١٠/الخيار الصعب

6K 114 2
                                    

الخيار الصعب

لاحظ فيرغوس على الفور يد كلويه التى ارتفعت لتوجه إليه صفعة لكنه كان أسرع منها فأمسك بمعصمها فى الوقت المناسب ثم حذرها قائلاً:"لن اسمح لك بهذا كلويه"
راحت كلويه تقاوم تلك القبضة التى أطبقت على يدها وقد تخضب وجهها بحمرة الغضب ثم قالت لاهثة :"أنت حقير , أنت...محتال...."
كرر كلامها غير مصدق:"محتال ؟ أنا؟"
-....تريد ابتزازى...
اشتدت قبضته على معصمها وقال بصوت خشن من بين أسنانه:"توقفى كلويه قبل أن تقولى شئ نندم عليه كلانا"
كانت كلويه تتنفس بصعوبة فرفعت بصرها نحوه:"لن أندم على ما أقول!"
اجابها فيرغوس بصوت خشن مثير للأعصاب :"لا أدرى ماذا فهمت من كلامى , لكننى أستطيع تخمين ذلك من رد فعلك هذا. أنا لا اقترح عليك صفقة كلويه , أى سكوتى عن تصرفات كلويه مقابل معلومات عن والدك و سوزان سيترلنغ"
و بدا فيرغوس ساخطاً وشديد الغضب وهو يضيف :"لو كنت من الرجال الذين يطلبون شيئاً مقابل صمتهم لطلبت منك أمراً أكثر خصوصية"
فجأة جمدت كلويه فى مكانها,ولم تعد تبدى حراكاً إلا حركة تنفسها المتوترة حيث راح صدرها يعلو ويهبط باضطراب شديد نظراً لشدة أنفعالها . وأختفى اللون من خديها لعلوهما الشحوب فبدت كما لاحظ فيرغوس فائقة الجمال!
ابتلعت ريقها بصعوبة لتعلن باشمئزاز:"أظن أن خيانتى لوالدى أمر شديد الخصوصية"
صاح به فيرغوس بنفاد صبر :"اللعنة ! أنا لا أطلب منك أن تخونى والدك"
ثم هز رأسه وقد شعر بالاحباط :"تباً كلويه أنت تصعبين الأمور علىّ"
رفعت كلويه نظرها إليه وقد غدا وجهها على بعد سنتيمترات فقط من وجهه ثم أكدت له :"ولا أنوى أن أجعلها سهلة"
أنه ليس الوقت المناسب وفيرغوس يعلم ذلك جيداً . فما يفكر فيه سوف يجعل الأمور بينهما أسوأ مما هى عليه . لكنه شعر فى تلك اللحظة أن عطرها يجتاح كيانه وقربها منه يثير حواسه فيوقظها ولم يستطيع تمالك نفسه فأنحنى رأسه وعانقها .
ظلت كلويه للحظات جامدة من دون حراك لشدة ذهولها . وما إن أرخى قبضته حتى بدت بمقاومته.
كان فيرغوس يراقبها طيلة الأمسية وهى تتحدث وتضحك مع أفراد أسرتها, متمنياً لو أنها تشعر بتلك السعادة والاسترخاء معه أيضاً . لكن ذلك بدا صعب المنال بالنسبة إليه . أما الآن...فقد تنكر كلويه أنها تجاوبت مع عناقه لكنه يدرك تماماً أن هذا غير صحيح وأنهما يبدوان معاً فى غاية الأنسجام وعليه أن يكتفى بذلك فى الوقت الحاضر .
ها هى كلويه قد توقفت عن مقاومته واستسلمت لعناقه . شعر فيرغوس بأنها تريده بقدر ما يريدها . لكن...يجدر به التوقف قبل أن يقوم بتصرف يندم عليه .
ابتعد عنها مرغماً ولعل هذا الأمر من أصعب الأمور التى قام بها فى حياته ثم قال بصوت أجش :"اريدك أن تعملى معى كلويه"
وأكمل حديثه بصرامة ليمنعها من الرد:"لا أطلب منك أن تعملى ضد مصلحة والدك بل لأجل مصلحته"
نظرت إليه ببصر زائغ وهى تطرف بعينيها ثم تمتمت بصوت خشن:"لست لأفهم"
أخذ فيرغوس نفساً قصيراً حاداً وقال يذكرها بلطف:"أخبرتك أن الوقت ما زال مبكراً لإطلاق الأحكام . أنت تعتقدين أن والدك غير متورط فى قضية سوزان سيترلنغ..."
قاطعته :"بالطبع. لا"
أكمل فيرغوس بنبرة ثابتة :"...وأنه ليس والد الطفل .لكن من الطبيعى أن يكون لذلك الطفل والد"
ثم أضاف بجفاء :"إذا تمكنا من إيجاد والد الطفل الحقيقى...."
ردت كلويه بنبرة قاسية:"نحن؟"
وفجأة تحرك فيرغوس مبتعداً عنها إذ شعر أنه لا يستطيع التفكير بشكل سليم حين يكون شديد القرب منها ثم قال بحدة:"أرغب فى عقد اتفاقية معك كلويه. إذا أكتشفنا أن ثمة رجلاً آخر,فسوف أسحب يدى من الموضوع وأعترف بأننى مخطئاً.موافقة؟"
حدقت كلويه إليه بعينين زرقاوين جامدتين كقطعتى زجاج قالت بسخرية:"وإذا لم نكتشف وجود "رجل آخر"؟"
ثم أضافت بمرارة :"لقد حققت الشرطة إثر مقتل سوزان ولم تتمكن من إكتشاف شئ على الأطلاق ,ما جعل الإشاعات تنتشر أكثر فأكثر"
كان فيرغوس يدرك هذا الأمر لكنه لم يستطيع أن يجد حلاً آخر لهذه المسألة.
إذا تمكنا من إيجاد الرجل الآخر ,فقد تتوقف كلويه عن كرهه....
ضاقت عيناه :"تلك المدعوة سوزان...هل كنت تعرفينها؟"
استدارت كلويه مبتعدة :"بالتأكيد أعرفها لقد عملت لدى والدى قبل ثمانى سنوات وكانت تمضى معظم الوقت فى منزلنا"
لِمَ لم يخطر ذلك فى باله من قبل ؟ فى الواقع ثمة أمور كثيرة تتعلق بهذه المسألة لم تخطر فى باله من قبل ! ها قد بدأ يتمنى لو أنه لم يورط نفسه أصلاً فى هذه الفضيحة التى حدثت منذ ثمانى سنوات....
نظر إلى كلويه نظرة ذات مغذى:"وما رأيك بها؟"
استدارت كلويه إليه غاضبة:"كنت فى الخامسة عشر من عمرى حينها,فماذا سيكون راى بها حسب أعتقادك؟"
قطب فيرغوس مفكراً :"فى أيامنا هذه معظم الفتيات اللواتى يبلغن الخامسة عشر يبدين...خبرة ومعرفة بالحياة والناس"
ردت كلويه من بين أسنانها :"حسناً,أنا لم أكن كذلك.على أى حال كنت معظم الوقت بعيدة عن المنزل فى المدرسة الداخلية . كانت سوزان بالنسبة إلىّ..كان عمرها فوق الثلاثين..كانت تبدو لى كبيرة فى السن!"
ابتسم فيرغوس من دون فرح.لعله يبدو كذلك أيضاً بالنسبة إلى كلويه فهو الآن فى الخامسة والثلاثين..لكنه أصر بعناد :"لكن ,من المؤكد أن لديك أنطباعاً ما عنها"
تنهدت وقد نفد صبرها والتمعت عيناها بلون أزرق داكن:"حسناً كانت سوزان جميلة...فى الواقع جميلة جداً هل هذا ما تود سماعه؟"
ليس بالتحديد . فهو يعلم أن سوزان سترلينغ كانت امرأة جميلة لكنه مهتم أكثر بمعرفة أى نوع من الأشخاص هى هذه المرأة.
