الفصلُ الخامِس 🦢 امرأة

Start from the beginning
                                    

ينظرُ لانعكاسِه في المرآة وهو يقومُ بإغلاق آخر زِرٍّ في قميصهِ الأسود، كانت معِدته منقبضة طوال اللَّيل لأول مرَّة يشعرُ بالاضطراب نحو شيء جديد من مُغامرات الحياة. استيقظ باكرًا واستحمَّ والآن يقوم بارتداء سترة البدلة السَّوداء، لم يقم بارتداء ربطة عنق وقام بترك أوَّل زرَّين مفتوحين قبل أن يقومَ برشِّ عِطرِه المميز الذي قام بِصنعه بنفسه خلال افتِتاح متجر لأحد زملائه الذي كان يسافرُ معه. أخذَ هاتفهُ ومعطفه الأسود وتركَ الغرفة ونزل للأسفل ليرى والديه يجلسان على أريكة في الصَّالة ويبدوان متناغمين في الكلام.

- صباح الخير يا بُنَي.

قالها غابريل بِصوته المُبتهج حالما رأى آرلو يقترب، لتلتفت ماريندة تراه وتبتسم ابتسامةٌ صادقةٌ قبل أن يستمع كلاهما لصوته المُتذمر والهازىٔ:

- أظنُّك كنت تقصدُ صباحَ العمل والموت من الملل.

ندمَ على استخدامه كلمة موت حينما رأى تعابير والدته تتلاشى وتبهت، فهي حتى وإن حاولت الاستمرار في الحياة إلا أن جرح موت كارل سيبقى مخطوطًا على قلبها كحالهم جميعًا. صوت قهقهة غابريل وصل مسامعهما فتحدث بينما يرى آرلو يجلس على أريكة منفردة ويضع ساقًا فوق الأخرى:

- كلا كُنت أقصد الخير. انظر ما أجمله من يوم وما أبهاه! أليس كذٰلك يا زوجتي العزيزة؟

خاطب ماريندة في الآخر ينظر لها بأعين مُشعة ومليئة بالحيوية بينما نظرات آرلو كانت مُتمللة وضجرة، لا يفهم سبب سعادة والده العارمة. أعادت رسم ابتسامة على ثغرها بينما تحتضن ابنها بنظرات دافئة.

- أبوك محق. كما أنك تجذب ما تقوله يا بنيَّ. إن قلت عنه سيئ منذ البداية فسيكون كذٰلك لٰكن إن أخبرت نفسك أنه سيكون يومًا جميلًا فسيكون كذٰلك.

أخبرته بصوتها الحنون، نظر لها لا يريد أن يفسد اليوم ولا حتى غدًا، لقد اتخذ قراره ولا رجعة في الأمر لٰكن المشكلة الوحيدة هي أنَّه لا يستطيع كظم ملله ولا إخفاء تعابير وجهه الغير مهتمة بشيء اسمه 'المحاماة' ومع ذٰلك حاول أن يُطبق نصيحتها التي لطالما استخدمها في حياته.

- هل تعلمين أنَّه لا يخرج من فمك كلام بل دُرر؟

كان غابريل من قالها بنبرة مليئة بالحب قبل أن يقترب منها يطبع قبلة سريعة على ثغرها المتبسم جاعلًا من آرلو يُشيح بوجهه إلى الجانب الآخر مبتسمًا بقلة حيلة من والده الذي لا يغير من بعض عاداته. خرج صوت والده بعدها وهو يقوم بإحاطة كتف زوجته مقربًا إياها أكثر:

- كما أنه يومٌ جميلٌ بكل تأكيد. إنه يوم المرأة فمن الطبيعي أن يكون كذٰلك فكل ما يتعلق بالمرأة جميل.

هنا طارت فراشات من البسمات الدافئة وحطت على ثغر الجميع جاعلةً من مزاج آرلو يتغير، فلطالما كانت أمه المرأة الوحيدة والثابتة في حياته، هي من جعلته يُدرك معنى الحب والأمان والحنان، يشعر بالامتنان الصادق لها مع أنَّها لا تطلب المُقابل فمن الطبيعي ألا تتمنَّن عليه بعطفها، فمشاعر الأم السويّة هٰكذا، هي تعطي والطفل بشكل تلقائي سيقابل مشاعرها بمشاعر مقابلة ومُشابهة.

Themis | ثيميسWhere stories live. Discover now