Part 2

63 6 76
                                    

                           "من الماضي"

                 -------------------------------

في أغوار النفس البشرية، تتوارى أسرار لا تُبثُّ ولا تُحكى، تلك التي تترنم بها الليالي في خفاء وتضجُّ بها القلوب في سكون.

الحب والكراهية، الأمل واليأس، الفرح والحزن، جميعها ألوان في لوحة النفس البشرية. في لوحة تتعاقب ألوانها كما تتعاقب الفصول. وفي خبايا النفوس، تختبئ عوالم لا يراها العابرون، عوالم تموج بالأفكار والمشاعر، بالتناقضات التي لا تعرف السكون.

فيتأرجحُ الإنسان بين ضفاف هذه المشاعرَ. وما لأنفسنَا  إلا أن تكون مرايا تعكسُ مشاعرنَا هذه المتضاربةُ، فإن كان حزنًا بكيناه، وإن كان فرحًا ضحكناه، وإن كان يأسًا إستسلمنا لهُ، وأملاً تشبثنا بهِ. وإن كانَ كئبًا، نعيشهُ، كظلٍّ ثقيل، لا يبرح ولا يختفي، بل ينسلّ إلى أعماق الروح، جاثمًا على الصدور.

هو ليس كئبًا عابرًا كغيمة صيفية، بل ليل طويل بلا نجوم، وصحراء قاحلة لا ترويها الأمطار.  ينهش القلب ببطء، يعتم العيون عن النور، ويثقل الخطى في دروب السعادة. إنه ظلام يُطبِق على العقل، يحيط به من كل جانب، يشتت الأفكار ويغمرها باليأس والشك. كالسارق في الليل، يهمس في الأذن بأقسى الكلمات. يتلون النفس بألوان الحزن، ويلبس ثوب الكآبة، ليظهر في كل لحظةٍ وكل نظرةٍ، معلنًا حضوره الذي لا يزول. ليس هو سوى سجنٍ بلا جدران، يُحكم قبضته على النفس، فيعزلها عن العالم، ويغرقها في بحر من الأفكار السوداء.  يتغلغل في أعمق زوايا العقل، يطغى على كل بصيص أمل، ويحول بين المرء وبين سعادته.

إنه كالحريق الخفي، يبدأ بشرارة صغيرة، ثم لا يلبث أن يشتعل، يلتهم كل شيء، يترك وراءه خرابًا وجروحًا لا تندمل. لا يعرف نورًا، ولا يعرف للفرح طريقًا، بل يسعى دائمًا إلى هدم ما يُبنى، وتحطيم ما يُصلح

ويُنتج عنه كرهَ الذاتِ، والحياة. الإنعزال والإنزواء بالنفسَ، ويا كُثر من أردَى بحياته بسببِ سوادِ كئابته. ومنهم من ساكنَ جُدران غرفتهِ، مجنونًا ينادَى ومكتئبًا يُسمَى

قد يكون الإكتئابُ نتيجة عوامل عديدة، قد يكون عن حادث ترسخَ في عقولنا، أو صدمةٍ أو ربمَا من أنفسنَا نحن، من ذاتنَا نحنُ. ينتجُ عنه الكثيرَ، ويا كُثر من أنحرَ نفوسًا بسبب إكتئابهِ، ومن جُن جنونه، فيصبحُ محبوسًا في دوامةٍ من الألم والمعاناة.

كانَ كستنائِي الشعرَ واحدًا من هؤلاءِ الذين أبتلعتهم دوامة المعاناة. فتًى ذو قلبٍ رقيق، طيب النفسُ، شغوفٌ، متأملٌ ولطيفُ الوجودَ. زاخرٌ بالأمل، مشرقٌ بالطموحاتِ، سعيدُ وهانِي البالَ

إلا أن ألتقَي بهِ، ذُو العيونَ السوداء، ذُو المظهر الحسنِ، الهالة الجذابة، والإبتسامةُ الساحرة. ذالك الشخصَ الذي تهاتفت عليهِ الفتيات، كما والفتيانَ، شين ييتشان، كان معروفًا كطالبُ نموذجي، بين المعلمينَ. وصديقًا جيدًا بين أصدقاءهِ. كانَ فخر والديه، أو كما يظهر للعيانِ. مُبتسم الوجهَ، وطيب مع الكل، كما يظهر عليه... أو كما توقع الكُل

The Battle Within || JHYC Where stories live. Discover now