قالت كلويه بصوت متوتر وهى تصر على أسنانها :"لم تجب عن سؤالى فيرغوس . ماذا سيحصل إذا لم تتمكن من اكتشاف شخصية "الرجل الآخر"؟"
هذا أمر لا يتمنى فيرغوس حدوثه .لأنه إذا ما أكتشف وجود رجل آخر فسيضطر إلى نسف كل الخطوط العريضة والأفكار التى بدأ يبنى عليها روايته الجديدة .لكنه رأى من جهة أخرى أن الأفضل له أن يمضى قدماً فى ما يسعى إليه آملاً أن تدرك كلويه أنها كانت مخطئة بالنسبة لتورط والدها بالأمر.
- سنعمل انطلاقاً من فرضية وجود رجل آخر
هزت كلويه رأسهاقائلة بنبرة قاسية :"لن يكون هناك"نحن" فيرغوس . فأنا لا أنوى مساعدتك لكى تسبب المزيد من الأذى لحياة والدى السياسية "
أجابها وقد شعر بالإحباط :"أنا لا أنوى القيام بذلك . اللعنة ! أنا أحاول مساعدة والدك لا التسبب له بالأذى"
وفى الوقت نفسه كان فيرغوس يأمل أن يقضى المزيد من الوقت مع كلويه ليجعلها تدرك أنه ليس رجلاً سيئاً كما تظن....
قالت له بنبرة باردة:"لا يمكننى مساعدتك فيرغوس"
يا لها من عنيدة ! قال فيرغوس يذكرها :"ماذا عن قريبتك فيكتوريا؟"
التوى فمها بقرف ثم تنهدت بتثاقل :"أعرف من هى فيكتوريا فيرغوس...لكن...لا أدرى فكل ما أعرفه هو أننى لا أستطيع مساعدتك"
رد فيرغوس بلهجة متوترة :"لا تستطعين أم لا تريدين؟"
وتركزت نظراته على وجهها الشاحب :"فى حالتنا هذه ثمة فرق شاسع بين الأمرين .أنت لا تثقين بى كلويه,أليس كذلك؟"
بادلته كلويه نظراته القاسية لعدة ثوانٍ وأخيراً التفتت إلى الجهة الأخرى قائلة :لدى أسباب كثيرة تجعلنى لا أثق بك...."
قاطعها فيرغوس :"أما أنا فلدى أسباب أكثر. لكن ألا ترين أننى أحاول ذلك عن طريق هذا الاقتراح الذى أقدمه لك؟"
- بل أرى أنك تحاول إغرائى لأعمل معك فتقوم بخداع عائلتى لتجعلها تثق بك
ألتمعت عينا فيرغوس غضباً:"تباً , لا أذكر حتى أننى جئت على ذكر عائلتك"
- لست بحاجة إلى ذلك إذ كيف ستتمكن من إيجاد الحقيقة إلا بتلك الوسيلة ؟ لا فيرغوس .إذا كنت سأقوم بدور شارلوك هولمز فأنا لست بحاجة إلى مساعدتك .
قال معترضاً بسخرية :"تخطئين فى تقديرى كلويه فأنا من سيأخذ دور شارلوك هولمز"
ابتسمت كلويه بحزن:"اترى؟نحن لا نستطيع أن نتفق حتى على هذاالأمر....؟
أجابها فيرغوس بتصميم:"ليس علينا أن نتفق على كل شئ لنبحث عن الحقيقة"
غدت ابتسامتها الآن مرتجفة :"لكن بعض الحقائق يجب تصديقها بإيمان ومن دون براهين ملموسة"
ثم أضافت بصوت أجش :"تماماً مثل إيمانى ببراءة والدى"
لم يستطيغ فيرغوس أن يجادلها فإيمانها هذا بالإضافة إلى لقائه مع بول هاملتون نفسه جعلاه يعيد النظر فى قناعاته السابقة بأن هذا الرجل هو أحد أولئك السياسين المتعجرفين الذين ينتهكون القوانين الأخلاقية والحشمة
حاول فيرغوس الجوء إلى منطق مختلف من الكلام:"بما أن والدك ينوى دخول معترك السياسة من جديد ألن يكون من الأفضل له أن تتوضح هذه المسألة لتوضع جانباً وتنسى؟"
أجابته كلويه بشراسة :"بل من الأفضل أن تترك هذه القضية حيث وضعت منذ ثمانى سنوات"
أشار بهدوء:"لكنها لم تنس بعد"
قالت بحزم:"لا يزال جوابى لا فيرغوس أنا آسفة لكن هكذا يجب أن تسير الأمور"
- ليست بالضرورة . لكنك من قرر أن الأمور يجب أن تسير على هذا الشكل .
توقف فيرغوس للحظات عن الكلام ثم تابع قائلاً :"أسمعى كلويه يمكننى القيام بالبحث معك او من دونك. لكننى كنت أفضل أن تساعدينى "
اتسعت عينا كلويه :"ستمضى إذن فى أبحاثك بغض النظر عما سيحصل؟"
الكراهية التى بدت بوضوح على تعابير وجهها لم تكن وحدها التى أقلقت فيرغوس إذ أدرك أنهما تماديا كثيراً فى الحديث حتى أن التوقف لم يعد ممكناً الآن
قد يوافق معها على عدم متابعة البحث من أجل كتابه لكنه يدرك فى الوقت نفسه أنه إذا أراد الاستمرار فى رؤية كلويه فإن هذه المسأة التى لم تُحل ستبقى عائقاً فى طريقهما وسوف تلقى دوماً بظلالها على علاقتهما . كما أنه سيصر دوماً على رؤية كلويه مهما حاولت مقاومته.أعلن لها بهدوء :"ليس لدى خيار آخر كلويه"
ظهر الاشمئزاز على ملامحها وبدت عيناها الزرقاوان كقطعتى جليد وهى ترمقه بنظرة خاطفة ملؤها الازدراء:"لديك خيار فيرغوس لكنك ببساطة لا تريده .كان علىّ ان أعرف أى نوع من الرجال أنت منذ الليلة الأولى التى التقيتك فيها"
اشتدت قبضتا فيرغوس على جانبيه بسب إهانتها المتعمدة ,إلا أنه ذكر نفسه بأنها تفعل ذلك عن عمد.فهى مصممة على إبعاده عنها. لكن تصميمها هذا جعله يأمل وعلى عكس ما هو متوقع بأن المستقبل سيكون أفضل . وأن هذا المستقبل سيكون أفضل .وان هذا المستقبل يشمل كلويه أيضاً...
تمتم بهدوء:"لكنك كنت تعرفين أى نوع من الرجال أنا كلويه.فيكتوريا أخبرتك...هل تذكرين؟"
شعرت كلويه بالحرارة تغزو وجنتيها فقالت بتصلب :"أظن أن من الأفضل أن أغادر الآن فيرغوس.لا أعتقد أن هناك المزيد من الكلام بيننا"
ظل فيرغوس صامتاً فما يقلقه ليس موقفها الحالى فقط رغم أنها غاضبة ومستاءة إلى درجة تمنعها من سماع المزيد .قال بأدب :"سأرافقك إلى الباب"
قالت بتوتر فيما هى تتقدمه إلى الخارج:"كى تتأكد من أننى سأغادر المنزل هذه المرة؟"
لم يكن فيرغوس بحاجة إلى من يذكره بتلك الليلة التى أمضتها فى منزله من دون علمه...فلطالما أنب نفسه بسبب ذلك فى الأسبوعين الماضيين!
أكد لها بفظاظة :"بل أود ألا تفعلى لكننى أدرك أن هذا مستحيل "
ثم أبتسم بحزن حين وجهت له نظرة ساخرة .وقبل أن تصعد فى سيارتها منحته ابتسامة عذبة ممزوجة بالمرارة :"وداعاً فيرغوس"
ما أن أنهت جملتها حتى شعر فيرغوس أن قلبه يغوص عميقاً بين ضلوعه فقال مؤكداً :"عمت مساءً كلويه أنا واثق من أننا سوف نلتقى فى وقت قريب"
لاحظ فيرغوس أنها لم تسر بملاحظته تلك لكنه امل أن تكون لديه أخبار سارة لها حين يلتقطها فى المرة المقبلة....

روايات احلام/عبير :ليل الغرباءWhere stories live. Discover now