{ الفصل 9 }

66.6K 1K 23
                                    


ضغط رؤوف على مفتاح نور المكتب الجانبي فسبحت الغرفة في ظلام لم يكسره إلا ضوء القمر المنبعث من النافذة وأخذ يدور بكرسي مكتبه يمنة ويسرة.. يحاول أن يفرغ رأسه من الأفكار التي تدور بها.. يشعر أنه دخل بقدميه في دوامة ولا يعرف الطريق للخروج منها.. لطالما تجاهل حديث المشاعر والأحاسيس وظنه للمراهقين والصبية أو لمن يريدون التسلية فحسب, لكنه وجد نفسه الآن يتساءل عن صحه تفكيره.. وهل ما يربطه بنورا هو عقد زواج تم بناء على تفكير عقلي فحسب؟.. سخر من نفسه أي عقل وأي تفكير؟.. لقد انطلق اسمها على لسانه بدون أي إرادة من عقله عندما عرض جده عليه الأمر؟.. هل هذا هو الحب الذي لطالما سخر منه؟.. أنه لا يدري.. فقط يعلم أن حياته تغيرت من اللحظة التي ارتبط فيها بها.. أصبح لحياته نكهة مختلفة.. نكهة يكاد يجزم أنه أدمن عليها مثل إدمانه على رائحة التوت البري التي تنبعث من شعرها أو إدمانه لرؤية توترها الذي يدفعها لتقوم بتلك الحركة الفاتنة بشفتيها.. بل أنه يدفعها للعصبية أحياناً حتى تقوم بتلك الحركة فقط.. كما اكتشف أنه يهوى صوت الموسيقى الذي ينبعث مع ضحكاتها.. والطريقة التي تغني بها وهي تدور مثل الفراشة في المنزل وخاصة عند اعدادها للقهوة التي أضحى يدمنها من يديها..

مسح وجهه بكفيه.. وهو يدرك أنه يغرق أكثر وأكثر.. يغرق في بحور لم يعرفها من قبل.. ينغمس في أحاسيس كان يظن نفسه لا يمتلكها.. فحياته مع جده ومن بعده نعمات لم تؤهله ليتعامل مع فيض هذه المشاعر.. لقد عاش لسنوات حياة أشبه بمياه هادئة لم تؤثر فيها أي رياح أو أعاصير.. باستثناء المحاولات الحثيثة للإنجاب إذا اعتبرت تلك المحاولات أزمات من أزمات الحياة.. أما بخلاف ذلك فكانت حياة روتينية هادئة لم تعترضها أي عواصف..

حاول أن يخرج ما بنفسه في صور هزلية كعادته ولكن لأول مرة تفشل الأوراق والألوان في مساعدته على تصفية أفكاره التي تعصف بشدة..

رمق دفتر الرسم الكبير على المكتب وكأنه يناجيه.. يتوسله أن يفسر له ماذا يجري معه؟.. ما تلك الأحاسيس والمشاعر التي تموج بداخله؟.. لأول مرة يشعر أنه فاقد السيطرة على ما يدور حوله.. فاقد للسيطرة على أفكاره وأحاسيسه ومشاعره.. إنه يفقد أعصابه وينطلق غضبه بسرعة شديدة وخاصة عليها.. على نورا.. كلا ليست نورا.. إنها قمر.. قمره هو..

نهر نفسه بغضب.. ما هذا اللغو الذي تتفوه به؟.. إنها فتاة متمردة لا تستطيع تنفيذ ما يطلب منها.. تتعمد دائماً إثارة غضبه وفعل كل ما يثير الحنق..

عاد يرمق دفتره مرة أخرى وهو يتساءل عن رأيها في هوايته تلك.. لقد رفض جده الإعتراف بها تماماً مبدياً رأيه أنها مجرد شخبطات... أما نعمات فثارت ثائرتها عندما لمحتها وظنته يسخر منها.. ولم تستطع استيعاب أهمية تلك الهواية في حياته فهي تراها سخرية وقحة من البشر...

ترى ماذا يكون رأيك يا قمري؟... هل ستعتبرينها شخبطة أم وقاحة؟.. أم ربما يكون رأيك اقسى من ذلك؟..

قيد القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن