-انت بخير لا تقلق، هيونغ معك-

293 22 1
                                    

خطواتهِ تَسحق تِلك الكرات الثَلجيه أسفل قَدميه ، بينما يَنظر إلى الأمام ببرودٍ وحِده ، الأشجار الضخمه تُحاوطه مِن كُلِ مكان، وهو يَسير بِتلك اللامبالاه مِن دون واجهةٍ مُحدده.
إن قُدّر له أن يكون مصاص دِماءٍ ، فهو أختار أن يكون لَديه جانب بَشريّ.
يوجد مصاصو دِماءٍ بشريين ، ومصاصو دِماءٍ آخرين لا يَمتوّن للبشرِ بِصله.
في الواقع: البَشري هو كل شخصٍ قادر على تبادل الحُب وإكتساب الصداقات والتعامل بِفطرةٍ شاعريه فيّاضه؛ لذا نَجد بعض مصاصو الدِماء يَمتلكون هذا الجانِب المعنوي.
توقفت خطواتهِ بينَ ظُلمات الليل الحالكِه التي كانت فَقط ضوء القَمر هوَ مَن سُكِب عليها ليُنيرها بخفوتٍ.
كعادتهِ ليسَ مُكتملاً، لقد مرّ زمنٌ منذ أن كان مُكتملاً ومُضيئاً بِشده ، إنما الآن فإنهُ باهِتاً كحالةِ بيكهيون مِن الداخِل.
إستمع إلى ذلك النَحيب بإنصاتٍ ، بُكاء طِفلٍ دوى بالأرجاء لكنهُ لا يستطيع تمييز مكانهِ بينَ هذه الأشجار العِملاقه.
إستدار برأسه ببطءٍ لينظر حولهُ بتركيزٍ في حال أن عيناهُ كانت قد تَحوّلت إلى لونها الأحمر القاني.
هذه رائحة بَشريّ، إذاً هذا طِفلٌ بَشريّ، لكن ما الذي قَد يَفعلهُ في مكانٍ كهذا بِمفردهُ.
تَفحص المكان مُجدداً بعينيه ثم سار بحذرٍ تِلك المرّه ليتّبع مَصدر الصوت.
تَسمر بمكانهِ مِن هول ما رآهُ أمامهِ.
تِلك الفتاةِ أمسكت بكِلتا ذراعيّ طفلٍ ما يرتجف خوفاً وهو يَبكي بحرارةٍ على عَكسِ الشتاء العاصِف حولهِ.
وجدها على وَشك غَرزِ أنيابها في عنقِ هذا الطفل فأسرع نَحوها ليَدفعها بَعيداً عَن الطفل الذي كان قلبهِ على وشكِ التوقف.
أخفى الطِفل خلفهُ وهو يُحدق بِتلك الفتاة بصدمةٍ تامّه."هَيرين، ما الذي تفعلينهُ هُنا ، اللعنه نحن بموسمِ الشَبع حتى."
وَجد نَظرة الحِقد تلمؤ عيناها تجاههِ ، عَلم ما يَدور برأسها ورغبتها في هذا الذي أخفاهُ خلفهُ.
أستخدم قوّتهُ سريعاً ليُبعدها عندما حاولت الهجوم عليهِ تِلك المّره ، إنهُ يَفسد عشاؤها.
مِن شدةِ قوتهِ أثّر عليها بَدنياً ليُعجّزها عن فعلِ أي شيءٍ مُتهوّر قد يَضر بهِ أو بهذا الطِفل.
ثبّت الطِفل بعد أن أعاد لون عيناهِ إلى صفائها الطَبيعيّ كي لا يُفزع الطِفل أكثر، إبتسم بلطفٍ إليه وأجلسهُ بالقُربِ مِن الشجرةِ المُجاوره لهُ تَحسباً لهروبهِ، مَن يعلم ما قد يكون في الأرجاء.
ذَهب نَحو هيرين التي كانت أشبه بالمُقيدون، لكنهُ مُضطراً لِفعلِ ذلك.
نَظر إليها عَن قُربٍ و إتسعت عيناهُ بِخفه عِندما رَمق لمعان عَينيها وشحوب بَشرتها أكثر مِن العادةِ."أنتِ مَسحوره." تمتم بذهولٍ بعد أن تأكد مِن ظنونهِ خاصةً عندما أمسك بكفّ يدها ليَتفحص عروقها التي كانت سوداء اللون أسفل بَشرتها الحَليبيه.
أعاد نظرهُ إليها ثم تَنهد ليضع يدِه اليُسرى فوقَ وجنتها بِخفه قبل أن يُتمتمت ببضع كلماتٍ غَير مَفهومه لتَشهق هيَ بعد عدة ثوانٍ مِن تمتمتهِ المتواصِله.
نَظرت حولها بعشوائيه لتُدرك أنها في أعماق الغابه الشَرقيه التي عانقتها الثلوجِ الكثيفه.
ما الذي قد أتى بِها إلى مكانٍ كهذا ؟ لا تَذكر بأنها قد أنجرفت إلى هذا المكان مِن دونِ سابِق إنذار.
أعادت نَظرها بترددٍ نَحو بيكهيون الذي كان كفّ يدهِ يَحتضن وَجنتها بِنعومه.
"ماذا حَدث، بيكهيون؟" تسائلت بخفوتٍ وإضطراب يحوي قَلبها وجَسدها.
إبتسم بيكهيون إبتسامه جانبيه وتَنهد بعمقٍ بينما يتبادل النظرِ إلى عينيها."أظن أنكِ مررتي بِجانِب إحدى الأشجار الساحِره لذا كدتِ تفقدين سَيطرتكِ على هذا الطِفل." أشار خلفهِ لتُشيح هَيرين نَظرها إلى هذا الطِفل الذي كان يَرتجف بِجنون.
على الرَغمِ أنها مصاصة دِماءٍ هَجينه؛ إلا أنها لم تُفّكر يوماً بمصِّ دِماء طِفلٍ بَشريّ.
"لِمَ خَرجتي مِن المملكةِ على كُلِ حال؟" أعادها صوت بيكهيون إلى الواقع لتُحدِق بهِ ، إنها نوعاً ما حبيبتهُ.
حسناً كلاهُما يُحب الآخر لكنهما لم يعترفان إلى الآن ، يتظاهران أن ما بينهما مُجرد صداقه عابِره لا أكثر.
لكن لا يوجد صداقه بينَ كِلا القبيلتين وهذا ما أثار الشكوك لدى الجَميع.
أخلت حَلقها بترددٍ ثمّ أستندت بظهرها ضِد الشجرةِ التي كانت خلفها مُباشرةً."كنتُ أشعر بالملل لذا فكّرتُ بالتجول حولَ الغابةِ قليلاً، لكنني لم أنجرف إلى داخِلها، لا أعلم حقاً ما حَدث." أردفت بعدمِ حيله.
"أه هذا مُ—" صَمت بيكهيون عن التفوه بأي كَلمةٍ أخرى وأستدار برأسهِ لينظر إلى هذا الطِفل الذي كان يَرتجف وصوت نَحيبهُ كان مُزعجاً وكأن صَدرهِ على وشك الإنفجار مِن شِدة بُكاؤه.
نَهض ببطءٍ مُبتعداً عن هَيرين وإقترب رُويداً رويداً مِن الطِفل ، إنحنى بالقُربِ مِنهُ وإرتسمت إبتسامه هادِئه على شَفتيهِ الناعمتين في مُحاوله لِتهدئته، مَسح فوق رأسهِ بِحنانٍ و أردف."لا تَخف، لن يؤذيك أحد." جثى على رُكبتيهِ ليُصبح في مُستواهِ ، أمسك بِكلتا كَتفيهِ وأضاف."هل أنت ضال؟ أين والديك؟"
صوت شَهقاتٍ خفيفه أُصدرت مِن بينَ شفتيّ هذا الطفل، على الأرجح يتراوح عمرهِ ما بين أربع إلى خمس سنواتٍ تَقريباً.
