( ١ )

984 31 13
                                    

وجه أروى

قلت: مازال الوقت أمامي واسعاً ومازالغت لدي تصورات ..
قال مقاطعاً: الواقع أجمل من تصوراتك، التي لا يتذرع بها إلا المراهقين والسذج والمستهترين أمثالك، أنا أحفظك عن ظهر قلب فلا تكابر، أنت لأروي وأروي لك تمت خطبتكما منذ سنوات ..
قلت: أمعقول هذا.. تخطبها لي دون أن تأخذ رأيي ودون أن أراها؟
قال: لقد رأيتها، وجلست معها وتحدثت إليها، والآن تكابر وتتمنع وتنكر ..
لقد كنت صغير السن وهي لم تكن تتجاوز العاشرة أيجوز هذا ؟
نعم يجوز، انتهي الكلام جهز نفسك..
انصرف وأغلق الباب خلفك ، أما أنا فقد مضيت متعجباً لتلك القرارات الديكتاتورية الصارمة ولكني في الحقيقة كنت منتشيأً وغير ضجر ..
مررت بالردهة متجهاً إلي الصالون، فإذا بزوجته تلقي بضحكة مفعمة بالسعادة مرددة بفرحة ممطوطة، عريضة (مبروك)، حملقت فيها مستنكراً، وانطلقت تملؤني دهشة كبيرة ، وسعادة غريبة سرت في أوصالي فملأت وقتي بالتفاؤل ..
عند وصولي للمنزل استقبلتني أمي والفضول يملأ عينيها، ويكاد السؤال يفر من بين ثناياها، كظمت حيرتها طويلاً، وعندما لم تطق، نظرت إليّ مرتبكة، متوجسة، مستفسرة :
ـ أفاتحك خالك في الموضوع ؟
ـ أي موضوع ؟
ـ موضوع خطبتك ..
ـ أية خطبة ؟
ـ خطبتك من أروي ..
كدت أتعصب وأزمجر كعادتي، ولكني ابتسمت رفقاً بها، ونظرت لها بكل حواسي أهي مكيدة إذا؟ دعك يا أمي مازال الوقت مبكراً ..
قالت متنغصة يا ولدي العمر يمرق، وأكاد أفارق الدنيا قبل أن أفرح بك ..
أطال الله بقاءك يا أمي لتري أبناء أبنائي ..
صمت لبرهة، وقلت منتشياً:
ـ ولكن صفي لي أروي هذه ...
ـ أو نسيتها ؟
ـ لم أنسها ولا أذكرها ..
ـ هي يا ولدي كالبدر ليلة تمامه ..
ـ لا هذا ليس ما كنت أقصد ..
ـ هي الأخلاق والأدب والرقة والأصل الطيب ..
وقبل أن تتناثر أسئلتي لتحيط أمي من كل الجوانب ، وتفتش عن هذه الأروى في أعماقها، استدركت أني أكاد أقع في الفخ، فصمت ، ونهضت ، دخلت غرفتي ، وأغلقت الباب خلفي ، ورحت أطوف بخيالي وأجوب حول من ستحملني كما قال خالي، المبهرة في عيون أمي، والقطة الوديعة التي طالما اجتذبتني في سنوات عمري المبكرة من قبل سنوات الفراق والغربة، دار الوقت وأنا لا أدري، غائباً في عالم لا أدركه ولا يدركني، متعمقاً بتفكيري في حياة غريبة مجبر أن أخوض معتركاتها كمحارب جردوه من سيفه وأجبروه علي مقارعة الأعداء ، ولم أفق إلا علي نبرات صوت خالي القاسية الحنونة يوبخني في الهاتف (( إغلق الخط يا وقح، أهذا وقت تربيطات ومقابلات الساعة الثالثة بعد منتصف الليل))
.

وجه أروى (Wattys2016)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن