15_مجزرة حارة العطار

Start from the beginning
                                    

لم ينطق الآخر ولم يعقب أو يُعلق ردًا عليه بل آثر الصمت وهو يرى شقيقه يمسك الملعقة يُطعمه الحساء الدافيء داخل فمهِ ثم قام بتقطيع الدجاج وناوله له في فمهِ ثم ناوله الدواء، كان يعامله كما لو كان صغيرًا لازال يتعلم تناول الطعام، من يصدق أن هذا الذي جعل غرفة السجن بأكملها تُقدم له فروض الولاء والطاعة يجلس ويُطعم شقيقه بكل ذلك الحنو؟ أندمج فيما يفعل من إطعامٍ لصغيره كما يزعم هو، على عكس "إسـماعيل" الذي شرد منه وهو يطالعه في ذكرىٰ بعيدة تقارب هذه في صغرهما.. 

حينها كان مريضًا في البيت بعدما داهمه الإعياء وأصابته الحُمىٰ من بعد وفاة أمـه ونظرًا لعدم الإهتمام به كان أكثر عرضة للتعبِ والمرض ووقتها قام شقيقه بإحتضانه على الفراش وقام بعمل الكمادات الطِبية ماسحًا بها على رأسهِ ووجههِ وحينها تشبث به "إسـماعيل" وجسده ينتفض من الحرارة التي أصابت جسده، على الرغم من وجود والدهما إلا أن من قام بالدور وأجاد الإمتثال به هو ذاك الطفل الصغير الذي أختار شقيقه وآثره على حياته. 

خرج "إسماعيل" من رحلة ماضيه على صوت شقيقه المُمسك بالملعقةِ ثم هتف بنبرةٍ رخيمة يجذب أنظاره إليه حتى عاد له بكامل تركيزه وتناول الطعام من شقيقه الذي ابتسم وهتف بنبرةٍ ضاحكة: 

_الشوربة والرز دول كانوا أسرع حاجة أمك تسكتني بيها لما كنت بشتغل زمان في ورشة الحدادة، كنت أطلع أجعر في ودنها زي الماجور وهي كانت تسخنلي الرز والشوربة تأكلني وأنزل تاني ألاقيك بتتشعبط في الحديد، أنزلك وأدخل الحديد جوة والأكل يتهضم، وأجوع تاني، بس كنت بصبر علشان ناكل مع بعض. 

حدثه شقيقه عن الذكريات المتناقضة فيما ترقرق الدمع في عيني "إسماعيل" وهتف بنبرةٍ مُختنقة من البكاء الذي داهمه: 

_"مـيكي" قالي على اللي حصل منك علشان ترجعلي حقي، أنا ماكنتش عاوزك تحط نفسك في وش الخطر، صدقني أنا كفاية عليا أنتَ معايا من كل الدنيا، طول عمرك في ضهري وكتفك بكتفي ولو فيا خير بتعريفة واحدة بس فدا بكرم ربنا عليا إنك أبويا، الفرق بينا صحيح سنتين بس طول عمري بحسهم ٢٠ سنة، أنا ساند نفسي بيك، لو كان ليا خاطر عندك بلاش تأذي نفسك. 

ضمه "إيـهاب" بأحد ذراعيه حتى أصبحت رأس الآخر تتوسد صدره ثم هتف بصدقٍ يقطع وعدًا لأجلهِ: 

_علشان غلاوتك اللي عمري ما قليت بيها وعلشان وجودك اللي بعتبره أكبر نعمة في حياتي أنا هوعدك إني مش هعمل حاجة تاني، بس طول ما الحوار يخصني، إنما اللي يقرب منك أنا هدوس عليه ومش هرحمه، ودي تقفل الحوار عندها، دي حرب يا "إسماعيل"، حرب على بلد كاملة بتاريخها وحظك الأسود إنك مركز في الحرب دي، بس الخيل الحُـر مبينخش قصاد الخيال الجبان ويوم ما يجيب آخره بيضربه في ضلوعه يكسرها، وأنا ناوي بعد كدا للجبان اللي يقرب من أرضي هكسر ضلوعه لحد ما يبطل يتنفس. 

غَـــوثِـهِـمْ "يا صبر أيوب" الجزء التانيWhere stories live. Discover now