ثوب العرس

4.4K 112 1
                                    

قالت جو آن جو آن مؤكدة : أعجبني تغييرك لأول مشهد ، الحفلة و ما جرى فيها ضرب من العبقرية .
و هزت رأسها ببطء ثم أضافت : هذا بالضبط ما تحتاجين إليه لقلب الرفض إلى قبول . عدلتِ شخصية مايكل و جعلته فخوراً و مشبوب العاطفة ، لكن حقيقي جداً ، و عفوي . لقد فوجئ بانجذابه إلى جانيس و تصرف بالغريزة الصرفة .
نقرت جو آن بإصبعها على صفحات الفصل الأول المعاد كتابته ، و قالت : هذه أفضل كتابة لك و أقواها .
أحست بايلي بالرغبة في أن تقفز لترقص في الممر الفاصل بين مقاعد قطار الأنفاق السريع ، لكنها تمكنت من كبح ردة فعلها و تحويلها إلى ابتسامة عريضة .
و قالت : من المذهل كيف أن أعرض هذا المشهد من زاوية مختلفة قليلاً ، جعلته يتبدن و سلط عليه ضوءاً جديداً .. أليس كذلك ؟
- بكل تأكيد .. و إذا ما جاءت بقية الكتاب هكذا ، فأعتقد ، بصدق ، أن أمامك فرصة .
و بعث هذا الكلام الأمل في قلبها ، فقد أمضت عطلة الأسبوع بأكملها مسمرة أمام جهاز الكومبيوتر .. ولا بد أنها أعادت صياغة المشهد ما لم يقل عن العشر مرات . راحت تصف المشاعر ، و تستكشف رد فعل مايكل و جانيس المذهل نحو بعضهما ، و عملت جاهدة لتعكس الإحساس بالذهول الذي اختبراه ، و الصدمة من الافتتان غير المتوقع . و من الطبيعي ألا يكشف أحدهما للآخر عما شعرت به ، و إلا لفقدت بايلي حبكة قصتها .
فيما بعد بدا مايكل كئيباً و مكفهر الوجه ، بينما بذلت جانيس جهداً كبيراً لمحو السهرة من ذهنها . لكن ، ما من أحد منهما استطاع أن ينسى .
و لسبب وجيه ، استطاعت أن تتصور عدم قدرتها على النسيان بشكل واقعي جداً . فرد فعل بايلي نحو باركر جاء مماثلاً لإحساس جانيس نحو مايكل .. و ما كان لهذا أن يحدث .
لسوء الحظ ، شكت بايلي بحدوث هذا حتى قبل موافقتها على " البحث " ، فمن كانت تخدع برأيها ؟ ليس نفسها بكل تأكيد .. لقد عاشت هذا الإحساس الرائع مع باركر .
فأثناء العشاء ، كانت بايلي قد اختبرت الأعراض كلها ، و هي تعرفها جيداً . القلب المرتجف ، الراحتان المتعرقتان ، الفقدان المفاجىء للشهية ، و لقد حاولت تجاهلها ، لكن مع مضي الوقت ، لم تعد تفكر في شيء آخر .
و كان باركر قد التزم صمتاً مريباً كذلك .. و فيما بعد ، ازدادت الأمور سوءاً . أحست بالحرارة و الدوار ، و بشعور مدغدغ اجتاح ببطء جسمها كله . بدا لها و كأن كل خلية من كيانها تشعر به .. كان الإحساس قوياً و غامراً ، بحيث اضطرت للتظاهر بعدم المبالاة ، فالحقيقة ببساطة ، مخاطرة كبرى .
سألت جو آن ، مقاطعة أفكار بايلي : ما الذي جعلك تعيدين كتابة المشهد بهذه الطريقة ؟
التفتت بايلي إلى صديقتها بسرعة ، فكررت جو آن السؤال : بايلي ؟ تبدين و كأنك في عالم آخر .
- أوه .. كنت أفكر فقط .
- هذه عادة خطيرة لكتابة .. يبدو اننا لا نستطيع طرد شخصيات رواياتنا من تفكيرنا . أليس كذلك ؟ إنهم يصرون على اللحاق بنا في أي مكان .
الشخصيات لا تهمها ! انه باركر دايفدسون الذي يلازم تفكيرها . لكن هل اختلاعتة خيالها ؟ فها هو كبير كالحياة ، يسير بعفوية نحوها ، وكأنه اعتاد ان يسعى اليها . وقالت لنفسها بعناد هذا غير صحيح .
واعتادت ان تبحث عنه في كل صباح ، غير قادرة على منه نفسها من ذلك . فهي لم تعرف يوماً مثل هذا الحضور المخيف وجود رجل تتشوق لرؤياه ومع ذلك متردده في أن تراه .. وغالباً ما كانت تجد نفسها تفتش في الوجوة حولها آمله أن تلمحة .
وها هي الآن نظرت بسرعة من النافذه إلى ظلمة النفق ، تحدق جيداً في الصورة المنعكسة على الزجاج .
قال باركر بالبتهاج ، وهو يقف امامه مباشرة : صباح الخير سيدتاي .
كانت قدماه منفرجتين قليلاً وصحيفة الصباح تحت ذراعة وبدا قوياً ، مغرياً ، ووسيماً كحال عن أول لقاء لهما .
تمتمت بايلي : صباح الخير
واستدار على الفور إلى النافذه ، فيما ردت جو آن بحرارة وهي تبتسم له : مرحباً مرة اخرى .
وللحظة مجنونة اختبرت بايلي الشعور بالإتيااء .. فباركر بطلها هي ، وليس بطل جو آن ! وصديقتها نحية وكأنه اح طال غيابة او ربما شيء آخر . لكن ما ازعج بايلي حقاً هو الإحساس بالسعادة ، وهذا هو شعور الذي كانت تقاومة طيلة نهار الأسبوع .
قال باركر بنعومة موجهاً كلامة لبايلي : إذن .. هل لحقت برجال غرباء في المديمة مؤخراً ؟
نظرت إلية بحدة ، مزعجة كلماته جذبت اهتمام الجالسين بالقرب منها .
وردت : بالطبع لا
- وانا مسرور لسماع هذا .
وصدف أن التفت إلى الرجل الواقف قرب باركر .. كان رجلاص مهذباً لكنه راح ينظر إليها بفضول من خلف صحيفة الصباح .
سأل باركر : وهل اعدت كتابة مشهد الحفل ؟
وتخلى رج الأعمال عن أي ادعاء بالقراءة ، وطوى الصحيفة ليتفرس ببايلي علناً .
قالت جو آن وكأنها هي من قام بهذا الجهد : لقد قامت بعمل رائع .
فقال باركر : كنت واثق من ذلك .
وارتسمت ابتسامه على شفتيه فيما لمعت عيناه وأرادت بايلي أن تطلب منه التوقف عن هذا فوراً .
لكنه اضاف : لا بد ان فيه الآن صدق وعمق ، كانا ففودين بالنص الأول .
أكدت له جو آن وقد بدلت له الدهشة : هذا صحيح .. المشهد مكتوب بشكل جميل . كل احساس ، كل شعور ، موضوف بدقة . ومن الصعب التصديق بأن الكاتب ذاته مسؤولة عن االنصين
تعبير وجه باركر ذكر بايلي بماكس حين اكتشف قطعة الديك الرومي في طبقة بدلاً من طعام القطط ، إذ ارتسم الرضى على فمة الملئ الحساس .
أضان جو آن : كل ما اريدة هو ان تنجح بايلي في رسم مشهد الرقص .
فسأل باركر باهتمام : مشهد الرقص ؟
قالت بايلي : يأتي هذا بعد فصول عدة .
واختطفت المخطوطة من جو آن ودستها داخل الملف ، ثم وضعتها في حقيبة يدها الواسعة .
قالت جو آن : المشهد رومانسي كما هو مكتوب .. لكن ينقصه شيء ما .. و لسوء الحظ ، لم أستطع اكتشاف الخطأ .
لم ترغب بايلي في أن يتخذ الحديث هذا المنحى ، فقالت : لطالما كانت المشكلة مع مايكل .
و تمنت أن يسامحها بطلبها لوضع الملامة في تقصيرها عليه .
لكن جو آن لم توافقها الرأي : لا يمكنك لوم مايكل على مشهد الرقص . صححي لي إذا كنت مخطئة ، لكن كما أذكر وضع والد جانيس خطة ليرافق مايكل ابنته لحضور حفلة موسيقية ، و لم يدفعهما للذهاب سوى عدم عثورهما على عذر مقبول .
اعترفت بايلي على مضض : أجل .. كانت فرقة روك من الستينيات تقدم عرضاً .
- هذا صحيح ، و مع مرور الوقت ، بدأ البعض بالرقص و طلب الشاب الجالس قرب جانيس منها ..
قاطعتها بايلي بإصرار : المشكلة مع مايكل ..
فسألت جو آن بعبوس محتار :
- و ما هو الخطأ الذي ارتكبته مايكل ؟
ردت بايلي بصوت يائس : إنه .. ما كان عليه أن يترك جانيس مع غيره .
جادلتها جو آن : لم يمكن بإمكان مايكل التصرف بطريقة أخرى ، و إلا لبدا غيوراً مغفلاً .
و نظرت إلى باركر ليؤكد كلامها .
- لعلي مبتدئ في هذه المسأله . لكنني لا أستطيع إلا أن أوافق .
غضبت بايلي من كليهما . هذه قصتها و ستكتبها كما يحلو لها ، لكنها تمنعت عن الإفصاح عن رأيها ، فلعلهما على حق ، و هي بحاجة إلى وقت لتفكر في آرائهما .
توقف القطار ، و تجمهر عدد من الناس أمام الباب بانتظار أن ينفتح .
و أدركت بايلي بامتنان ، أن هذه محطة باركر
نظر باركر إلى عيني بايلي و قال : سأتصل بك لاحقاً .
و استدار من دون أن ينتظر ردها .
كان يعرف أنها لا ترديه أن يتصل بها . فهي خائفة ، تقف موقف الدفاع عن نفسها ، محترسة .. و لسبب وجيه . لم يفهم السبب بعد ، لكن باركر لن يسمح لتصرفها هذا أن يمر مرور الكرام ، من دون تحدي .
تنهدت جو آن بحسد : سيتصل بك .. أليسهذا مثيراً ؟ ألا يثيرك هذا ؟
هزت بايلي رأسها ، مناقضه ما تشعر به في داخلها ، و أجابت : يثيرني ؟ ليس تماماً .
نظرت جو آن إليها بارياب و سألتها : ما بك ؟
فردت بايلي بإصرار هادئ : لا شي .
لقد مرت في تجربة الخداع الرومانسي مرتين من قبل ، لكنها واعية تماماً هذه المرة . الحب رائع ، مثير ، و ملهم ، لكن من الأفضل تقتصر حدوده على صفحات قصه محبوكة بإتقان . فالرجال ، أو على الأقل الرجال الذيت عرفتهم ، يتسببون بخيبات أمل رهيبة ، خيبات أمل مؤلمة .
سألتها جو آن : ألا يعجبكِ باركر ؟ أعني .. و من لا يعجبها هذا الرجل ؟ إنه ماده لبطل .. لقد أدركت هذا فوراً ، حتى قبل أن ألاحظ أنا . هل تذكرين .
لم تنس بايلي : أجل .. لكن هذا باسم البحث .
رفعت جو آن حاجبيها غير مصدقة و قالت : البحث ؟ كوني صادقه يا بايلي .. لقد رأيت في باركر ديفيدسون ما يتعدى حدود شخصية مايكل ، فأنت لست من النساء اللواتي ينزلن من القطار إلى اللحاق برجل . و هناك شيء ما في أعماقك يلحق به .
أخبرت بايلي نفسها على الضحك قائله : أكره أن أقول هذا جو آن ، لكنني أعتقد أنك تقرئين الكثير من القصص الرومانسية .
هزت جو آن كتفيها بإصرار كمن يقول " اكذبي على نفسك " .
- ربما .. لكنني أشك في هذا .
و مع ذلك دفعتها صديقتها إلى التفكير فيما قالت .
ذلك المساء ، ارتدت بايلي ثياباً دافئة ، و لم تتبرج ، ثم جلست أمام الكومبيوتر ، تنظر إلى شاشته من دون تركيز .
و تمتمت لنفسها " الإلهام في الإجازة " . و بدا هذا القول أفضل ما تستطيع قوله ، إذ فارقها دفأها المعتاد و مرحها . بدت كل كلمة كتبتها من دون معنى ، و أحست بإغراء أن تمحو الفصل كله .
كان ماكس ، الذي عين نفسه حارساً على الطابعة ، مستغرقا في النوم فوقها . و قد تخلت بايلي من زمن طويل عن فكرة إبعاده عن آلتها ، و استسلمت لعادته هذه ، فوضعت منشفة مطوية فوقها لتحمي ما تكتبه من وبره . و كلما احتاجت لأن تطبع فصلاً كانت تدفعه ليستفيق . و لطالما انزعج ماكس و عبر عن انزعاجه هذا .
قالت لرفيقها الماكر : هناك خطب ما ، فالكلمات لا تتدفق كالعادة .
و لم يعرها ماكس أي اهتمام ، بل مدد ساقه و تفحصها بعناية ثم استقر لقيلولة أخرى طويلة . فهو شبعان و مكتفي ، و هذا كل ما يهمه .
فرجعت بايلي إلى الوراء و هي تشبك يدها وراء رأسها : الفصل الثاني من " لك إلى الأبد " كان ينبض بالحياة و ايقاعه سريع مثل الفصل الأول لكن الفصل الثالث ... تأوهت ، و هي تعيد قراءة رسالة باوله أولد برايت للمرة الألف ، محاولة بيأس تصوير المشاعر و الأحاسيس التي اقترحتها رئيسة التحرير .
رن جرس الهاتف في المطبخ ، فأجفلها . و تنهدت بايلي متوترة ، ثم وقفت لتتجه بسرعة إلى الغرفة الأخرى .
قال باقتضاب : ألو .
بدت غير ودية و غير مرحة لكنها أدركت أنها كانت تترقب و من دون وعي منها هذه المكالمة طوال الأمسية .
رد باركر بلهجة مهذبة : ألو .
و لم يبدو منزعجاً من مزاجها المتكدر .
- أفهم من هذا أنك تعملين ، لكن أعتقد من نبرة صوتك أن إعادة الصياغة لا تجري على ما يرام .
- إنها تسير على ما يرام .
و لم تفهم لما عمدت إلى الكذب ، و قمرها على الفور إحساس بالذنب ، لكنها حاولت إخفاءه بعدوانيه أكبر .
- في الواقع ، قاطعتني عن مشهد هام .. و أنا لا أملك الكثير من الوقت لأكتب ، هذه الفرص عند المساء مهمة بالنسبة لي .
ساد صمت متوتر للحظات ، ثم قال باركر بأدب بارد : إذن .. لن أؤخرك .
- كان من الأفضل أن لا تتصل بي .
و بدا أن ردها لم يحسن الموقف كثيراً ، فقد قال ببطء : فهمت .
توقعت بايلي منه أن يجادلها ، أو أن يناور ليحسن مزاجها و يصبح أكثر استجابة ، لكنه لم يفعل .
و اكتفى بأن يقول : لماذا لا تتصلين بي حين يكون لديك وقت فراغ ؟
ردت ، خائبة الأمل من دون أن تفهم السبب : سأفعل .. وداعاً باركر .
هذا أفضل لا اتصال بينهما .
و قال بعد لحظه من الصمت المتردد : وداعاً .
كانت بايلي لا تزال تمسك السماعة حين سمته يضع السماعة ، و تبع ذلك انقطاع الخط . لقد كانت فظة و باردة بشكل غير ضروري ، و كأنها تحاول إثبات شيء ما لنفسها و تحاول اقناع نفسها بأنها لا تريد أي صلة بباركر .
" العبي بأمام بايلي ولا تورطي قلبك فلقد تلقيتِ درسك " .
راح دماغها يعرض الأعذار لتصرفها غير اللبق لكن قلبها لم يقبل أي منها .
و أحسن بالانهيار ، و عادت إلى مقعدها تتأمل الكومبيوتر لخمس دقائق كاملة ، غير قادرة على التركيز .
قال لها قلبها : انه يحاول مساعدتك .
رد عليها عقلها : يجب أن لا تثقي بالرجال ألم تتعلمي بعد ؟ كم مره يلزمك لتتعلمي .
أصر قلبها : باركر ليس كالآخرين .
لكن رأسها رفض الإصغاء : الرجال متشابهون .
حسناً جداً .. إذا ما تصرفت بشكل صحيح ، فلماذا تشعر بالسوء ؟ لكنها تعرف أنها لو استسلمت ستندم فهي تسير فوق طبقة رقيقة في الجليد . و تذكرت شعورها تحوه ، فهل هي مستعدة للمخاطرة بمزيد من الألم لتحطيم قلبها مجدداً ؟
أغمضت بايلي عينيها و راحت تهز رأسها . أفكارها مشوشة للغاية . لقد قامت بما تراه ضرورياً لكن شعور بالسوء يتملكها . في الواقع ، كانت يائسة ، فقد غير باركر عاداته ليساعدها في مشروعها ، و عرض عليها وقته و نصيحته ، كما أعطاها وجهة نظر رجل . و حين تناولت العشاء معه ، ذكرها بمعنى أن تكون مرغوبة .
بالكاد نامت بايلي تلك الليلة . و في صباح يوم الثلاثاء ، قررت أن تفتش عن باركر ، حتى و إن على ذلك التنقل من عربة إلى أخرى في القطار ، و هذا أمر نادر ما تفعله . فهي تنوي أن تعتذر منه حين تلتقيه ، و تعزو سوء مزاجها إلى مزاجية الإبداع .
التقت بها جو آن على رصيف المحطة كما تفعل كل صباح .
- صباح الخير .
ردت بايلي هامسة : مرحباً .
و أخذت تنظر إلى نوافذ القطار و هو يبطئ ليتوقف أمامها ، علها تلمح باركر . و لم تعلق جو آن على تصرفها ، و إن لاحظته .
قالت جو آن ، بابتسامة عريضة ، و عيناها تلمعان : لقد ردت علي الوكالة التي كتبت إليها منذ شهرين .
و نسيت بايلي مؤقتاً أمر باركر و هي تنظر إلى صديقتها سائلة :
- آيرين أنغرام ؟
و ارتفعت معنوياتها الهابطة مع هذا الخبر . انكبت جو آن لأسابيع على لائحة الوكالات تحاول أن تقرر من تختار أولاً ، و بعد الكثير من النقاش و التفكير ، قررت أن يكون هدفها عالياً .
العديد من دور النشر لم يعد يتقبل مخطوطات من كتاب ليس لهم وكيل ، و إيجاد وكيل يرغب في تمثيل كاتبة مبتدئة ، أمر صعب . و تعتبر آيرين من أهم وكلاء القصص الرومانسية ، فهي تمثل عدداً من الأسماء البارزة .
حثتها بايلي أن تكمل ، و هي واثقة جداً من أن الخير إيجابي : و .. ماذا ؟
رفعت جو آن يديها في الهواء : لقد قرأت كتابي .. و أعجبت به للغاية !
- و هل يعني هذا أنها ستمثلك ؟
كانا يعرفان كم من المستهجن أن تمثل وكالة مقرها نيويورك قصصية لم تنشر لها كتاب بعد .. فهذا أمر لم يسمع به أحد ، و لا يحدث غالباً .
- أتعرفين .. لم نناقش هذا الموضوع بعد ، ولكنني أعتقد أنها ستفعل . أعني لقد تحدثت عن القيام ببعض التعديلات الطفيفة ، التي يجب ألا تتطلب أكثر من أسبوع ، ثم ناقشنا إمكانيات السوق . كما أنها تعرف رئيسة تحرير تهتم بالأمور التاريخية لهذه الحقبة بالذات ، و تريد آيرين أن ترسل لها القصة أولاً ، ما إن أنهي المراجعة .
أمسكت بايلي يد صديقتها و شدت عليها قائلة : جو آن .. هذه أخبار رائعة !
- لازلت أجد صعوبة في تصديقها . يبدو أن آيرين اتصلت أثناء وجودي في عملي ، فرد عليها ابني . حين عدت إلى البيت وجدت الرسالة بخط يده و لم أفهم منها شيئاً .. كل ما تقوله إن سيدة ذات اسم غريب اتصلت .
- تصرف نموذجي من بوبي
- حتى أنه لم يكن في المنزل لأسأله .
- و هل كتب رقم الهاتف ؟
- لا .. لكنه قال لآيرين إنني في العمل ، فاتصلت بي مجدداً في الخامسة و النصف ، حسب توقيتنا .
- ألست أنت من قال لي إنني لأكون كاتبة يجب أن أعرف توقيت نيويورك ؟
مازحتها جو آن : أنا نفسها .. على أي حال ، تحدثنا لما يقارب الساعة .. هذا جنون ! الحمد لله أن دان كان في المنزل ، فقد وقفت في المطبخ و الذهول على وجهي ، و رحت أسجل الملاحظات بجنون ، و بدأ دان بتحضير العشاء ، ثم أسرع إلى الحديقة العامة ليأتي ببوبي من تمارين كرة القدم ، فيما حضرت سارة المائدة . و ما إن أنهيت المكالمة حتى كان العشاء جاهزاً .
- أنا متأثرة بهذا .
نساء عدة في جمعية الكاتبات يتذمرن من تصرفات أزواجهن نحو جهودهن الإبداعية . لكن جو آن محظوظة في هذه المسألة ، فدان مؤمن بموهبتها بقدر إيمانها هي بنفسها .
بدا أن حلم جو آن على وشك أن تحقق ، بحيث أحست بايلي بالإثارة . فبعد ثلاث سنوات من الجهد المتواصل ، تستحق جو آن فرصة أكثر من غيرها . كانت تنظم مواعيد الكتابة ما بين مواعيد طبيب الأسنان ، و تمارين كرة القدم ، و بين عملها بدوام كامل و واجباتها كزوجة و أم . كما لعبت دور القوة الدافعة لجمعية الكاتبات . لقد بذلت جو آن دايفز جهدها ، فأملت بايلي بصدق أن تشكل آيرين أنغرام كوكيلة لها ، الدلفع لبيع أول كتبها .
قالت جو آن بلهجة واقية : أرفض أن ادع الأمر يفقدني عقلي .
نظرت إليها بايلي غير مصدقة ومقالت : أنت تمزحين .. أليس كذلك ؟
- أعتقد ذلك فمن المستحيل ألا أشعر بالإثارة . لكن يجب أن نتذكر أن الوكلاء لا يبيعون الكتب ، بل النص الجيد ، حبكة القصة وصياغتها هما ما يهم الناشر . الوكلاء يفاوضون ولكن لا يبيعون الكتب .
قالت بايلي بعتاب : كان علي أن تتصلي وتقوي لي .
- كنت انوي ذلك ، صدقاً .. لكم ما إن انتهيت جلي صحون العشاء ، ووضعت الأولاد في الفراش وراجعت ملاحظاتي ، حتى اصبح الوقت متأخراً جداً . على فكرة ، وقبل أن انسي، هل اتصل بك باركر ؟
كان اكر باركر آخر موضوع تفكر بالي في مناقشتة . إن اعترفت بأنه اتصل ، فستطرح جو آن عليها اسئلة مربكة لا تريد الإجابة عنها ، كما لا تشأ أن تكذب .
وهكذا اعترفت : لقد اتصل .. لكنني كنت اكتب ، واقترخ ان اتصل به انا فيما بعد .
فسألتها جو آن : وهل فعلت ؟
- لا .. أعلم انه كان علي أن اتصل .. لكني .. لم افعل .
- انه رائع .. اتعرفين هذا ؟
- اتمانعين أن لا ننقاش أمرة ؟
كانت تنوي البحث عنة ، لكنها عدلت عن رأيها ، مؤقتاً على الأقل .
- امور كثيرة تشغلني . وانا .. انا احتاج إلى توضيح بعض الأمور الغامضة .
نظرت جو آن إليها متعاطفة : طبعاً .. خذي وقتك .. لكن ليس طويلاً ، فرجال مثل باركر ديفد سوف لا يتواجدون دائماً .. ربما مرة في العمر .. هذا إذا كنت محظوظوة .
لم يكن هذا ما تريد بايلي سماعة .
بقي ماكس مستلقي فوق طابعة الكمبيوتر طيلة الأمسية . وكانت قد عملت لساعة على لإعادة
الصياغة ، لكن النتيجة لم تسرها . ولعل توترها مرتبط بعدد المرات التي طبعت فيها اسم باركر بدل من مايكل .
كان من السهل تبرير هذه الغلطة ، فهي متعبة ، وباركر يحتل افكارها معظم الوقت . يا إلهي .. ومتى فارق افكارها ؟
وبعد أن قررت اخذ قسط من الراحة ، وتصفح صحيفة المساء ، خيل إليها ان اسم باركر يظهر على الصفحات المكتوبة . اقتنعت بايلي بأن الكاتب أخطأ ، كما حدث معها منذ لحظات .. وأخذت تقرأ الشؤون المحلية في صحيفة المساء ، لتجد أن اسم باركر مذكور فعلاً فيها .
جلست على مقعد المطبخ المرتفع ، وقرأت المقالة المختصرة بعناية . كان العمال يحفرون لبناء مؤسسة مصرفية في المنطقة المالية ، وقد ورد اسم باركر ديفدسون كمهندس للمشروع .
قرأت بايلي المقال مرتين ، وتملكها احساس بالفخر والإعتزاز .
يجب أن تتصل به ، فهي تدين له بتفسير ، بإعتذار ، وتدين له بعرفان الجميل . ولقد ادركت ذلك ما إن انهت حديثهما بشكل مفاجئ في الليلة السابقة ، وادركت ذلك ايضاً في الصباح حين تحدثت إلى جو آن .. اكتشفت ذلك حين استبدلت اسم مايكل بإسم باركر ، حتى صحيفة المساء قالت لها إنها تدرك ذلك .
انه من الضروري جداً ، ويجب أن لا يكون صعباً . وقفت بايلي امام جهاز الهاتف تقنع نفسها بهذا ويدها على السماعة ، وتردد يساورها . ماذا يمكن ان تقول لها ؟ ستعتذر عن تصرفها وتهنئة على المشروع الذي قرأت عنة ، ولكن يتطلب هذا سوى 30 ثانية .
دخل ماكس إلى المطبخ ، متوقع ان تطعمه مجدداً ، فنظرت إليه متمتمة :
- لا تحلم .
ذرع المطبخ بخطوات متوترة لم يعطها لشجاعة ، كما لم يفعل تفحصها لمحتويات البراد . الأمر الوحيد الذي شجعها كان ماكس الذي بدا مصدقاً انها غيرت رأيها .. وستطعمة .
راحت تتمتم غاضبة من نفسها ، والتقطت سماعة الهاتف ، وطلبت منزل باركر ، ثم انتظرت .. رن جرس الهاتف .. مرة ..مرتان .. ثلاث .
يبدو ان باركر ليس في المنزل ، لعلة خرج مع حسناء شقراء طويلة ، ليحتفل بنجاحة . وهذا كابوس أي امرأه .. أربع رنات .. حسن جداً ، ماذا تتوقع ؟ انه وسيم ومغري ، وكريم ولطيف ..
- ألو ؟
وفاجأها تماماً : باركر ؟
- بايلي ؟
ردت بإشراق : اجل .. هذا انا .. مرحباً .
ما كانت تنوي قولة اختفى من ذهنها فجأه .
لأن صوتة قليلاً وقال : مرحباً .
سألت : هل اتصلت في وقت غير مناسب ؟
وأخذت تلف شريط الهاتف على اصبعيها ثم رسغها ، واخراً مرفقها .
- يمكن ان اتصل لاحقاً إذا كان ذلك يناسبك اكثر .
- الآن وقت رائع
- رأيت اسمك في الصحيفة وأردت تهنئتك .. يبدو هذا المشروع مثيراً للإعجاب .
لا بد أنه هز كتفية ، لأنها تعرف انه سيفعل ، وحل الصمت بينهما .. صمت يجب ملأه أو شرحة ، او إلغائة بسرعة .
قالت بايلي : واردت كذلك أن اعتذر للطريقة التي تصرفت بها ليلة امس ، حين اتصلت .
واصبح الشريط ملفوفاً بقوة على يدها بحيث تخدرت اصابعها ، ففكته ، بحركة مذعورة .
- كنت فظة معك ، ودون لباقة .. وانت لا تستحق هذا .
- إذاً .. تعقدت امور الكتابة .
ولم تكن متأكدة من انها فهمته فالستفهمت :
- ارجو عفوك ؟
- تلاقين صعوبة في اعادة صياغة القصة .
وتسائلت كيف عرف .
- اقترح أن تحصاي على وجهة النظر الرجالية .. اردت وجهة نظري ، هل انا محق ام لا
- محق ام لا ؟ ولا واحد منهما .. لقد اتصلت لأعتذر .
- وكيف تسير اعادة الصياغة ؟
- ليس على ما يرام .
- وهذا يعلمني بما أردت .
ارتاعت بايلي وقالت : إذا كنت تلمح إلى ان هذا هو السبب الوحيد لإتصالي بك ، فأنت مخطئ .
- إذاً .. لماذا اتصلت ؟
- إذا كنت تريد ان تعرف .. سأشرح لك .
- تابعي .. أنا اصغي إليك .
الآن وقد استرعت اهتمامة كلياً بدأت بايلي تشعر بمدى غبائها .
- لطالما قالت لي امي إن الفظاظة لا عذر لها ، لذا أردتك أن تعرف ما قد يساعد على الفهم ..
وفجأه لم تقدر قادررة على إضافة كلمة أخرى .
فكرر باركر بصوت هادئ : انا أصغي إليك .
أخذت بايلي نفساً عميقاً ، وأغمضت عينيها : اوه .. ربما لن تفهم .. لكن يجب ان تعرف أن هناك .. أن ثم ثوب عرس لم يستخدم في خزانتي .

-------------------
#تم الفصل السادس

روايات احلام/ لك الى الابدWhere stories live. Discover now