تلاشت ، إذ رجع برودي إلى وجومه . . . ولكن ما حدث من تقارب قبل قليل كان بداية جيده . لذا لن تدفع الأمور قبل الأوان ، فكانت أن عرضت عليه قراءة الصحيفة . فصرف النظر عن الاقتراح قائلاً:
- أستمع إلى الراديو ولكن الراديو لا يذكر إلا العناوين الرئيسية وهناك أمر آخر يتعلق بي . فأنا لم أقرأ الصحيفية اليوم . - تردين قرأءتها أثناء دوام العمل ؟ - ولم لا ؟ لاعبت الكلب أثناء الدوام . التوى فمه ساخراً: - نعم . . عندما كان " سيده المتقلب المزاج مقطب الجبين في غرفته " . بدا لها ما فعلته طفولياً فقالت : كان بوبي يفضل أن تلاعبه أنت . - لقد تمتع بصحبتك كثيراً . كنت تبدين مرحة . - صحيح . . والآن هل أقرأ الصحيفة ؟ رد ساخراً: - هيا إقرأي . أكره أن أفسد عليك يومك الرائع . تركها في البدء تقرأ بلا تعليق ثم لم يلبث أن راح يسألها عن نقاط معينة ، فعلمت أنه يصغي إلها باهتمام . . أخيراً وضعت الجريدة من يدها . - هذا يكفي الآن . . أحتاج إلى فنجان شاي ، ماذا عنك ؟ - آسف . . لم أفكر في الأمر . . . اذهبي وتناولي الشاي . - سأحضر الشاي هنا . . .  - أفضل أن أكون على انفراد عندما احتسي الشاي وعندما أتناول العشاء أيضاً. - طبعاً . . ولكنني سأحمله لك بنفسي . هل من مانع ؟ وعندئذ أقول لك ما هو على الأقل .  قال لها : " حسن جداً " ثم أشاح عنها وجهه . عندما وصلت سيليا أسفل الدرج كانت كارول قد عادت من كليتها . فسألتها : - أكل شئ على ما يرام ؟ - نعم . . . لماذا لا تصعدين إليه ؟ فسيكون سعيداً برؤيتك . - أكان على ما يرام ؟ - حسناً . . لم يرميني بشئ . كيف كان يومك في الكلية ؟ ردت وهي ترتقي الدرج : - رائع ..  - اهتمي بكليتك وانسي القلق على والدك . . . بالمناسبة ماذا تدرسين ؟ ضحكم كاروول: - احزري! - لا تقولي الطب ؟ - وما سواه . - حقاً . . أراك فيما بعد . وقفت كارول أمام غرفة أبيها تهمس : - هل الدخول إليه آمن ؟ - إنه آمن من البقاء خارجاً ! ضجكت كارول وهي تدخل ، فابتسمت سيليا ثم توجهت إلى المطبخ لتقول لمدبرة المنزل أن برودي وكارول يطلبان الشاي . أما هي فتريده في غرفة الجلوس. بدت كارول هانئة البال تضئ وجهاا إبتسامة مشرقة . - لقد جالس يحادثني . . مهتماً بما أقوله . . فعلاً.   لكن هذا لا يدل على نجاحها . . فقد يطلب منها غداً الرحيل وقد يشجعها على التنفيذ تعليقات خبيثة أخرى تطلقها كريستبال . تلك الليلة عندما حملت إليه صينية الطعام حيث كان في النهار جالساً امام النافذة التي أحدق بها الظلام . وهذا ما ذكرها بأنه لا يستطيع إلا رؤية الظلام الذي يلفة ببراثنه .  - أحضرت لي العشاء ، وهذا يعني أن الظلام هبط على الكون خارجاً . أليس كذلك سيليا ؟ - كيف عرفت انني قادمة ؟ بدأت ترتيب الطعام على المائذة . فهز كتفيه : - من عطرك . قطبت جبينها : - ولكنه عطر جديد . لم أضع مثله من قبل . دنا منها حتى كادت أنفااسه تحرك شعرها : - قلت لك عطرك سيليا . . . عطر جسدك كعطر الأرض والقمر والسماء . . . كأفروديت تماماً.. - أوه . . . - أليس عندك أكثر من الآهه ؟ ولكنها عوضاً عن الرد راحت تصف له عشاءه , متجنبه النظر إليه . . فما برودي إلا مريض تعتني به . . ولكنه تمتم رداً على سؤاله : - جبانه . ردت بعنف : - لست جبانه . . إنما أعتقد أن هذا النوع من الحديث قد يفضي إلى أية نتيجة .  - أنت على حق سيليا . . فلن يجدي الحديث نفعاً ما دمت أؤمن أن اللأفعال صوتاً يعلو صوت الكلمات . وقبل أن تعرف نواياه شدها إلى فوق يضمها إليه بلهفة . . . أرادت ان تقاوم بل حاولت المقاومة ، ولكن جسدها خانها . . . فاندست في صدره متأوهة وكأنها لا تعرف لها سيداً غيره ز.تأوه هو أيضاً : - ماذا تردين . . صفي ثوبك ؟ - إنه ثوب أسود . . .  - أله ياقة مقفلة ؟ راحت أصابعه تعبث بالزر المستلقي قرب عنقها : - أحب ملمس بشرتك . ولكنني أعرف أن جمال شعرك البراق يتوهج متألقاً أمام اسوداد الثوب . - وكيف عرفت ؟ . . .  - لقد وصفته أمامي . . . أتذكرين ؟ عرفت سيليا سبب تحركاته ، وندمت عليها . . كانت تعرف أنه في هذه اللحظات نسي عماه الذي ما عاد يهمه في هذا الوقت فقد كان يداعبها بيديه لا بعينيه . تصرف برودي بوحشيه بغيتة إثارتها ومعاقبتها ، وقد كادت فعلاً تشهق ألماً . ولكن المشكلة أنها كانت تحس يالسعادة بين يديه رغم هذا الألم . . . فقد مضى زمن طويل منذ أن ضمها على هذا النحو . . . زمن طويل . . طويل . فجأه أبعدها عنه بفظاظة وقد تحجرت عيناه قسوة والتوى فمه ازدراء حتى حسبته يراها .  قال لها وهو يمرر أصابعه في شعره الكث : - لقد إستطعت لمسك أخيراً . ابتلعت لعابها بصعوبة : - برودي . . . أنا . . .  - ما أغرب الأمر ! لقد شعرت أنك مألوفة . يستحيل . . يستحيل أن يتذكرها ! لقد مضى ست سنوات ، وقد تغيرت ، باتت أنضج . . . يالله . . . إن لم يثر فيه أسمها الذكريات فكيف لجسدها أن يذكره بها . نادها عابساً  -سيليا ؟ - ما زلت هنا . - أعرف . . أظنني برهنت أن كل حواسي ما زالت تعمل بشكل طبيعي . اجمر وجهها وتلعثمت حياء وهي ترد : - صحيح . . أعني . . لقد برهنت . . والآن يجب أن أنزل لتناول العشاء . . سيبرد طعامك ، بل برد طعامك . . سأحمل إليك صينية أخرى .  - ياللغرابة ، لم أعد جائعاً ! لقد اكتفيت . كانت أنفاسها مقطوعة في حلقها أمام كلماته المهينة . فردت باشمئزاز : - إذن ، من السهل إرضاؤك سيد بادجر ، لأنني لم أكتفِ بعد وأستطيع أن أجد ، إن تركت هذا السجن ، من يساعدني على الإكتفاء . . . عمت مساءً سيد بادجر . . .   - أيتها الـــ . . . .   استطاعت ، قبل أن تقبض عليها يدها ، الفرار إلى خارج الغرفة ، فقد بدا لها مجرماً يرغب في وضع يديه على عنقها لخنقها .  ترى أما زال برودي في عقله الباطني يذكرها ؟ ألهذا أحسَّ بأنه عانقها واحتواها بين ذراعيه على هذا النحو من قبل ؟ هل تذكرها ؟ لو تذكرها حقاً لوجب عليها الرحيل . . . نعم . . الرحيل . منذ ست سنوات أحبت برودي ولكنه أختار زوجته ورفضها . . . وإن ثابرت على عملها هذا علم برودي أنها ما تزال تكن له ذاك الحب . . .   الليلة ، عندما عانقها ، أيقنت أنها ما تزال تحب برودي بادجر !

طائر الظلام Where stories live. Discover now