مقدمة محقق الكتاب *

260 5 0
                                    

د. صباح جمال الدين

يسر الوراق للنشر لندن - بيروت - بغداد أن تفتح باباً من أبواب كنوز التراث العربي بنشرها لمخطوط نادر بمكتبة الفاتيكان وهو واحد من مخطوطات سلمت من محرقة المخطوطات العربية في اﻷندلس ، ولم تنج كتب اليهود كذلك من الدمار ، لا سيما أن كبار علمائهم وفلاسفتهم كانوا يكتبون بالعربية أو العبرية.

ويبدو أن الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز ، قد نقل إلى فرنسا ثم إلى روما أيام الملك اﻹسباني شارلس الخامس الذي أصبح بعد ذلك اﻹمبراطور المقدس ، ويعتقد بعض مؤرخي اﻷدب أن هذا الكتاب كان أصلاً في تونس.

لقد اهتم بترجمة الكتاب اﻷستاذ أ. ر. نيكل لﻹسبانية ، وهو يعتقد أن تاريخ تأليف المخطوط يرقى إلى القرن السابع الهجري أي الثالث عشر الميلادي ، وتكمن أهمية المخطوط في أنه البدايات لتطور الرواية العربية الحديثة ولمظاهر في العربية سنتحدث عنها أدناه.

نبه اﻷستاذ جورجيو دي لافيدا اﻷستاذ نيكل عام 1934م على المخطوط رقم 368 بقسم المخطوطات العربية بمكتبة الفاتيكان ، وكما ذكر اﻷستاذ نيكل بمقدمته الموجودة بالكتاب أن المخطوط كما عرض عليه ، مكون من ثلاثين صفحة ، مزين بصور جميلة لبعض حوادث القصة ومكتوب بخط مغربي جميل ، ولسوء الحظ فقدت منه صفحات قليلة من أوله وآخره ، ويبدو لي أن ما فقد من أوله لا يزيد على الصفحة الواحدة.

تتناول الرواية قصة غرامية بين ابن أحد التجار السوريين وجارية في بيت أحد اﻷمراء المغاربة أو اﻷندلسيين ، كما يبدو من الحوارات ، والقصة ترويها امرأة عجوز كان لها دور حاسم في تقريب بطلي الرواية التي تجري حوادثها ، كما يبدو في ظاهرها ، في مكان ما في شمال إفريقيا أو اﻷندلس وإن بدا لي أنها حدثت في مكان بالعراق ، فإن إحدى التعليقات على إحدى الصور تذكر بطل الرواية مرمياً من لواعج غرامه على (نهر الثرثار) وفي الصفحات اﻷخيرة يتردد اسم هذا المكان كثيراً ، والثرثار موضع معروف اليوم بالعراق قرب سامراء يسمى (وادي الثرثار) وذكر في معجم البلدان. أما أغلب الاحتمالات فهي أن حوادث القصة أو أن مؤلفها استوحى أو كتب القصة بالعراق أو في مكان ما بالمشرق العربي ، ثم كتبت ثانية بشمال إفريقيا ، وكم تذكرني أشعار هذا الكتاب بأسلوب ابن رزيق ** (توفي 1029م / 420 هج) في قصيدته الذائعة الصيت :

لاتعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

حتى شككت أن يكون هو المؤلف وبودي أن يقارن القارئ العزيز المقطع التالي من قصيدة ابن رزيق بما سيمر عليه من الشعر في قصة بياض ورياض :

أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك اﻷزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني طيب الحياة وإني لا أودعه
ك

بياض ورياضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن