الفصل العاشر/ انت الوحيد

20.2K 504 24
                                    

اول نهايه اسبوع لمنيرفا في لندن كان بائسا .... امطرت السماء طوال الوقت واضطرت للبقاء داخل الشقه لكنها وجدت الوحدة والفراغ شديدا الوطأة عليها . يوم الاحد صنعت لنفسها طعاما لكنها كمثل الوجبات الاخرى التي حضرتها احست ان طعمها كالتراب في فمها فوضعتها طعاما لقطه الجيران .
ماركوس ! ماذا يفعل الان ؟ هل اغضبه رحيلها المفاجئ ام اراحه ؟ وافترضت الرد الاخير لكن هذا زاد من عذابها في قلبها ... لقد كان فظا معها , متعجرف , مهين .... مع ذلك فلو كان لها ان تختار لاختارت ان تكون معه . يا الله ساعدني ! رمت المجله من يدها وطلبت رقم ريك فهو الوحيد القادر على فهمها , ووصل ريك بعد نصف ساعه وجلس الى جانبها على الصوفا الصغيرة وقال بهدوء :
-    لم تجر الامور جيدا مع ماركوس ..... اليس كذلك ؟
-    بل ان الوضع اصبح مستحيلا
ابتسم محاولا تهدئتها بالمزاح :
-    حسنا لا تهتمي .... هناك الكثير من السمك في البحر
-    لكنني لن اجد مثل ماركوس اوكيف
-    وهل الامر بهذا السوء ؟
-    اجل ....
و شهقت تكاد تنفجر بالبكاء فوضع ذراعه على كتفها مواسيا :
- تحملي حبيبتي .... صديقك القديم لازال الى جانبك .... واذا اردت يوما كتفا تستندين اليه للبكاء نادني وسأجيء ركضا لمساعدتك .
سرعان ما اخفضت راسها الى كتفه واخذت تبكي دون كبت .... وتركها تبكي الى ان جفت دموعها واحست بالراحه ...
-    لطالما ساعدتني في الكثير من مشاكلي في الماضي .... ولطالما وقفت معي في الايام الصعبه , ولست ادري اذا قلت لك يوما انني شاكرة لك كثيرا ..... ولا ازال شاكرة
-    اليس الصديق لوقت الضيق ؟
-    انت رائع ريك ... وكنت دائما لطيفا معي
-    كما انني اشعر الان بالظمأ ... الا اجد عندك فنجان من القهوة ؟
ابتسمت مرتجفه لكنها احست انها افضل حالا الان بكثير , حين عادت بالقهوة وجلست الى جانبه وسألها :
-    هل ستعودين الى عملك السابق ؟
-    في الوقت الحاضر اجل . لكني احس بأني احتاج الى تغيير
-    انا ابحث عن سكرتيرة وموظفه استقبال جيدة لعيادتي , فهل يمكن ان تفكري بالامر ؟
ابتسمت : قد افاجئك واقتحم عليك غرفة الفحص يوما .
اتصلت بالسيد غرايتنغ صباح الاثنين امله موعد لمقابلته ... لكنها فوجئت انه لا يستطيع مقابلتها حتى اليوم الثاني , ووجدت الامر غريبا فهي تعرف ان السيد غرايتنغ منفتح الذهن , صارم في عمله ... لكنها اقنعت نفسها اخيرا ان عليها مواجهه يوم اخر من الملل .
كانت الساعه قد تجاوزت الثامنه حين وضع احدهم يدة على جرس الباب و ابقاها كما هي . و احست بالراحه لتفكيرها بأن ريك قد فكر بزيارتها فأسرعت لتفتح له لكنها لم تجد ريك يستند الى اطار الباب حين فتحته وجمدت ابتسامه الترحيب على وجهها :
-    ماركوس !
دون انتظار دعوتها دفعها جانبا ودخل ليصفق الباب خلفه .... وسألته بصعوبه :
-    من اعطاك عنواني ؟
-    خالي وفرة لي مشكورا من ملفك بالشركه
ورمى من يدة علبه كبيرة غريبه المنظر على اقرب كرسي واستدار ليواجهها
-    لم يكن من حقك مغادرة منزلي دون استشارتي !
حدقت به لحظات , تركز عينيها على الرجل الذي اصبح ضروريا لوجودها ... في تلك اللحظه بالذات ادركت ان فيه شيئا مختلفا . كان يبدو متعبا , مرهقا , عيناه تظهران قله نومه , لكن هذا ليس بالوقت المناسب للتساؤل عن السبب , وردت تبتعد عن قربه المثير للاضطراب
-    تباحثت بأمر مغادرتي مع امك وهذا يكفي كما اعتقد
-    وهكذا غادرت دون التفكير حتى بوداعي
لحق بها عبر الغرفه ودون اعطائها فرصه استعادة رباطه جأشها ... لكنها ردت :
-    هكذا كان افضل ؟
-    افضل لمن ؟
-    للجميع
-    هذا رايك الخاص بالطبع
بريق عينيه الحارق اخافها فأخفضت بصرها وصاحت تلجأ الى الغضب كوسيله دفاع :
-    توقف عن الجدال في امور تافهه ماركوس ! لو انك لم توضح تماما انك لا ترحب في منزلك فلا شك انك نجحت في هذا في اخر ليله لي هناك .... لقد سمعتك ماركوس تقول لامك ان تحلني من واجباتي ... لذا لم افكر في استشارتك ولا طلب اذنك كي ابعد عنك وجودي المرفوض
امتدت يداة الى كتفيها يضغط عليهما :
-    اللعنه منيرفا .... اكاد اخنقك ! الكلمه التي استخدمتها ان تريحك من واجباتك لا ان تصرفك من العمل . وهذا عكس ما ظننت انت وامي . طلبي كان على امل ان احصل عليك لوحدي بعد ذلك . اليس لديك فكرة عما مررت به حين تلقيت خبر رحيلك دون كلمه وداع لي ؟
ابتلعت بقلق وقد ادركت غلطتها :
-    لقد تصورت انك سترتاح هكذا
-    ارتاح ؟........ اريد ان اخنقك !
ارتفعت يداة من كتفيها الى عنقها فصاحت خوفا :
-    لقد فكرت بهذا طوال الايام الاخيرة ... وكم يسعدني الان ان انفذ افكاري
تمكنت من الهمس :
-    ماركوس .... ارجوك 1
-    من الافضل لك ان تخافي منيرفا .... ويمكنك ان تشكري طالعك المحظوظ انني انتظرت طويلا قبل ان أجيء الى هنا لأراك
-    لماذا جئت ؟ لتهينني لاخر مرة قبل ان تدعني ارتاح ؟
-    جئت لانني لم ارغب في امرأة من قبل كما رغبت بك .
هذة هي الحقيقه اذن .... في صلب الموضوع مباشرة ...
وارتسمت بسمه سخريه على وجهها :
-    كنت خائفا ان يفوتك شيء .... شيء حصل عليه الاخرون وانكرته عليك ؟
-    لاجل الله منيرفا ! انا لااهتم بالرجال من ماضيك ولا اهتم حتى بمن هم في حاضرك , كل ما اريدة ان اكون الوحيد في مستقبلك .
استدارت عنه بقدر كبير من الاشمئزاز :
-    اخشى ان يكون هذا مستحيلا
-    لماذا ؟
-    لعدة اسباب .... احدها لويزا
-    لويزا طفله مفسودة تحاول تقليد الكبار ... هي وستيفن يحبان بعضهما منذ سنوات , لكنها تصورت ان من الافضل تكون سيدة ويندشلتر ,, واحسست بالتسليه ان اتركها تظن ان لها فرصه .... واعترف انني استخدمتها كحاجز بيني وبينك .
-    و انيتا ؟
-    انيتا معرفه قديمه ظهرت في وقت غير ملائم .... في الواقع كانت اخر ورقه في يدي ... ولعبت فيها الى اخر مدى .
-    لكنك ذهبت اليها ليله عدنا الى الفندق .
-    حين تركتك في الردهه دخلت المقهى لاشرب القهوة لتريح اعصابي ... ولوحدي ..... واتصلت بها في الصباح التالي لاعلمها انني سأخذها معي ....... وقبلت .
-    و قررت البقاء في كوفنتري لاجلها ؟
-    بقينا هناك , فقط على امل ان تتاح لي فرصه للكلام معك واقناعك انني لست سيئا , لكن بدلا من قضاء السهرة معي اخترت قضائها مع دايف كرينر .
-    لم اختر شيئا .... التقينا صدفه وطلب مني العشاء معه وقبلت
-    ميني ... لننسى كل شيء .... ولنتحدث عن انفسنا .
كان من المبهج لها انه يريدها بالرغم من مايظنه عن ماضيها ... لكن هذا لم يكن كافيا لها .... و قالت :
-    آسفه ماركوس .... لكنني لا استطيع قبول أي عرض منك .
-    لماذا ؟
-    لانني لا انوي معاشرتك ..... كعشيق .
اخذ عرق ينبض في جبهته , شاهدته كثيرا من قبل وهو دليل اكيد على غضبه الشديد واضطرابه العاطفي .... وهي الان متأكدة ان السبب هما الاثنان معا . ورد بوحشيه :
-    انا لا اطلب منك ان تكوني عشيقتي ... بل اطلب منك ان تصبحي زوجتي .
كلامه غير المعقول اخذ يجول في الهواء معلقا بينهما .... كان اغراء ان تتمسك بالعرض كغريق يتمسك بقشه كبيرة لكن جزء منها كان يرفض عرضه . انه يعرض عليها الزواج لانه عرف تماما انه لن يحصل عليها بطريقه اخرى , لا تقبل بها ... واجابت بصوت مثقل بالهزؤ :
-    لم اكن افكر ابدا انك قد تطلب من امرأة الزواج لكي تحصل على ما تريد .
سرعان ما ندمت على ما قالته حين اصبح وجهه قاتما من الغضب :
-    اللعنه عليك منيرفا ! اعطني جوابا مباشرا , نعم ام لا ؟
صاحت بخشونه :
-    لا !
لكن كل ذرة من كيانها كانت تصيح بالعكس ... وامتدت يدة اليها ... في تلك اللحظه دوى جرس الباب فتخلصت منه لترد وحياها ريك بحماسته المعتادة :
-    منيرفا .... حبيبتي ! انت كنسمه هواء عليل لرجل يموت ... اوة يا الهي .... يبدو انني وصلت في وقت غير مناسب !
امسكت منيرفا بذراعه :
-    ادخل .. كلما زاد العدد اصبحت الصحبه افضل
-    كنت مارا من هنا فشاهدت الاضواء ....و .... فكرت ان اصعد لتبادل الحديث .
لكن منيرفا كانت تعرف ان تفسيرة هذا موجه الى ماركوس وليس لها . وتعرف انه جاء لانه قلق عليها لكن من الطبيعي ان لا يصدق ماركوس هذا ..... اذا سرعان ما سأل ساخرا :
-    وهل من عادتك زيارتها في مثل هذة الساعه للحديث ؟
الجو اصبح مكهربا حين تواجه الرجلان :
-    اسمع ماركوس لو تترك لي فرصه الشرح ...
قاطعه ماركوس بخشونه :
-    لا داعي للشرح . افهم الوضع تماما .... لكن من الافضل ان تعرف ان منيرفا من الان وصاعدا لم تعد متوفرة لك لانني طلبت منها الزواج .
قاطعته بحدة و غضب :
-    لكنني رفضت
-    وانا لا انوي مغادرة هذا المكان الليله الى ان توافقي
صاحت وقد اشتد غضبها :
-    كم انت وقح
استدار بحدة ليصب نظراته الملتهبه بالغضب عليها :
-    لدي الكثير من الوقاحه والكثير من الوقت والكثير من الصبر .... وانت ستعطيني الرد الذي اريدة قبل ان اتركك الليله
فقطع صوت ريك الصمت المطبق :
-    هل لي ان اقاطعكما لحظه ؟ هناك شيء يجب ان تعرفه ماركوس وساقدمه لك هديه زفاف اذ احببت
استدار ماركوس عنها لينظر الى ريك :
-    السبب الوحيد الذي يجعلني اصغي اليك هو اشارتك الى هديه الزفاف
-    ما اريد قوله ... انني ومنيرفا نعرف بعضنا بعض منذ اكثر من سبع سنوات ... وتعرف حقيقتي منذ البدايه .... وتعرفني جيدا لكي لا تغرم بي .... او تنظر لي بجديه . ولطالما احترمتها لهذا ومامن احد حظي منها بشيء .... انا متأكد من هذا .
صاحت بحدة وقد احمرت حرجا :
-    هذا يكفي ريك !
استدارت عنهما معا متجهه الى النافذة حيث اخذ الهواء البارد يصفع خديها الملتهبين وسمعت ريك يكمل كلامه :
-    ارسلا لي دعوة لحضور الزفاف ..... لو سمحتما
بعد لحظه سمعت صوت اقفال الباب وراءة ... واصبح لصمت في الغرفه رهيبا فجأة لايكسرةسوى صوت ضربات قلبها ...كانت خائفه من ماركوس لكن خوفها الاكبر كان من نفسها .... فهي الان تشعر بوجودة بكل ذرة من كيانها .... واحست به يتقدم ليضع يديه على كتفيها ويديرها تواجهه :
-    ميني ........
ردت هامسه :
-    انت تضيع وقتك
-    احبك
-    انا لا اهتم ..! ولن .......
وصلت كلماته الى راسها ... هل سمعته حقا ام جنت ؟
-    ماذا قلت ؟
-    اريدك .... احتاجك ..... واحبك ... وليلعنني الله لو تركت قبل ان تقولي : نعم سأتزوجك ..... لقد انتزعت مني قلبي منذ اليوم الاول الذي شاهدتك فيه ... ومنذ تلك اللحظه وانا اخوض حرب لاجل بقائي . لقد اصبتني بالاحباط و التوتر وقضيت معظم ايامي وليالي في غضب وغيرة .... كرهت نفسي ... وكرهتك .... لكن ايامي الاخيرة من دونك كانت جحيما
طغت لسعادة على قلبها و اشتعلت شعله صغيرة داخلها انتشرت حتى وصلت الى عينيها
-    ماركوس
-    لقد اصبحت اساس حياتي ميني . مررت بهذة الايام الاخيرة دونك لاعرف هذا تماما .... مهما كنت ومهما انت ... حياتي لا قيمه لها من دونك .
-    لا تقل المزيد ... ارجوك .... انا الملامه على الاراء التي كونتها عني لكن هناك شيء يجب ان تصدقه ...
ازداد احمرار وجهها لكنها وقفت تحدق في عينيه مكمله ك
-    لم اعرف رجلا من قبل ....ابدا ...... ولا مرة
تأوة :
-    يا الهي ! .......انا مدين لك باعتذار ...... ولست ادري كيف ابدأ به
همست بالحاح تجد صعوبه في ان تصدق تذللة هذا لها .
-    هس ! احبك ماركوس
-    وهل تحبينني بما يكفي للزواج مني ؟
-    اجل .....
لفت ذراعيها حوله واحست بعضلاته تتصلب تحت لمستها , عيناه الزوراقان اصبحتا قاتمتان ... واشتدت اذرعتهما حول بعضهما البعض وكأنهما لايطيقان الابتعاد , ولا ان يكون هناك شيء بينهما ... اخيرا تراجعا , منيرفا مشرقه الوجه , عيناها تلمعان بالسعادة ... نظرة منه الى وجهها جعلته يتاوة من جديد و يضمها اليه مرة اخرى ....
مرت لحظات طويله وهما هكذا قبل ان يتركها ... هذة المرة لم تكن محمرة الوجه فقط بل مقطوعه الانفاس كذلك و ترتجف فقال لها :
-    كدت انسى . جئتك بشيء ما
-    اعطاها الصندوق لتفتحه ... ما في داخلها جعلها تشهق , سترة من جلد الحملان الابيض الناصع الذي تشتهر به تلك المنطقه وقال لها:
-    وهذا سبب اخر لتأخري .... كانت زوجه كوبر تخيطها لك ... ولم تكن قد انتهت بعد يوم رحيلك .
احست بالضعف لحبها له ........ و قال متابعا كلامه :
-    لدي تعليمات من امي ان اصطحبك معي في الغد .
-    يبدو لي ان امك كانت واثقه انك ستنجح في اقناعي
-    و امرتني ان لا اعود اذا فشلت
ضحكت :
-    اصدق هذا ..... لكن ماذا عن وظيفتي ؟
-    استغرقني الامر وقتا لا بأس به من الاقناع لكن خالي وافق اخيرا على توقيع اوراق صرفك
اذن هذا يفسر سبب تأخر السيد غرايتننغ في مقابلتها هذا الصباح
-    واضح انك فكرت بكل شيء
-    حين اريد شيئا , اتأكد من ان لايقف شيء في طريق حصولي عليه ....... وانا اريدك
كانت هي كذلك تريدة .... لكن ليس هكذا ...... من المهم لها ان تأتي ليله زفافها غير ممسوسه حتى منه .... ومن المهم لها ان تمتلك احترامه بالاضافه الى حبه , فقالت متوسله :
-    لا تصعب الامور علي الامور كي ارفضك
-    ولا تدرين كم يتملكني الاغراء لافعل هذا بالضبط
-    اعرف ... وانا احبك اكثر مما استطيع ان اقول لك ......لكنني كذلك ...... محافظه من الطراز القديم
-    لكنك لن تتركينني انتظر طويلا
ابتسمت باثارة :
-    اظن ان من مصلحتي ان لا اجعلك تنتظر
ذراعاة اشتدت بقوة حولها , مع ذلك برقه. لم يحاول ان يدفعها لتغيير رأيها ... ولعلمها كم يحبها ويريدها , اعجبت بقدرته على السيطرة على نفسه ....... وهو كذلك كان يعرف كم تريدة بالرغم من اخفائها للواقع لكنه احترم رغبتها , وعرفت ان لا لزوم لخوفها منه وانه لن يطالبها بشيء لا تريد ان تعطيه قبل الزواج .
حين ترك الشقه جلست لوقت طويل تحدق بالسترة الجلديه الصوفيه التي اعطاها لها تمرر اصابعها فوقها بنعومه و قررت ان جلد الحمل هذا هو سبب حسن الطالع ... فقد كسبت حب سيد ويندشلتر الفظ الجلف وبقي امامها ان تكسب ثقته . تلك الليله آوت الى فراشها بقلب جذل يخلو من الهموم ..... فقريبا وقريبا جدا ستصبح زوجه ماركوس ..... و حلمها المستحيل سيصبح حقيقه جميله .
----------------
النهايه

روايات عبير/ احلام : الحب المرWhere stories live. Discover now