[ ٤ ]

2K 172 55
                                    


مشى اندريه ليلًا بعكس الاتجاه الذي يمضي فيه ثلاثة الاف باريسي من الدهماء المسلحين بالسكاكين و الحراب و البنادق، و يحمل البعض منهم المشاعل. كانوا جميعًا يهتفون بصوت واحد مرتفع و تزداد ضجة هذه الهتافات كلما قال فابيان شيئًا محمسًا لهم، و كيف لا يفعل و قد وكلهُ اندريه قيادة الشعب لبعض الوقت بعد أن تمكنوا من السيطرة على سجن الباستيل، و بالنسبة لاندريه فقد كان يعود ادراجه بحجة قضاء أمر مهم سيصبُ في مصلحة الثورة، و يجعل كفة انتصارهم تعلو. و اثناء السير شعرَ بجميع اصوات الشارع في اذنه، مثل اصوات وقع اقدام الناس على الارض و الاصوات العالية التي تخرج من افواههم.

كانوا يزدحمون كالنمل و هم يرددون شعارات السلام و الإخاء و يمضون بكل ثقة بعدما يقتلون كل من يعارضهم، فقد طفح كيلهم من وضع الدولة المُثير للسخرية، كون لويس السادس عشر عاجِز عن توفير الغذاء بسبب تفاقُم الديون. و تريد هذه الجماهير الثائرة القضاء على كل من كانت له يد في تردي احوال البلاد، و يطمحون لإلغاء النظام الإقطاعي و الغاء الامتيازات الخاصة التي يكسبها النُبَلاء و رِجال الدين في الكنائس. و قد لاحظ اندريه إن هناك نوع من اللهفة بارزة في عَيونهم، لهفة لحياة ذات نمط متألق و هادئ، و هذا اليوم هو اليوم الذي شعروا فيه انهم اقرب من أي وقتٍ مضى لبلوغ تلك الحياة التي كانوا يرونها في الاحلام فقط.

تابع اندريه كل انسان بعينيه بدقة و قد كان البعض يهتفون بإسمه فور رؤيته و اخرين يلامسونه بأصابعهم المُتربة و المتسخة فَيُلَوِثُون بذلك ثيابه دون ادنى ردة فعل من قِبله. و استمر الشاب بالمشي فبلغ ازقة باريس المظلمة، و غرِق في شوارع اشد ظلامًا مبتعدًا بذلك عن الناس، و بالرغم من أن المطر لم يسقط في النهار، فإن الارض كانت مُبتلة، فراح اندريه يتجنب البرك السوداء بين البلاطات. و توقف عند باب سان دوني الذي يتواجد على جدار باريس و توجد خلفه قناة ماء تأتي من نهر السين حتى الباستيل. مكثَ الشاب أمام عربة فاخرة يجرها جوادان اصيلان، كانت واقفة و أطلَ منها شخص يرتدي سترة زرقاء وصدارًا ابيض، يعتمر قبعة و تتدلى من احد جيوبه سلسلة لساعة ذهبية، يعتلي فمه شارب اسود طرفاه مفتولان إلى الأعلى، و قد كان هذا الرجل يعد من اشراف باريس الا انهُ يقف بجانب الثوار رغم ذلك. بادر الرجل بالحديث قائلًا بصوت جهور:

- الرجل المثالي، لقد تأخرت، كنت انتظركَ هنا منذ نصف ساعة يا جبران.

حدق اندريه فيه بسهو و اجاب:

- جبران! لقد مضى وقتٌ طويل على سماع هذا الاسم، كنتُ اظن إن اسم أندريه قد قتله...ثم لا تبالغ في وصفي فأنا ما زلتُ احاول ان انتصر على حماقات نفسي المستكينة و لولا ستر الله لَكُنتُ من الْمَقْبُوحِينَ، يا ايها النبيل جيرمان أو بالأصح يا سيد لقمان.

•لامــاســو | Lamassuحيث تعيش القصص. اكتشف الآن