الفصلُ التاسِع 🦢 لَيلة مُلبَّدة بِالتَّعبِ

Start from the beginning
                                    

- الشُّكر للرب. لقد جئت بسرعة، أخرجيني من هنا بأقصى وقت فهٰذه الوحوش تخنقني!

- وحوش؟!

استغربت من كلماته حتى تراءى لها أنّه مصاب بلوثة في عقله، أخبرها وهو يضعُ يديه على القضبان ويقومُ بالقفز قفزات بسيطة وخفيفة دون أن ترتفع قدماه عن الأرض:

- نعم، الوحوش. إنّ المكان هُنا مغلق ولا أشعر بخير ولا أستطيع التنفس بِراحة ورأسي يؤلمني وكما ترين إنني أنزف وأيضًا...

- حسنًا. لقد فهمت.

قَاطعتهُ بِحزم جاعلةً منه ينظر لها وما زال يقفز بِتوتر واضح. طلبت منهُ شَرح ما الذي حَدث بالتفصيل رغم أنّ الشُّرطي أخبرها بأنّه تشاجر مع رجل آخر وقام بعض زملائه مِن الشُّرطة برؤية ما حدث والتدخل لفصلهم مُنتهيًا بهم المطاف هنا، في مركز الشُّرطة.

حَاول أن يشرح دون ذكر التَّفاصيل لسببين أحدهما أنّ الموضوع طويلٌ بعض الشيء وهو لن يتحمل البقاء هنا، يشعرُ أنّه سيسقط مُنهارًا في أيِّ لحظة، لذا اكتفى بقول:

- لا يوجدُ الكثير لقوله، إنَّه شجارٌ عادي يحصل بين أيّ اثنين، نحن الاثنان قمنا بالشكاية على بعضنا، كما أنَّه سكران، هٰذا سيساعدُ في الأمر، أليس كذٰلك؟ أقنعيه أنني لن أسحب الشكوى إلا إن فعل هو بالمُقابل، هيّـا.

إحساسها لا يخيب، مُطلقًا هناك حقيقة خَلف هٰذا الشجار لٰكنه يُخفيها، لا يريدُ أن يفصح عن الأمر. أمعنت النظر فيه ثمَّ أومأت قبل أن تطلب من الشُّرطي مُقابلة الطرف الآخر، الرجل الآخر!

بَعد أن ذهبت لمقابلته تحدّثت مع مُحاميه، معرفتها للمحامي سهل من الإجراءات القانونية، سَحب كلاهما الشكوى وتم إطلاق سراحهما. تولت هي مهمة عدم معرفة أحد بلقب آرلو وإلا شاعت الأخبار وسط الصحف وأولها وآخرها، لن يسلم مِن ألسنة البشر الثرثارة والتي تُحبّ اصطناع القصص وإضافة لمساتهم الخاصة عَلى الإشاعات جاعلين مِنها فَضائح في الصفحات الأولى بِالخطوط الحمراء العريضة.

خَرج آرلو راكضًا للخارج حيثُ الهواء العليل الذي يحتضنه من جميع الاتجاهات، ليطلق تَنهيدة طويلة وهو يفتح ذراعيه على وسعهما، يغلق عينيه لينعم بنعيم هٰذه اللحظة.

- يا إلٰهي! شعرتُ أنني سأموت لوهلة داخل زنزانة مُتعفنة يملؤها البؤس وتفوح مِنها رائحة الصدى. آاااه!

تحدّث لنفسه بينما هي تراقبهُ مِن قريب. كم هو غريب هٰذا الرجل؟ هل هُو ناضج أم هُو طفل؟ هل هُو عقلاني أم عاطفي؟ هل هُو جدي أم تافه؟ أم أنّهُ جميعهم؟! عجزت عن الفهم ولأول مرة، يقولون أنّ لكلِّ شيء أول مرة وهو كان أول مرة لها! المرة الأولى في حياتها!

- إذًا؟

قالت مُقتربة منه تلغي بهٰذا مسافات تحول بينهما لتبقى فقط ثلاث خطوات تفصل بينهما. نَظر لها وابتسامة مُرهقة ترافقُ ثغره يراها ترفع إحدى حاجبيها السوداوين.

Themis | ثيميسWhere stories live. Discover now