10_ ما أشبه الليل بالبارحةِ

ابدأ من البداية
                                    

فعل ما فعله في وقتٍ كافٍ لديه قبل أن يسهر طوال ليله وحيدًا، وقد أضاف تلك المرة عبارة جديدة كتبها هو لأجلها لعل ما يدونه يصلها ذات يومٍ:

_أيُفنىٰ المرء عن وطنٍ هويته هي عيناكِ؟.

صدق في عبارته ووصفه، فحتى في المنفى يتخذ عينيها وطنًا له حيث الهوية والإنتماء، والوجود في الملتحد والإحتماء، فأضحى بها من قسوة العالم يحتمي، وإليها من التشرد ينتمي، فآهٍ لو ينتهي عمله ويطير هو مُسرعًا لكي يقف راكعًا أمامها _بصورة خيالية_ لكي يسترضيها، ومن غيرها العهد الوحيد الذي أقسم هو بعدم خيانته له. 

__________________________________

   <"سألوني الناس عنك، والعيون بسيرتك نواطق"> 

بعد مرور شهر مُتمم على رحيل "يـوسف" 
أتم في غيابه ثلاثين يومًا كاملين لاذ خلالهما بالفرار من الجميع بالطبع إلا نفسه، وأكثرهم عذابًا في فراقه كانت "عـهد" التي عادت المخاوف تتجسد أمام عينيها من جديد، غيابه عنها ساهم في عودة سيرتها الأولى ونفسها القديمة الخائفة إليها، لقد تم الإعتياد على أمر غيابه بالرغم من إختفاء أي أثرٍ له إلا أن "أيـوب" علم مكانه عن طريق معاونة أحد أصدقائه القُدامى وأخبرهم به.. 

خلال هذا الشهر المُنصرم استفاق "نـادر" من غيبوبته لكنه لازال بالمشفى وقد برأ "يـوسف" تمامًا من أي إتهامٍ قد يمسه وهذا ما أوصله لهم "عُـدي" من خلال الأنباء المتداولة بالشركة على لسان الموظفين ومنهم "رهـف"، بينما" أيـوب" فقد أشتاق لرفيقه المُشاغب كثيرًا، اشتاق لإفتعاله المشكلات ثم ينقذه منها ويقف في ظهرهِ مُعلنًا حمايته له. 

وبداخل غرفة "عـهد" أنزوت بنفسها عن الكل وهي تفكر في اللقاء القريب وشبه الأخير في النيابة قبل صدور الحكم على "سـعد" وللأسف تهديدات والدته لم تنفك عن يومها حتى أضحت تراسلها من أرقامٍ غريبة وكأن طفرة الجينات هكذا في تلك العائلة، أصبحت أكثر بؤسًا بعد رحيله وخاصةً وهي تتحرك للعمل بمفردها تقبض على حقيبتها ليلًا، لكن "عبدالقادر" خصص أحد الصبية لحمايتها، وقد تذكرت سؤال المرأة المُسماة "أم أحمد" عنه وعن أحواله فسكتت هي ولم تُعقب سوى بكلمةٍ واحدة: 

_كويس، مسافر في شغل. 

زفرت بقوةٍ وقررت الصعود إلى الأعلى تصنع لنفسها كوبًا من الشاي المزود بالنعناع الأخضر وتتمتع بأواخر أيام الشتاء، وقد تحركت بالفعل إلى الأعلى ومعها الدفتر الخاص بها ثم قامت بصنع الشاي وفتحت دفترها تشكو له منه ومما فعله: 

_"كيف حالك أيها الغريب القاسي الغائب؟ 
سامحني فكلماتي أصبحت تزداد في قسوتها لكنك لم تترك لي خيارًا غير هذا، فمن كان يصدق أنني ألجأ للتدوين بهذه الطريقةِ كفتاةٍ مُراهقة تخشى وقوع دفترها في يد عائلتها؟
اليوم سُئلتُ عنكَ من الغرباء وعجزت عن إعطاء الجواب، فكيف أعطي جوابًا لم أملك سند ملكيته؟ 
اليوم سأخبرك بما عانيته بدونك، حينما كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي صادفني مقطعًا تصويريًا خاص بالمطربةِ نفسها التي سبق وأخبرتك عنها أنني لن أصبح مثلها، نفسها التي صاحبت القصة المؤلمة لحبٍ أسطوري، اليوم رأيتها تقف أمام الحشد المتجمهر لأجلها حتى تُطربهم بصوتها لكنها قطعت حفلها وتجاهلت الحشد ركضًا نحو حبيبها لكي ترتمي بين ذراعيه تلتحد به، وكان تفسيرها لذلك في قمة البساطة وهي تبتسم بسعادةٍ وتُعلل قيامها بهذا الفعل "مشوفتوش بقالي شهر" هذه الجملة جعلتني ابتسم ساخرةً ثم تحولت إلى حزينة وأنا أفكر أنني مثلها، لقد جعلتني أود مُعايشة شعورها، وجعلتني أحقد على كل من يراك يوميًا، حتى قطتك التي كنت تطعمها أصبحت تتمرد في غيابك، وأنا!! أنا كطيرٍ كسرَ جناحه يواسي طيورٍ أنهكهم الطير، والآن سأهديك كلماتٍ لعلها تصلك وتُبلغك ما أعانيه.. 

توقفت تلتقط أنفاسها المهدورة في ساحة الكتابة، ثم كتبت جملة أقتبستها من إحدى أغنياتها المُفضلة لتصف حالها في غيابه: 

_"سألوني الناس عنك يا حبيبي"

أغلقت دفترها أخيرًا ثم عادت للخلف تُغني بصوتها هاربةً من البكاء الذي أخذ يؤلم عينيها كونه مكتومًا عند مُقدمة المُقلتين، وما حيلة مثلها في هذه الحياة سوى الإعتماد على موهبةٍ تواسيها في حزنها وتعبر عنها: 

_سألوني الناس عنك يا حبيبي
كتبوا المكاتيب وآخدها الهوا، 
بيعز عليِّ غني يا حبيبي لأول مرة ما بنكون سوا، 
سألوني الناس عنك يا حبيبي
كتبوا المكاتيب وآخدها الهوا، 
بيعز عليِّ غني يا حبيبي لأول مرة ما بنكون سوا.

_سألوني الناس عنك سألوني، 
قلتلن راجع وعاتبوني، سألوني الناس عنك سألوني
قلتلن راجع وعاتبوني، غمضت عيوني خوفي للناس يشوفوك مخبأ بعيوني، وهب الهوا بكاني الهوا
لأول مرة ما بنكون سوا

أنهت الغناء وقد تهادى إلى أذنيها صوت خطوات قادمة من خلفها بثت الرعب بداخلها وقررت القبض على السكين الموضوع أسفل وسادة الأريكة خوفًا من تهديدات المرأة التي أضحت ترافقها كما ظلها وقد سقط ظل الجسد الآخر عليها فأزدردت لُعابها وتندى جبينها وهي تحاول التماسك ثم التفتت فجأةً تضع السكين على عُنق مُحتل مكانها لتتسع عيناها على الفور عند التقاء عينيها بعينيهِ، لوهلةٍ ظنته خيالًا نسجته لها عيناها بإشارةٍ من عقلٍ مُضطر وما حيلة المُضطر إلا خياله، فيما ضمها هو بعينيه ولازالت السكين موضوعة عند نحره النظرات تتحدث دون أن تتفوه الألسنة، العتاب والخذلان من جهتها، والشوق واللهفة من جهته وهنا أصدق ما يصف حالتهما كان: 

_‏‎وإذا التقينا والعيونُ روامقٌ
صمت اللِّسانُ وطرفُها يتكلَّمُ

تشكو فأفهَمُ ما تقولُ بطرفِها
ويردُّ طرفي مثلَ ذاكَ فتفهمُ. 

اللقاء يتكرر من جديد، نفس المكان، والليل ذاته، الأشخاص نفسهم، لكن القلوب وما بها تغيرت، حتى السكين الذي تسبب في اللقاء الأول يُحيي الذكرى من جديد ويتسبب في اللقاء الثاني من بعد غيابٍ، وحقًا صدق من قال:
"ما أشبه الليل بالبارحةِ". 

               ____________________

_متنسوش الدعاء لأخواتنا في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وكل بقاع الأراضي العربية، فاللهم نصرك الذي وعدت. 

_متنسوش الدعاء لكل الطلاب ربنا يوفقهم وييسر عليهم كل صعب ومتنسوش الدعاء لطلاب المرحلة الثانوية وكل المراحل والله الموفق والمستعان. 

#يُتَبَع
#رواية_غَـــوثِـهِـمْ 
#الفصل_العاشر_الجزء_الثاني

                          "يــا صـبـر أيـوب"

غَـــوثِـهِـمْ &quot;يا صبر أيوب&quot; الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن