الفصل الثامن

Start from the beginning
                                    

أغلق جمال عينيه بقوة وهو يجابه تلك الأحاسيس القاتلة، وفجأة تصلب جسده حينما قالت من وسط شهقات بكائها:
_متقساش عليا يا جمال، متسبنيش لشيطاني من فضلك.
كلماتها كانت مبهمة للغاية، وما تحمله ببطانها أثار فضوله لمعرفة ما بها بالتحديد، فلف جسده إليها ليجدها تتراجع خطوة للخلف ورأسها أرضًا، تتحاشى التطلع إلى عينيه وكأنها بمجرد أن تراها ستجردها مما تختبئ به، تماسك جمال محاربًا مشاعره التي تحركت إليها فور لمساتها المفاجئة، فابتلع ريقه وهو يسأله بصوتٍ هامس:
_قصدك أيه يا صبا؟
عادت لصمتها ويديها تفركان ببعضها البعض، أدمى شفتيه السفلية بغضب من عودتها لمخيم صمتها من جديدٍ، فسحب نفسًا وأخرجه بيأسٍ، ويده تعيد خصلاته المتمردة للخلف، فكاد بالابتعاد عنها مجددًا الا أن صوتها منعه:
_هو أنت فين من حياتي يا جمال؟
تمعن بها، في محاولةٍ لفهم لغزها الثاني، الأ يكفيه محاولته لفك الأول!  ، فرفعت عينيها المتورمة إليه وقالت:
_أنا لولا إني واثقة إن أنا اختيارك كنت فكرت إن في حد غصبك تتجوزني.
ورفعت اصبعها إليه تشير له:
_من يوم ما حطيت خاتمك في إيدي وأنا بصونك وبحافظ عليك بس إنت مصمم تكسرني وتخليني أحس بالنقص.
جحظت عينيه في صدمةٍ ازدادت وتيرتها مع بوحها بما يقتلها:
_كنت مقدرة ظروفك وعارفة بيها، اتجوزتني وفضلت معايا اسبوعين وبعدها سافرت وسبتني في مصر، كنت بموت وبتوجع وإنت بعيد عني بس بصبر نفسي إنك في يوم راجع، كفايا اني بسمع صوتك بس حتى دي حرمتني منها بقيت بتكلمني كل فين وفين تتطمن بس ان فلوسك وصلتني وإن والدتك وأهلك بخير!

وازاحت دمعاتها وقالت وعينيها تواجهه بجرءة:
_أنا كنت بموت وأنا لوحدي، وبخاف من كل شيء حواليا، بخاف من مسكة موبيلي بخاف من خروجي من البيت، بخاف من نظرات أي راجل ليا، بخاف أسمع اخواتي البنات واحنا متجمعين عندنا وبيتكلموا عن قرب أزواجهم ليهم، بخاف على مشاعري وإنت بعيد عني..بخاف يا جمال!

واستطردت بوجع نازح يخنق رقبتها وأضلعها:
_أنا مسبتش الشغل في مصر عشان الشركة قفلت زي ما أنا قولتلك، سبتها عشان كان في شخص هناك بيحاول يتقرب مني وأنا كل مرة كنت بصده بس كان جوايا رعب وخوف من ربنا طول ما أنا بفتكر كلامه ومغازلته ليا، أنا كنت بخاف أضعف يا جمال!!

ازدادت صدماته ويده تعتصف بقوةٍ جعلت الدماء على وشك الانفجار من وريده المتعصب ومع ذلك بقى يستمع لها، فقالت والبكاء يؤنسها:
_لما قولتلي إنك هتخلص أوراقي وهتبعت تاخدني فرحت إني هكون جنبك وهشاركك حياتي، بس اكتشفت إنك وإنت في مصر غايب عني وهنا بردو غايب عني، في الحالتين بتقتل!  وفوق كل ده مش عايزني أفكر إنت بعيد عني ليه، أنا شكوكي بإنك تخوني كانت أخر شيء فكرت فيه، أنا فقدت الثقة في نفسي، بقيت بحس إني في شيء غلط، إني مبقتش عجباك عشان كده مبقتش عايز تشوفني ولا تقضي وقت في بيتك.

وصرخت بانهيارٍ يعصب به:
_إنت فاكر يعني لما جيت هنا ولقيتك مع صحابك ده شيء هيريحني وينسيني شكوكي، ده قتلني قتلني أكتر من الأول.
واستدارت تضم ذراعيها وهي تبكي بقهرٍ، وكلماتها الاخيرة تتحرر بصعوبةٍ:
_ولسه واقف تهددني أنك هتسافرني مصر!  يا جبروتك يا أخي!
وتركته وهرعت للغرفة، فحملت حقيبة يدها ثم أسرعت لباب الشقة، أعاق جمال طريقها،مشددًا على ذراعيها يشير لها:
_مينفعش تنزلي دلوقتي.
دفعته بكل قوتها وصرخت بعنفٍ:
_مش هفضل معاك هنا ثانية واحدة، هرجع بيتي اللي إنت معتبره لوكاندا بتغير وتنزل.
واسترسلت وعينيها تجرب الشقة بسخريةٍ:
_أنا بنفسي هجبلك هدومك عشان توفر على نفسك مشوار كل يوم.
وتركته وغادرت فجذب جاكيته ومفاتيح سيارته، ثم هرع من خلفها.

الطبقة الآرستقراطية (صرخات انثى) Where stories live. Discover now