جَفف بيكهيون دموعهُ بإبهاميهِ وأحكّم وجهه بينَ يديه ليَنظر إليه بلُطفٍ عَن قُرب."توقف عن البُكاء، ثِق بي."
كَلماتهِ الهادئه أجبرت الطِفل على التوقف تَدريجياً، كما أن عينا بيكهيون تَفيض بِسحرٍ خّلاب تُخدّر كُل من يُحاول التَعمق بِها.
راقبت هَيرين ما يَحدث أمامها وبِضع قطراتٍ كريستاليه تلألأت بعينيها، حِلمٌ ضائِع يَستمر بالسطوع بِمخيلتها..
هيَ وبيكهيون وطِفلٌ صَغير يَحمِل إسمهُ ، رُبما هذا أشبه بالمُستحيل، كونهُ مصاص دِماءٍ نَقيّ وهي مصاصة دِماءٍ هَجينه وكِلتا القَبيلتين يُمانِعان هذا الُحب العارِم بقلبيهما.
في الواقِع قبيلة إكسو كي فَقط هيَ مَن تُحرّم كُل ما يتعلق بمراحل الهَوى لأي بَشريه أو مصاصة دِماءٍ هَجينه.
ضّربت صَدرها بِخفه لتُخفف مِن تِلك الأعاصير التي إندلعت بداخِلها ، يجب عليها الرَحيل قبل أن تَقترف خَطئاً يُدمرهُما مَعاً.
مِن دونِ سابِق إنذار إختفت مِن الغابةِ حتى قبل أن توّدعهُ.
إستدار بيكهيون تِلقائياً بعدما إزداد فَراغ قَلبهِ الضائِع، يَعلم جّيداً ما كانت تُفكِّر بهِ وكَم كانت تَرغب في لحظةٍ كّهذه..
–أنتِ مِلكٌ لي وَحدي، كيم هَيرين– تَنفّس ليُشعل لَهيباً ساخِناً خارج جوفهِ لتتبَخر تِلك النفحات المُثلّجه.
أعاد نَظره إلى هذا الطِفل وتسائل مِن جديد ليُصرف نَظره عن إختفاء هَيرين."أخبرني، ما أسمك؟"
تبادل الطِفل النَظر إلى عينيه مَعاً وكأنه بدا مُستمتعاً بِملامِح بيكهيون الدافِئه واللَطيفه، إبتسامه صَغيره شَقت طريقها إلى شَفتيه الوَرديّه، تأتأ بطفوليةٍ وبراءه."ج-جون، كيو جون هي."
قهقه بيكهيون بِهدوءٍ وكأنهُ يرى نفسهُ بِهذا الطِفل الجَميل، تماماً كَنجمةٍ ساطِعه في سماء ليلٍ دافيء.
"أخبرني، لِمَ أتيت إلى هُنا بِمفردك؟ هل تَبحث عن أمك؟" ترّقب بيكهيون ملامِح جون الذي تَهجّمت على ملامحهِ التعاسه والغَضب.
عِدة قَطراتٍ دَمعيه تَجمّعت بعيناه وعبوسٌ ظاهِر طغى على مُقلتيهِ."أنا غاضِبٌ مِن أمي.."
قَطّب بيكهيون حاجبيهِ بغرابةٍ وتسائل مُجدداً."لِمَ قد تَغضب مِنها؟ هل أذتك؟" يحاول قدر الإمكان معرفة أي شيءٍ قد يَدله عن عائلتهِ أو سَكنه ليُعيدهُ حيث كان ، لا يمكنهُ الذهاب هكذا وتَركهِ في مكانٍ خَطير مِثل هذه الغابه.
نفى جون برأسهِ عدة مراتٍ وعقد ذراعيهِ إلى صَدرهِ."كلا، هيَ لم تأتي لإصطحابي مِن الروضه."
إبتسم بيكهيون على ما يُصدره جون مِن أفعالٍ مُتذمره ببراءة الأطفال التي تُجبرك على التأمُل بِها، أطلق تَنهيده عَميقه قبل أن تَرتكز إحدى الأفكار إلى عَقلهِ.
تَذكر أمر تِلك البوابةِ السِحريه التي يَمتلكها لوهان بِمملكتهِ ، ربما سَتدّلهُ على مَنزل جون وبِهذا لن يَتحمل عناء التَخفي والتجول في ضواحي المَدينه برفقتهِ، خاصةً بعد أن إنتشرت الأخبار مؤخراً عن تِلك الأخطار التي حَلّت عليها.
لا يُمكنهُ المُجازفه.
"حسناً، سَنذهب إلى مكانٍ ما ثم أوصِلك إلى مَنزلك، إتفقنا؟" إقترح بيكهيون ببراءةٍ ليكتسب ثِقة جون أكثر.
قبل أن يَستمع إلى إجابة جون إستطاع الشعور بِحركةٍ خَفيّه تَحدُث حولهُ.
أغلق عيناهُ بثباتٍ لِثوانٍ، على الأرجح إنه بيكاتشو، ذاك الكائن الذي تَجسس عليهِ قَبلاً وأخبر كيونغسو بكلِ ما فَعلهُ بيكهيون أثناء غيابه مِن المملكه.
كانت فِكرة إستحضار صُوره مُجسّمه لهذا الكائن خاطِئه منذُ البدايه.
كان مُجرد رَسمّاً كرتونيّ يُشاهده على شاشةِ التلفاز في أيام زهورهِ ، لِمَ أتبّع حماسهُ وطَلب كائن مِثلهُ مِن تِلك المرآة السِحريه؟
الخيال من الأفضل لهُ أن يكون خيالياً، مُتعتهُ أثناء مُتابعة سلسلةِ الرسوم المُتحركه الذي ظَهر بها هذا الكائِن اللطيف أجبرتهُ على إمتلاك واحدٍ حقيقيّ بِشغف.
كالطفلِ يَرغب في إمتلاك كُل ما هوَ خياليّ ولَطيف، لكنهُ الآن لم يَعد كذلك..لقد تناسى أمر طفولته الجامِحه مُسبقاً لكنهُ لا يَستطيع إعادة الزَمن إلى الوراء ومَنع تِلك الأفكار الجنونيه.
رُبما عليهِ تَصفيده ليتخلص مِنهُ أو إلقاء تَعويذه عليه ليُصبح مُجرّد دُميّه ساكِنه لا تتحرك أو تتدخل فيما لا يُعنيها.
فتح جفونهِ وحَدق بتعابير جون التي إنتابها الذُعر والخوف، هو لا يَنظر إليهِ ، بل يَنظر إلى شيءٍ آخر خَلفهُ.
شيءٌ أكثر جدّيه، أكثر حِده بأنيابٍ حادّه وفمٌ يَسيل مِنهُ خطّ دِماءٍ أحمر ، أعين قانيه ومُدرّجه بألوان الأحمر مِن الداخِل.
شيء لا يَتحملهُ طِفل !
إلتفت بيكهيون برأسهِ ببُطءٍ لتتسع حَدقتيهِ بِهولٍ، أخفى وَجه جون بِصدرهِ ليَمنعه مِن النظر إلى ما يُحدِق بهِ.
ما الذي إنجرف سيهون نَحوهُ ليُصبح بِهذه الحاله المُخيفه والفتّاكه للقلوب الضَعيفه.
"س-سيهون، أنت!" تَمتم بيكهيون بِعدم إستيعابٍ بينما سيهون لم يَقطع التواصل البَصري مَعهُ مُطلَقاً.
هُناك مَن سيّطر على روحهِ ، رُبما الشعور بالإنكِسار ؟
=
طَرقت سُومين الباب الخَشبيّ بِترددٍ ، لقد مَرّت ساعاتت وكاي يُلازِم جناحهُ غير مُهتمّاً بِمَ قد تفعلهُ.
لم تستطيع مَنع فضولها مِما حَدث بهِ ليَتغير بِهذا الشَكل.
فُتِح الباب تِلقائياً لتترجل داخل جِناحه ، لم تتحمّل عناء غَلقهِ لأنه أُغلِق بالطريقة التي فُتح بِها للتو.
نَظرت إلى الأمام لتَجد كاي جالساً فوقَ سريرهُ ويُحدِق بالنافذةِ بِصمت، يُقابِلها بظهره غير عازِماً على الإلتفات إليها أو سؤالها عمّا تَفعلهُ بِجناحهِ؛ لقد إستنتج ما تَرغب بِقولهِ.
تَنحنحت بِحرجٍ وقَضمت شفاهها السُفلى وهيَ تَسحب قدميها نَحو السَرير لِتجلس فوق حافتهِ مِن الجهة الأخرى.
ظهرها يُقابِل ظهره، ومِساحه واسِعه هيَ مَن فصلت بَينهُما.
عَقدت يَديها مَعاً في إنتظار سؤالهُ لها عمّا تَفعلهُ وما جائت لقولهِ لكنهُ غَلب توقعاتِها عِندما سرى الصَمت الهادِيء بَينهُما.
هل حقاً يغار مِثلما قال سيهون؟ أو غاضباً رُبما؟ لِكن لِمَ قد يَشعر بهذا أو ذاك..هيَ لم تفعل شيئاً يُذكر بإستثناء بقائها إلى جانب يي هان.
أسند كاي يديه إلى جانبيهِ ولايزال يُحدِق بالنافذةِ ببرود وهدوء.
تَنحنحت سومين مُجدداً علّها تّجذب إنتباهه لكنهُ إبتسم إبتسامه جانِبيه بإنتصار ، ظنّاً بأنها قد جائت للإعتذار عمّا بَدر مِنها.
"ك-كاي؟" تَمتمت بإسمهِ لكنهُ لم يستدير، حتى وإن إستدار لن تراهُ ، هيَ الأخرى تُقابلهُ بِظهرها.
تَنهدت بإحباطٍ ، إنهُ عَنيداً بالفعل.
إتسعت إبتسامة كاي أَكثر، –رائِع، هيَ على وَشكِ الإعتذار الآن–
"أنا.." ، قَضم شَفتيهِ مَعاً ليَكبح ضِحكتهِ وهيَ تُعافر في التَحدث إليه، يَشعر بإنتصارٍ رَهيب يجتاح صَدرهِ.
"حسناً، أنا جائعه!" تمتمت بيأسٍ وأخفَضت رأسها في حين يَدها تسللت لتُربّت على مِعدتها بِبؤسٍ.
تَجمّدت ملامحهِ في غضون ثوانٍ وكأنهُ أُصيب بِصاعِقه ضَربت عَقلهِ.
لقد ظّن بأنها جائت للإعتذار، لكنها جائت لتُرضي مِعدتها الصَغيره !
إتسع فمهُ بِعدمِ تَصديق ، دائماً ما تَجعله مُقبلاً على الإلقاء بِنفسهِ مِن حافةِ الجَبل.
"جائِعه!" هَتف ولازال تَحت تأثير الصَدمه فإلتفتت إليهِ بِترددٍ بعدما نَهض ليُقابِلها مُشيراً بِكلتا يَديه إلى الأعلى وكأنهُ على وَشك فُقدان عَقله.
أومأت بِعبوسٍ وأوضحت."أجل، لم أتناول شيئاً مُنذُ الصَباح."
غلّف وجهه بِكلتا يداهِ بإحباطٍ وقلّة حيله، إن حَدث وفَقد عقله ستكون هيَ السبب الرئيسي.
سُرعان ما سَطعت على ملامحهِ تعابير الخُبث فأبعد يديه وإقترب مِنها بينما تَحدث بإعتياديه."أنا أيضاً جائِع!"
زمّت شفاهها بِغرابة."لكنك قُلت بأنكم في موسمِ الشَبع." سُرعان ما إحتضنت نَفسها ومُقلتيها أتسعت بِصدمه."ه-هل ستمتص دِمائي؟"
"كلا،" إقترب لينحني بالقُرب مِنها جاعِلاً إياها تَميل إلى الخَلفِ بِخوفٍ وأضاف."شيءٌ أفضل مِن هذا.." وَضع كِلتا يَديه على السَرير ليُحاصِرها مما أجبر قَلبها على ضخِّ الدِماء الغَزيره داخِل أورِدتها، إبتلعت رِيقها بِبُطءٍ عِندما قابلت أنفاسهِ الساخِنه شُحمة أذنها ليَهمِس."بِكثير !"
"أنت ستتحرّش بي؟" تسائلت بِخوفٍ ورَهبه وعينيها لَمعت ببراءةٍ لتتجمد تعابيرهُ مِن جديد، إبتعد عنها بإحباطٍ وهَسهس أسفل أنفاسهِ."أنتِ دائماً تُفسدين لحظتي، أراهن على إن كان أحدهم يُفكر بِفعل أي شيءٍ لكِ؛ سيمتنع على الفَور."
فركت عُنقها بِحرجٍ وإستقامت بِجلستها مِن جديد، مَن يَعلم إن كانت خضعت لتأثيره ما الذي كان سيحدث.
زَفر بِعُمقٍ وأمسك بيدها ليَسحبها خلفهُ بِتذمر، إنها دائِماً ما تَجعله يَفقد شَخصيتهُ القوّيه والبارِده.
"ما الذي تُريدين تناوله؟" تسائل بتمللٍ بعد أن فَتح الباب ليتجها نَحو الأسفلِ.
زمّت سومين شفتيها بتفكيرٍ حتى لَمِعت عينيها لتُجيب."حساء الكيمتشي مع لحم البَقر !"
إبتسم إبتسامه جانبيه وتَحدث."ألستِ خائفه مِن أن أضع بهِ شيئاً؟"
"وَلِمَ قد أخاف؟ أنا أثق بِكَ." أجابت بلامبالاه وإعتياديه ليُبطيء مِن خطواتهِ تَدريجياً، كَلماتِها السَريعه لامست قلبه وأجبرتهُ على الإبتسام بِشرودٍ، هذا كافٍ جِداً بالنسبةِ إليه.
الثِقه تُبنى عليها كُلّ شيء فيما بَعد.
عَقد أصابِعهُما مَعاً مُتظاهِراً بالبرود لكنهُ أرسل شرارات إلى قَلبها، كأنهُ يطرق باب قَلبها ليَقتحمهُ ببطءٍ.
أكمل سَيرهِ وتأكد مِن أنها الآن تُقيم إحتفالات رَقصٍ عشوائيه بِداخِل قَلبها.
هذا مُريح.
بعد أن وصلا إلى المَطبخ تَرك يَدها بِبُطءٍ ليُدرك أنه بَعث التيه الحالِم إلى عَقلها مِن فِعلتهِ المُفاجِئه.
إبتسم بهدوءٍ بعد أن رأى تعابيرها المُتجمّده وإستدار ليَبحث عن المُكوّنات ، لَيس عليهِ إستخدام السِحر، سيُضيف لمساتهِ الخاصّه وهذا سيجعله يَشعر وكأنه بَشريٌّ مِثلها.
طَردت الأفكار الطائِشه حينما أصدر كاي ضَجيحاً خفيفاً وهو يَبحث عن ما سيطبخ الحساء فيهِ.
جَلست فوقَ الطاولةِ التي قابلتها وعَقدت يديها إلى صَدرها وهي تتأملهُ بشرودٍ ، شَفتيه الوَرديه الصَغيره وتِلك النَدبةِ الصغيره أسفلها إستطاعت مُلاحظتها ، غرته  تُلامِس جَبهتهُ وبِضع خُصلاتٍ مُصففه بِعشوائيه تُعطيه مَظهراً رجولياً على عكسِ ما يَمتلك مِن ملامِح بَريئه ولطيفه.
أصدرت صوتاً لِطيفاً إثر ضِحكتها الهادِئه حالما رأتهُ مُتحيّراً فيما سيطبخهُ أوّلاً.
إنتبه إلى ضِحكتها مِما دَفعهُ للإبتسام بِخفّه، تَذمر بتصنع."هيي أنتِ، لا تسخري مما أفعلهُ ، أنا طبّاخٌ ماهِر ، فقط لا أعرف بِمَ أبدأهُ أولاً."
قَفزت مِن فوق الطاولةِ وإقتربت لتَقف إلى جانبهِ وتزال تبتسم."دعني أساعِدكَ ، أيها النَرجسيّ." دفعته بِخفه إلى الجانب ليَنظر إليها بِصدمه."أنتِ دفعتينني للتو؟"
أومأت بلامبالاه وركّزت بِنظرها على المُكوّنات التي أمامها في حين أضاف."رُبما سأعاقبكِ، لاحِقاً."
"أي نوعٍ مِن العِقاب؟" تسائلت وهي تتفحص تِلك العُبوّه التي أمسكتها بيدها للتو.
ضَغط بِشفتيهِ ضِد وَجنتها وإبتعد ببطءٍ لتتسع عيناها بِصدمه."مِثلُ هذا أو رُبما سَيكون أبعد مِن ذلك إن إستمريتي في إصدار تِلك الأفعال البلهاء التي تَفعلينها."
نظرت إليهِ بِصدمه وهيَ على وَشك الإعتراض لكنّ لسانها أنعّقد حين قابلت وجهه القَريب مِنها ، بالكاد أنفاسهما إمتزجت.
تفرقت شَفتيها بَحثاً عن الهواء، إضطراباتها الداخليه لا تُساعِد على الإطلاق.
سُرعان ما أعادت نَظرها نَحو الأمام سريعاً تفادياً لنظراتهِ الهائِمه، مُتظاهره بالطبيعيه.
ضَحك كاي بِخفه ولَمس شفتيه التي قبّلت وَجنتها مُنذُ قليل، إن كان هذا الشعور المؤلم والَجميل قد تضارب داخل قلبهِ، إذاً ما الذي سيحدث إن قرر تَذوّق شفتيها الكَرزيه؟
بالطبع سيختلف كُليّاً.
تَنحنح وحاول صَرف نَظرها عمّا فعلهُ حين تَحدث كإقتراحٍ."ما رأيكِ بالشواء خارِجاً في الحَديقه؟ الليل قد حلّ ، سيكون الأمر مُمتعاً."
"أ-أوه أظن ذلك أيضاً." إبتسمت بتوترٍ وتَركت ما بيدها.
أصدر قَهقهةِ لَطيفه وساحِره إسترقت إنتباهها لتَشرد بشفتيه المُتفرقتان، إنهُ مَشهد جَميل يَسرُّ الناظرين.
توّقف عن الضَحكِ تَدريجياً ليبقى أثرٌ طَفيف على شَفتيهِ يَدل على سعادتهِ، نَظر إليها بتأملٍ كما كانت تَفعل.
لا يَعلم كيفَ سيَتمكن مِن رَدع تِلك الإحتفالات الداخليه بِقلبه؟ هو في إنتظار اللحظةِ المُناسبه لإخبارِها بِمَ يَحملهُ لها بِقلبه.
أخلى حَلقهِ وتَحدث ليُخفف مِن توتر الجوّ حولهُما."هيا لنَذهب."
جدّلت خُصله سوداء حالِكه مِن شعرها الأملس حولَ سبابتها وهيَ تبتسم بهدوءٍ حينَ إستدار ليَسير إلى الأمام مُتوّجهاً إلى الخارِج.
ذَهبت خلفهُ بخطواتٍ ثابِته ، على الأرجح تم إعداد كُل شيءٍ في الخارِج دون تَحمّل عناءٍ مِنهُما.

دِماءٌ تسير بالوريد لا تُعني بأنها مُفيده.Where stories live. Discover now