6_ لكنه قاتل بحقٍ

Start from the beginning
                                    

كان يتربص لهما بعينيهِ وكأنه ينتظر اللحظة المُناسبة في حين أن "يـوسف" ظل يحرك عينيه روحةً وجيئة على الخطاب اليدوي الذي أغدقه بالسكينة وأملأ روحه بالسلام، ظل يقرأ الخطاب وكأن حديثها هو الخير الذي نزل على أرضٍ عاشت في سنوات العُجاف، فيما ظل "أيـوب" يراقبه مبتسم الوجه والعينين حينما لاحظ تبدل حال رفيقه ما إن أطمئن فؤاده بهذه الورقة التي كانت بمثابة الحياة من بعد الممات وحينها هتف يمازحه بقولهِ:

_ياعم أنا متنيل قاعد، ولا أقوم أمشي؟.

ابتسم "يوسف" وكأنه يودعها بهذه الطريقة حينما أغلق الخطاب وشدد ضمة يده عليه ثم رفع عينيه للآخر وهو يبتسم به وكأن بظهور "أيـوب" ظهر هلال عيده، لذا هتف بنبرةٍ هادئة أعرب من خلالها عن كل ما يُجيش به صدره ويمليه عليه فؤاده:

_أنا ضيعت مني لما شوفت الكلام دا، حسيت إني متطمن ودي حاجة مش جديدة على "عـهد" وهي إنها تطمني، تستاهل إن الواحد يرمي نفسه في النار علشانها مرة وهي هتفضل تداوي في الجروح دي طول العمر، غباء مني أني بخاف، بس والله أنا مبخافش غير عليها هي، بخاف من الدنيا اللي ناسهم غدارين وهي وسطهم أكتر إنسانة عندها أصل ووفية، خايف من كل حاجة تخليني أرجع ميت من تاني، خايف في يوم ألاقي كل دا حلم، وأنا معنديش كل دا، خايف يطلع مفيش "قـمر" بروحها وطيبتها اللي مهونة عليا وخايف يطلع مفيش حضن "غالية" اللي بيحييني كل مرة أرجع أترمي فيه وخايف أطلع لسه مقابلتش رحمة ربنا ليا اللي ظهرت على هيئة "عـهد"...

سكت هُنيهة قليلة يلتقط أنفاسه ويحاول السيطرة على أنفاسه ولمعة عينيه التي ضوت بوميضٍ خاص لها هي، هي وفقط وقد ارتسمت البسمة على ملامحه واستوطن الصفاء عينيه عند قوله:

_هي رحمة من ربنا لواحد زيي الدنيا فرمته حتى دماغه مبترحمهوش، "عـهد" اللي علشانها القلب ميصونش غيرها وبرضه يخون ألف عهد علشانها هي، أنا لحد دلوقتي مش عارف مين فينا اللي ربنا بعته نجدة للتاني، أنا الغريب اللي كل الدنيا رافضة وجوده، ولا هي اللي قادرة تديني الحاجة اللي كل الدنيا دي بناسها فشلوا يعملوها، "عـهد" مُهرة أصيلة عمرها ما تقدر تخون خَيالها، عزيزة النفس زي خيل حُـر ميقبلش الذُل، مُذهلة بطريقة تسرق العقل، أنا طول عمري عمال أكره دنيتي بس حبيتها لما هي جت، جت بكل الخير لأيام مشوفتش فيها منها ومن ناسها غير كل شر، هي كانت وهتفضل الرحمة اللي ربنا رزق بيها واحد حتى دماغه مبترحمهوش...

توقف "يـوسف" عن الحديث حينما أدرك أنه تعمق أكثر من اللازم فيما ابتسم "أيـوب" بسمة عذبة زينت وجهه ثم رفع ذراعه يربت على كتف "يـوسف" وهو يقول بصوتٍ هاديءٍ:

_ربنا كريم مبيبخلش على حد، بعدك عن أمك وأهلك العمر دا كله وخلاك بعيد لسبب محدش يعلمه غير الخالق، وفي نفس الوقت جاب أختك هنا وأشوفها أنا وأحبها وهي والوحيدة اللي أحس ناحيتها نفس إحساسي ناحية أمي، بحسها نفس الطيبة ونفس الحنان وبحسها مني، كأنها حتة تانية بعدت عني وآن الأوان تكون معايا وترجعلي، عارف؟ كل ما ببص ليها بحس نفسي مرتاح، بحس إني فضلت أجري وأجري في سباق طويل ملهوش أخر ووصلت أخيرًا عندها هي، كل دا أنا عمري ما كنت هعرفه أو أحسه من غيرها، فربنا سبحانه وتعالى كريم وهو أرحم على نفس البشر منهم، لأن بطبعنا هوانا بيميل للغلط، بس أنتَ ربنا يوم ما رزقك بالرحمة، يسرلك الطريق وخلاه بالحلال أحسن من الحرام اللي نهايته تكون فراق ووجع، ربنا يراضي قلبك ويصبرك ويرزقك بصبر "أيـوب" والخروج من المحنة دي.

غَـــوثِـهِـمْ "يا صبر أيوب" الجزء التانيWhere stories live. Discover now