وجد رؤوف أن المواجهه هي أفضل حل.. فنظر في عيني جده وهو يقول:

ـ جدي إنك رجلٌ مؤمن.. ولم تعترض يوماً على قضاء الله..

قاطعه جده:

ـ هل الأمر يتعلق بعمك عبد الرحمن؟.. هل هو مريض؟.. أم..

ترك سؤاله معلق فلسانه لم يطاوعه لينطق الكلمة..

تعجب رؤوف من فراسة جده, وروحه الشفافة التي استشفت الكارثة رغم عدم وجود مقدمات لها, فنكس رأسه ليخفي بضع دمعات ترقرقت في عينيه:

ـ البقاء لله.

ترنح الجد في وقفته فتحرك رؤوف مسرعاً ليدعمه وهو يرافقه ليعود إلى مجلسه.. سأله الجد بصوت خفيض مكسور يسمعه للمرة الأولى:

ـ ماذا؟.. كيف؟..

أدرك أن جده يطالبه بالتفاصيل فحاول أن يراوغه:

ـ جدي يجب أن ترتاح.. دعني اتصل بالطبيب ثم..

قاطعه الجد بشراسة:

ـ أخبرني يا رؤوف.. كيف؟.. هل كان حادث سيارة آخر؟..

تنهد رؤوف وهو يجيب جده:

ـ كلا يا جدي.. لقد كنا معاً في المصنع عندما شعر عمي بألم شديد في كتفه الأيسر.. حاولت أن أقنعه بأخذه إلى المشفى لكنه رفض.. ثم طلب الذهاب إلى المنزل.. و... و.. قبل أن نصل...

صمت ولم يجد ما يضيفه...

ساد الصمت لعدة دقائق ورؤوف يتأمل جده يحاول تبين تلك القوة التي يتمتع بها الرجل.. فقد علم للتو بأنه فقد ابن ثانٍ ومع ذلك يبدو في غاية الثبات...

ثم سمع جده يهمس في صمت وكأنه كان بداخل عقله يقرأ أفكاره:

ـ "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"..

فأجابه رؤوف:

ـ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم تنحنح ليجلي صوته:

ـ جدي..

عاد جده لمقاطعته:

ـ رؤوف يا بني.. إنني أعتمد عليك اليوم.. حاول أن تنهي جميع الإجراءات قبل غروب الشمس... أنت تعلم أن عمك عبد السلام لا قِبل له بمواجهة المصائب.

تقدم رؤوف منه وهو يجيبه:

ـ حسناً... يا جدي.. لا تقلق, سأُنهي كافة الأمور.. ولكن هل أنت متأكد أنك لا تحتاج إلى طبيب؟..

أجاب الرجل المسن:

ـ كلا يا رؤوف.. فقط استدعي عمتك قمر.

ـ بالطبع يا جدي.

*********************

أنهى رؤوف كافة الإجراءات المطلوبة لدفن عمه.. وكلف رجاله بإقامة سرادق ضخم للعزاء, يليق بعائلة الجيزاوي أكبر عائلات تلك المحافظة في جنوب مصر..

قيد القمرWhere stories live. Discover now