قصة قصيرة

Start from the beginning
                                    

بالفعل أخذت الموعد .. وذهبت بصحبة أبي وأمي إلي منزل "سونيا" لأتقدم لها رسميا ... رحب بنا والدها ووالدتها .. ومن ثم رأيتها تقبل علينا فإنبهرت بجمالها .. فكانت تاركه شعرها الأشقر خلف ظهرها وعينيها العسليتين مكحلتين وتضع أحمر شفاه جعلها جميلةً للغاية .. حملقت بها وأنا أستنشق رائحة عطرها النفاذة .. ولم أنتبه إلا مدت يدها لتصافحني .. فصافحتها وغمزت لها .. ثم جلست قبالتنا ..
لاحظت تجهم وجه أبي مُجرد آن راءها لا أعرف لماذا ..
ولكنه مال عليا قليلا وهو يقول : كم تبلغ من العمر هذه الفتاة .. ؟
تلعثمت قليلا وأنا أخشي ردة فعله إذا عرف أنها تكبرني بعشرة أعوام .. فتحدثت بتوتر بعض الشئ : ثلاثة وثلاثون عاما ..
إتسعت عيني أبي وتابع : أجننت أنت ؟؟ أنت عمرك ثلاثه وعشرون عاما وهي تكبرك بعشرة أعوام ..
تحدثت بخفوت : يا أبي ليس بالسن .. أنا أحبها ..
صر علي أسنانه وأعتدل في جلسته .. فتحدثنا قليلا مع أهلها .. وكانت سونيا تتشارك معنا الحديث ..
إنتهي الوقت ورحلت مع والدي إلي المنزل بعد آن قال آبي لهم أنه سوف يسأل عليها أولا .. فغضبت من كلامه هذا ، فقلت بعد أن ذهبنا الى المنزل ..
- لا داعي للسؤال عليها يا أبي !! أنا أثق بها وبأخلاقها ، لماذا تفعل هذا معي ؟؟
صاح بي بغضب عارم : هل جننت ، أنا افعل كل هذا لأجلك !! ثم إن هذه الفتاة لم تنال إعجابي كما أنها تكبرك عشرة أعوام !! قل لي ما الذي أعجبك بها ، أعطيني صفةً واحدة فقط
صمت قليلا ثم تابعت بعصبية : قلت لك من قبل أنني أحبها وهي أيضاً !! وأنها تعجبني كليا ..
تابع أبي بحدة : لابد أن أستعلم عنها وإذا إتضح أي شئ لم يعجبني فلن تتزوجها أبدا .. وهذا آخر كلام لدي ...
أنهي كلامه ودلف إلي الداخل ، فجلست أدفن وجهي بين كفي والغضب يتملكني فجلست أمي لمواساتي كعادتها معي فزفرت بضيق وأنا أتابع :
- لا أعلم لماذا يفعل معي كل هذا ، عندما أريد شئ يرفض وبشدة ، إلي متي سيظل يُعاملني بهذه القسوة !! 
ظلت أمي تهدئني فقالت لي : هذا ليس صحيح يا باسم أبوك يُحبك ويتمني لك الخير ، .. أقل لك شيئاً ولا تغضب مني ؟؟
أومأت برأسي بصمت فتابعت أمي بخفوت : هذه الفتاة لم تنال إعجابي أنا أيضاً ، وليس أبيك فقط ، دعك منها يا باسم وسوف يرزقك الله بالأفضل، لتكون من نفس عمرك وعلي قدر أيضاً من الأخلاق .. !
نهضت وأنا أقول بغضب : أنتي أيضاً تقولين مثله يا أمي ، يا الله ليتني أموت وأرتاح .. دلفت إلي حجرتي وأنا في أشد غضبي ..
لتمــر الأيام ويأتي أبي ذات يوم يقول لي : لقد إستعلمت عن هذه الفتاة يا باسم ووجدت أنها لن تصلح لك ، قالوا الناس عنها ، سوء الكلام وأنت يجب عليك تركها ، وسيرزقك الله بغيرها تكون أفضل ..
شعرت حينها أنه يقول ذلك فقط لأنها لم تنال إعجابه فصحت به وأنا أقول : كذب ، كلامك كله كذب يا أبي أنت تُريد إبعادها عني بأي وسيلة ولكني لن أسمح لك بذلك ..
إتسعت عينا أبي وصفعني بقوة وهدر بي : أصمت ! كيف تطاول عليّ هكذا !!
صُدمت وضغطت علي أسناني بشدة ثم تحدثت بصوتٍ عالِ : لن أبقي معكما في المنزل بعد الآن سأتزوج سونيا رغما عنك يا أبي ، وسأرحل ولن تراني بعد الآن !!
إتجهت صوب الباب وسط صراخ أمي وهي تترجاني بأن لا أرحل ، ولكني لم أبالي وخرجت صافعا الباب خلفي بقوة ، وتركتهما بمفردهما عازما علي الزواج من سونيا ..
بالفعل مر شهر وأنا أجلس مع صديق لدي ، حتي آتي اليوم الذي تزوجت فيه سونيا ، بعد أن سكنا في شقة ما من أملاك والدها ، وأيضاً الأثاث كان من أملاك والدها ... نظرا لأني لم يكن معي نقود ..

مرت السنوات وأنا لم أعرف شيئاً عن أبي وأمي ، منذ أن تركتهما وتزوجت ، أصبح الآن لدي ولدين ، غضبت حين رأيتهما لم يسمعا لي كلمة ، وأنا أريد إصلاحهما ولكن زوجتي كانت تدللهما كثيرا فأصبحا يحبونها أكثر مني ويسمعا كلامها هي فقط ، شعرت حينها بإختناق والندم إجتاحني ، وشعرت بالحنين تجاه أهلي قررت أزورهما بعد مرور ست سنوات متوالية ، لم أرهما إطلاقاً ، ذهبت إلي المنزل فوجدتهُ موصداً ، شعرت بوغزة في قلبي وتوقعت أنهما قد رحلا ... طرقت باب الجيران وسألتهم ..
- أين أبي وأمي .. ؟؟
فتلقيت السخرية في حديث جارنا الذي قال :
- ولماذا تسأل عنهما الآن .. ؟؟ هل إشتاقت لهما ؟؟
إبتلعت ريقي وأنا أقول بخوف وجسدي يرتجف بشدة : نعم لقد إشتاقت لهما ، وأريد أن أراهما لقد عذبتني الدنيا وندمت علي ما فعلته ، بالله لا تقول لي أنهما ....
قاطعني وهو يقول بصرامة : نعم لقد رحلا ، بعد أن عانا الأثنان أشد معاناه ولا يوجد أحد بجانبهما ، لقد كانا يحتاجا إليك ولكن لم يتمكنا للوصول إليك ، لقد توفيت أمك في عملية قلب مفتوح وتركت والدك وحيدا ، وظل المسكين بمفرده حتي أصابه مرض السرطان حتي أنهك جسده وجعل منه حُطام !! وأنت ! ... أين كنت أنت حين كان نائم لا حول له ولا قوة !!! كان يريد أحدا يعطيه كوبا من الماء والدواء ولكن لا يوجد ، كنت أساعده بقدر الإمكان ، حتي مات ... مات من حسرته ولحق بزوجته فلماذا آتيت الآن ؟؟؟ ... أذهب من هنا ..
تساقطت العبرات من عيني وأني أنزل علي ركبتي منهاراً لقد خسرت دنيتي وأخرتي وماتا والدي غاضبي عليّ ، لقد كان قلبي قطعة حجر حين تركتهما وفضلت عليهما إمراءه تعوض إذا رحلت ، ولكن الآن كيف أعوض أبي وأمي .. ؟؟؟

ذهبت إلي المنزل وأنا في أشد حزني ، إحساس لم أشعر به من قبل ، لقد شعرت بالنفور من نفسي ..
لم أري من زوجتي حزنا علي أو علي حالي لقد كانت تتركني وحيدا بعد مرور الأيام وتخرج وتتنزه وحين أحدثها تصيح ثم تطلب الطلاق .. ، إضطريت للبقاء معها من أجل أولادي اللذان لم أري منهما أي شئ من المحبة !!
توالت السنوات ، كنت أشعر بشئ غريب ينهك جسدي ، عزمت علي أن أذهب إلي الطبيب كي أطمئن ، بالفعل ذهبت وكانت الصدمة حين قال لي : أنت مُصاب بالسرطان !! منذ فترة طويلة وهو يسري داخل جسدك ..
ألجمتني الصدمة وعجزت عن الكلام ، هل هذا عقاب من الله علي ما فعلته !! لقد إبتليتُ بنفس مرض أبي وسأعاني الآن مثل ما عاني هو ..
أخبرت زوجتي بهذا الخبر البائس ، حٙزنت قليلا وإعتنت بي مدة من الزمن ، فبعد مرور شهر ، أنهك المرض جسدي ، وجدتها تقول لي بنفور : لم أعد قادرة يا باسم علي خدمتك أكثر من ذلك ، أنا سأذهب إلي أهلي ، وسأخذ أولادي معي ، وسأبحث لك عن خادمة أو ممرضة تعتني بك ، لكن أنا سأعيش لأولادي يا باسم هما يحتجاني أكثر ..
رحلت .. رحلت وتركتني أعاني وأبكي بدلا من الدموع ، دمــاء .. !
وظللت وحيدا علي فراشي أصارع مع المرض .. لا أستطيع النهوض لأتناول المــاء ... إزداد الندم داخلي ، وعٙلمت حينها أن الذي فعلته بوالدي ، فعلوه أولادي بي ، فعلمت أن كما تُدين تدان وتذوقت من نفــس الكـــاس الذي سقيت به أبي وأمي  !

تمت بفضل الله
#من_نفس_الكاس
#فاطمة_حمدي

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jan 15, 2019 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

من نفس الكاس - فاطمة حمدي Where stories live. Discover now