chapter_1: {الفتاة الّتي لا تنام}

20.2K 942 387
                                    

"‏يـَا لـهُ مِن جُهد أن تبقى على قيد الحياة"

‏©كافكا

••••••†••••••


20 ديسمبر - شتاء سنة 2016 - مدينة نيويورك:

Soledad POV:

«

«

«

رفعتُ أناملي عن لوحة المفاتيح، ورحتُ أحركها وأمددها لأتخلصَ من شعور التصلب الّذي أجتاحها.

تطلعتُ بالشاشة المضيئة أمامي. لم يكن أنهائي لهذهِ الترجمة هيناً. لا أذكرُ متى بدأتُ بترجمة هذا الكتاب، لكنني أذكر بأن جلَّ ما فعلته خلال الأيام المنصرمة هو التسمر أمام شاشة حاسوبي على هذا المقعد القاسي حيثُ خاضتّ أناملي صراعاً مع لوحة المفاتيح وأنا أدفنُ نفسي وسط القواميس والمراجع المُتكدسةِ يمين الطاولة. وعلى الجانب الآخر هناك دستةٌ من المجلات والكتيبات الخاصة بالبحث عن بعض الأماكن الجيدة للسكن في أكثر من دولة، والّتي كنتُ أتصفحها خلال فترات راحتي بحثاً عن وجهتي التالية الّتي سأغادر "نيويورك" إليها. غالباً أتوهُ بين الأماكن وأسماء المدن وأشكال البنايات الّتي تبدو لي متشابهةً، فأضجر من البحث وأعود للقواميس ولترجمة الكتاب المُمل من جديد.

كان كتاباً يتحدثُ عن ريادة الأعمال عنوانهُ "الرهان الفاشل".

ما لا يعلمهُ الكاتب بأن مجرد كونك على قيد الحياة هو رهان فاشل بحدِ ذاته، تعيشها اليوم لتخسرها غداً، نصارع كل ما يواجهنا فيها لنصل إلى النهاية، حيثُ نموت ونتركُ كل شيء حاربنا لأجله خلفنا ... كل تلك الصراعات والحروب لأجل أن نصل لموتنا. نحن جميعاً نعي هذه الحقيقة بشكل أو بآخر، كل واحدٍ منّا يعرفها ويدركها تلقائياً حتى لو لم يكن قد فكرَ بها بهذه الطريقة يوماً ما. لكن عقولنا تفعل أشياء مفيدة من قبيل تجنب التفكير بهذا الموضوع والتركيز على ما هو أهم لنوعنا كالتناسل (لسوء حظ الكوكب).

وبعناد المجانين نستمر بهذهِ المسرحية، فأي خيار آخر لدينا غير السير إلى حيثُ لا نريد أن نصل؟!. تركُكَ لكل ما لما أنتَ عليه مُرغماً لتتحول إلى ركامٍ يبدأ بالتحلل والتفسخ إلى عناصر كيميائية مع مرور الوقت. أنتَ لا تريد الوصول لذلك لكنك تسير مرغماً، ليس هناك ما يمكنك فعله.

كل ما يقدر غالبية الناس عليه هو تقديم عزائات فارغة -لا تنجح مع الجميع- بأن تجعل من الموت مقبولاً لنا. على الأقل فأنَّ (غالبية الناس) هؤلاء سعداء.

لم أفكر بأنَّ الطرد من هذه المسرحية العابثة سيكون كلعنةٍ سمجة، وجل ما يمكنني فعله إزاءها هو الجلوس وحيدة في قاعة فارغة أراقبُ تراقصهم من بعيد.

تركتُ مكاني وسرتُ قليلاً فوجدتني بعد مدة أستلقي على أريكتي المُواجهةَ للنافذة. على الرغم من أنني لم أتعاطى الكحول إلا أن أحساس الثمالة كان يرافقني طوال الأيام الّتي مضت، وكأنني مررتُ بها دونَ أن أشعر!

{ ما تبقى مني ...}حيث تعيش القصص. اكتشف الآن