10_ ما أشبه الليل بالبارحةِ

ابدأ من البداية
                                    

وقف "نَـعيم" في حالة شجنٍ وقد ظل جسده هُنا في نفس مكانه، بينما القلب مد كفه للعقل وأخذه معه في رحلةٍ يذكره فيها بأيام صباه وليالي أُنسه، حيث ماضٍ كان يُشابه ذلك بنفس الفرحة التي تلاقاها ابنه الروحي، فوقف مُنتشيًا يتذكر لهفة القلب، وتكذيب العقل، وفرحة العينين، وإحتضان اليدين، نفسها الذكرى التي تلاقاها عند معرفة خبر حمل زوجته بابنه البكري، ثم ما تلى ذلك من أيامٍ معدودة أغلق عليها الصندوق وحفظها لكي يحميها في كنف قلبه، ولم يخرجه من حالته هذه إلا صوت "إيـهاب" الذي أرتمى عليه يحتضنه مُعبرًا عن فرحته التي ملأت الأرجاء وشهد عليها رمل الفناء: 

_هبقى أب يا بابا، هبقى أب. 

من شدة فرحته لم يعي لنفسه ولما يتفوه بِـه حتى أنه لم يدرك أنه نطق أكثر كلمةٍ يبغضها في حياته، الكلمة التي تسببت في تدمير طفلٍ وانتزعت منه قلب الطفولة لتبدله بقلبٍ آخرٍ قاسٍ، متصلد كما الحائط الحجري، أشبه بحجر الصَّوان في ثقلهِ، وقد أدرك ما تفوه به فألجمته الصدمة ليتدخل العقل صافعًا القلب بحقيقةٍ جعلت الغِصة تظهر في الحلق ممتدة إلى الأذن تصمها بطنينٍ مؤلمٍ عند تذكره لما فعل في ماضيه وكـيـف قـتـل أبـيـه!! وقد لاحظ ذلك "نَـعيم" من خلال ارتخاء ذراعي الآخر عنه والوجوم الذي طفق يطفو فوق سطح ملامحه وكأنه بذلك علم إلى أين وصل مُنحنى تفكيره، فهتف بنبرةٍ قوية الأثر وثابتة الوتيرة وكأنه أصبح المُضاد لخبث عقله: 

_هتبقى أحسن أب في الدنيا كلها، مش هيكون فيه في حنيتك وجدعنتك وطيبتك معاه، وهو محظوظ كفاية إن أبـوه "إيـهاب المـوجي" اللي النزلة كلها بتحلف بيه وكلهم من صغره عارفين إنه الواد اللي رمى نفسه في الجحيم علشان أخوه، أفرح إن ابنك هيطلع يلاقي سيرة حلوة لراجل طوب الأرض بيحلف بمجدعته. 

حقًا لقد برع "يـوسف" حينما سبق ووصفه بالملاك الحارس، والقلعة المنيعة، هذا الرجل الذي تخطى حدود العقل في فهم تركيبته، أبٌ بدرجة الامتياز لأطفالٍ لم تربطه بهم رابطة الدم، وصديقٌ رائع لشبابٍ يضطرونه للنزول بعمره إلى عمرهم لكي يتفاهم معهم، ثم العاطفة التي حفظهم بها، والأمان الذي سلحهم به، ثم الوقوف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه بالمساس منهم، حتى وإن كانت الذكريات الخاصة بهم، هكذا فكر "إيـهاب" وهو يقف أمامه بهيئته الرجولية، لكن كان داخله العكس كُليًا، حيث ذاك الطفل الصغير الخائف المُرتجف الذي أضحى كورقةٍ خريفية مُتصدعة في مهبِّ الريح، فيأتي هذا المُسمى بوصفهِ كما الربيع يُبلل غصونها ماسحًا على شقوق روحها، وقد ضمه "نَـعيم" من جديد يمسح على ظهرهِ كرسالة سلامٍ أوقف بها حربه الداخلية. 

__________________________________

   <هناك شيءٌ جديد يولد بداخل القلب، لكننا نخشاه"> 

في مقر شركة "الراوي".. 
كان "عُـدي" يجلس في مكتبه يتولى مهام جديدة في العمل خاصةً أن الشركة حصلت على إذن الحصول على المُشاركة في أحد المعارض الدولية التي تُقام بداخل الأراضي المصرية لعرض المنتجات اليدوية التي خرجت من مواهب شابة، ونظرًا لتصدير الشركة للخامات الأساسية لمعظم الأشغال اليدوية بمختلف أنواعها فحصلت على دعوةٍ حتى يتم تكريمها من قبل الهيئات المُختصة.. 

غَـــوثِـهِـمْ &quot;يا صبر أيوب&quot; الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن