10_ ما أشبه الليل بالبارحةِ

ابدأ من البداية
                                    

كان العمل في تلك الفترة على قدمٍ وساقٍ طوال الأسبوعين المُنصرمين يعملون بكل كدٍ وكما يُقال بأيديهم وأسنانهم معًا، خاصةً بعد رحيل "يـوسف" الذي ترك كل شيءٍ خلفه فأضطر هو للوقوف محله حفاظًا على ما يخص رفيق عمره الأول، لذا وضع البرنامج أخيرًا المُقام للحفل وظل فقط متوقفًا على المراجعة من المختصين لتنظيم المؤتمرات والعلاقات العامة بالشركة.. 

عاد للخلف بظهرهِ يستند على ظهر المقعد ثم أول فتح أزرار قميصه الأسود ومرر يديه في خصلاتهِ يُدلك فروة رأسه ليُنعشها بإعادة ضخ الدم فيها من جديد، وحينها أطلق تأوهًا خفيضًا ما إن شعر بهذا الانتشاء داخل رأسه وكأنها جرعة مخدرات تلقاها ودُبَّ أثرها في شرايين العقل، لكن صوت طُرقات الباب جعله يرفع رأسه بحدةٍ بدت تلقائيةٍ منه وأعطى الإذن لمن يطرق بابه بنبرةٍ مبحوحة ثم أعتدل في جلسته لتظهر "رهـف" مبتسمة الوجه وهي تقول بمزاحٍ طفيفٍ: 

_فاضي نشرب قهوة ولا ألف وأرجع تاني؟. 

ابتسم لها بعينيهِ اللاتي يتلألأن برؤيتها وزودَّ ذلك بشفتيهِ وهو يقف في مقابلتها ساحبًا سترته الرُمادية لكي يرتديها وهتف بصوتٍ متباينٍ ما بين التعب والراحة كسائر حاله برؤيتها: 

_لأ حد يفوت فرصة زي دي؟ لو مش فاضي أفضالك. 

ضحكت له وهي توميء موافقةً فيما أطلق هو تنهيدة مُتعَبة من جوفه وهي تسبقه عائدةً إلى الخارج بينما هو كُتِبتْ له الحيرة معها، يسعد برؤيتها، ويؤنس في صُحبتها، ويُبدع ويُفنن في حضرتها، لكنه لازال عاجزًا عن إختراق دفاعاتها، تبدو كأنها مدينة مُحصنة تُغلق على أطرافها بأسوارٍ عالية عتيقة، وهو كالجيش الضعيف الذي يملك خبرة ضئيلة وكأنه لم يتدرب على إختراق الحصون بعدةٍ بدائية، تبدو وكأنها مدينة "عكا" بأسوارها العالية، في حين أنه يحاول لكي يُصبح "الأشرف خليل" الذي ظفر بإختراق حصونها، كان يُشبه بيتًا من الشعر كُتِبَ يصفه ويعبر عنه

"وتراهُ يصمِتُ كي يُواريَ حُبَّهُ
‏وبقدر ما تُخفَى المحبَّةُ تُعلَمُ

‏عبثاً يخبِّئُ سِرَّهُ في صَمتِهِ
‏من قالَ أن الصمتَ لا يتكلَّمُ."

حسنًا إن صمته خير مُتكلمٍ وهو يراقبها مفتونًا وقد جلسا سويًا أمامهما مباشرةً النيل اللامع بضوء القمر المُنعكس فوق حركات المياه المُتعرجة، كما أن أضواء المراكب والفنادق الليلية ساهم في إكمال الصورة ليُضفي عليها رونقًا خاصًا من الحداثة والبنايات المُعاصرة وهي ترتص بجانب بعضها على ضفتي النيل، مع موسيقى كلاسيكية ناعمة جعلت الخيال يُحلق في أفقٍ عالية، وقد خرجت هي من لحظة الإنتشاء هذه وتوجهت بزرقاوتيها نحوه لتجده يطالعها سرًا بعينيهِ العسليتين الداكنتين لكنها هربت من نظرته بسؤالٍ متوترٍ ألقته عليه : 

غَـــوثِـهِـمْ "يا صبر أيوب" الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن