عائشة تَنزل إلى العالم السُفلي

2.6K 119 321
                                    

10 أبريل 2011"
12:00 ص

أنا عائشة..
سأموتُ خلال سبعةِ أيام..
وحتى ذلك الحين قررتُ أن أكتب..
لا أعرف كيف يفترض بالكتابة أن تبدأ ، الأرجح من مكانٍ كهذا ، حيثُ يورق كل شئ بالشك..
تبدو الكتابة وكأنها الشئ الوحيد الذي أستطيعُ فعله..
أريدُ أن أضعَ نُقطة أخيرة في السّطر الأخير قبل أن يبتلعني الغياب..

لقد قررتُ أن تكون أيامي الأخيرة على هذهِ الشاكلة..
أقصد : على شاكلة الكتابة . الكلمة كائنُ هش ومتهافت، أنها تشبهني ،وأنا...في أيامي الأخيرة . أريد أن أشبهني بقدر ما أستطيع . أنني أفعلُ ذلك من أجلي.

هذهِ الأوراق..
هذهِ الكتابة..
هذا الجرحُ : لي أنا..

هذهِ الكتابة ليست توثيقاً لحياتي. ما فات لم يكن جديراً بالأهتمام، كل شئ سبق وأنتهى، وهذهِ الكتابة لا تُفضي إلى مكان ، ولا أعتقد بأنني قد عشتُ حياة تستحقُ أن تؤرخ. أنني أكتبُ كي أكون واضحةً معي، وحيدةً معي، مليئة بي. هذهِ الكتابة لاتداوي، بل تُميت. الموتُ جيد، وأنا أريدهُ من كل قلبي..

سأصير مثلهُ قريباً ، سوف أشبهه وأشبه موته. سوف أرى جسدي ممدداً في نفس المكان وملقى في نفس البياض.
سوف يحين موتي قريباً وستكون لي تلك الهيئة العّدمية البيضاء.القطن في المنخرين ، في الفم، في الأذنين..في كل ثقبٍ يمكن أن يكون، جسدٌ محشو بالبياض.تسائلتُ يومها لماذا يدسّون القطن في كل مكان تصلهُ إيديهم؟ كنتُ أتساءل وأنا واقفة أمام جثمانهِ الصغير إلى حد الفجيعة، الصغير بما يتناقض مع فكرة النهايات والقبور والرحيل.

قالوا لي يومها بأنني أستطيع أن أدخل لأراه لمرةٍ أخيرة. دخلتُ، لم تكن المرة الأخيرة..
كل أحلامي وكوابيسي تحمل وجهه.

ماذا عساي أن أقول أكثر ؟
لقد مات ولدي إيها العالم. "

*****

"مات عزيز.. بين عينيّ، أقصد: من وراء ظهري، لماذا لم أكن أنظر إليه؟ تركتهُ في وسط الشارع وأنشغلتُ، بأي شئ؟ بالشئ الوحيد الذي أفعله في تلك الأيام : بالشجار ، ورغم أنهُ إلح عليّ : ماما لعبي سقطت ! لم أفعل شيئاً ،وهو.. ذو الخمس سنوات ، هل كان حدسهُ الطفل ينبئهُ بأنه راحل؟طلبتُ منه، بدون أن أكلف نفسي بالنظر إليه ، بأن يكف عن الألحاح ، لأنني لا أستطيع أن أخطو صوبهُ خطوتين وأنتزعهُ من براثن الأحتمالات المروعة، قلتُ له : عزيز أقسم بالله أذا لم تتحرك إلى هنا سوف أضربك ! سوف أرمي لعبك في زبالة الشارع !

هذهِ كانت كلماتي الأخيرة لولدي قبل موتهِ.

لم يقوَ على الحراك، سقطت إحدى ألعابه ومازال ممسكاً بأثنتين، ثلاث دمى لمحاربين خارقين، ويدان صغيرتان فقط، كلما ألتقط واحدة سقطت الثانية، كلما ألتقط الثانية سقطت الثالثة ، يدان صغيرتان وعالم مجنون ، هكذا دهستهُ السيارة وهو منحنٍ على لعبهِ يحاول جمعها، يحاول حمايتها من أن تدهسها سيارة كتلك التي دهسته، أنهُ لن يتخلى عن لعبه أبداً ، فهو ليس مثل أمهِ.

في اللحظة الأخيرة من حياتهِ كان ينظرُ صوبي، مُرتعباً..وكأنهُ أدرك شيئاً هاماً.."

*****

الكاتبة:_ بثينة العيسى : بثينة وائل العيسى روائية كويتية ولدت في 3 سبتمبر 1982.

حاصلة على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال - تخصص تمويل، كلية العلوم الإدارية - جامعة الكويت 2011 بتقدير امتياز
صدر لها :

1- ارتطامٌ .. لم يسمع له دوي - ( رواية ) عن دار المدى - سوريا 2004

2- سعار - ( رواية ) عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر - بيروت 2005

3- عروس المطر - ( رواية ) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2006

4- تحت أقدام الأمهات - ( رواية ) عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2009

5- قيس وليلى والذئب - مجموعة نصوص، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2011

6- عائشة تنزل إلى العالم السفلي - ( رواية ) عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2012 وصدر منها خمس طبعات.

7- كبرتُ ونسيتُ أن أنسى - (رواية) عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2013

8- خرائط التيه - ( رواية ) عن الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2015

الرواية عبارة عن (٢٣٢) صفحة..

******

تنويه:_ هذهِ الرواية مستوحاة من قصة حقيقية ، وقد كُتبت بتواطؤ صريح من شراسة الواقع ومجاز المخيلة...

نصيحة:_إلى كل أم...

العقاب أم التوجيه ؟
جميع الأطفال يخطئون

من هذه المقدمة البديهية، ننطلق إلى أن جميع الأهل يتصرفون بشكل ما حينما يخطئ الطفل، لكن الفارق كبير جدا بين الأم التي تلجأ للعقاب، والأم التي تلجأ لتهذيب السلوك وتوجيه الشخصية، الفارق ليس فقط في وعى الأم وقدرتها على التصرف، بل في النتائج، ولا أقصد بالنتائج النتائج الفورية مثل امتناع الطفل عن السلوك السوء، بل النتائج الحقيقية الدائمة والأكثر أهمية وهى التغيير في شخصية وأفكار وسلوك الطفل.

مقتبسة

دَليلُكْ إلىَ الرِوَاياتْ العَالمِيةَحيث تعيش القصص. اكتشف الآن