ظلال العقل

111 6 22
                                    

- إهداء-

إلي القلب الذي أحرقته رصاصة العدو الغاشم و الروح التي أرتقت و هجرت روحي وحيدة.

   -أهداء-

إلي الصدفة الأجمل و الأصدق بحياتي وإلي القلب الذي ينبض بالمحبة و صديقي الوحيد/ عبدالله قصّار      

     -المقدمة-

هنا، حيث لا فرق بين الواقع و الوهم.
بمكان ما داخل ظلام عقلي و ظلاله أمتزج اليأس بالأمل و زابت الفرحة و بقي الآلم.
في عالم منسي ، حيث ينصب الجنون حاكما  ، وسط تلك اللاشيئه، حيث تتلاعب الأحلام بالوقائع، وتلتقي حدود الواقع بأبعاد الخيال.

في عالم لا يعترف إلا بالجنون، حيث يتأرجح العقل بين الخيال والواقع، وتتلاشى حدود المنطقية

هنا، في زمن الهوامش والشكوك، التقيت بروح مضللة بين تيه العقل ومتاهات الجنون، تحوم كظلال في دهاليز عقلي المظلم و  كانت حادي دربي في ظلام عقلي و ظلاله.

   _______________

لم تكن رحلتي طويلة وليست مليئة بالأنجازات.
فما أوصلني إلي هنا هو الفشل، لكنه ليس مكاني ولا يناسبني فالأموات عادتنا يكون مكانهم المثالي القبور.
لكن لا بأس، أربعة حوائط أسمنتية ذات الوان شاحبة و باب حديد تراكم عليه الصدا يكفو ليكون قبراً.
الأيام هنا متشابة أو بالأحرى هو يوم واحد له نفس الملامح يتكرر، لكن بالرغم من ذلك أستطعت أن أحصي كم مر من الوقت، أنا حبيسة غرفتي منذ قرابت شهرين.
شهرين ولم يتغير شئ عقلي يرفض أني مازالت جزء من هذا العالم، وهم لا يفهموا أني لم أعد على قيد الحياة، لكن مع الأسف ما يفصلني عن الموت هو تصاعد أنفاسي وقلبي الذي ينبض بالآلم ، حتى أن الجميع هنا أصابهم اليأس من تحسن حالتي او تقبلي لما جرأ، لكنهم رغم ذلك يحرصوا على العناية بي وتفقد حالي من وقت إلي آخر.
لكن يبدو أن أحدكم يتسأل ، أين أنا؟ وما هذه الحال التي بقيت عليها أنا؟
ومن المؤكد أن الكثير خلف هذا الباب لديهم الأسئلة ذاتها لكن  مع الأسف حالتي لا تسمح أن أخرج و أجيبهم بنفسي ، لذا قد تنابو عني بالأمر وبما أني قد أستيقظت من رقود نومي جراء الجلبة التي يصدرها رفاقي من الغرف المجاورة و أحتمالية عودتي لنوم تساوي صفر.
فسوف أسرد لكم ببضع سطور هذا الدفتر الذي وجدته بأحد أدراج الحكأ المجاور لفراشي حكايتي كاملة.
لا لا داعي للقلق، لن أطيل ، فأنا لست من هواة الكتابة لكن هذه وسيلتي الوحيدة حاليا لأخبركم بما جرأ.
نهضت عن فراشي وجلست على الأرض مفترشها لأضع الدفتر على ركبتي، تحسست غلافه قاسي الملمس بأطراف أصابعي المرتعشة، فأنا منذ فترة أعاني من بعض الأضطرابات بالأعصاب، خلعت غطاء القلم وأمسكته بصعوبة بين أصابعي المهتزة لأكتب السطر الأول بتعثر، فرجاء سامحوني عن الخط السئ.
أسمي هاجر، عمري ستة وعشرين عام، أعمل محررة أخبار لدى قناة الحقيقة الأخبارية.
مهنتي تتطلب دوما أن أبحث عن الخبر حيثما كان و تحت أي ظرف، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، لا يهم حالة الطقس بارد أو حار لايهم وضع المكان سلم أو حرب.
ما يهم أن تنقل الصورة كاملة وبأحر دقة وشفافية، والأهم أياك أن تجعل مشاعرك الأنسانية جزءً من نقلك للخبر.
يفرض علينا العمل أن نكون مثاليين بالمحايدة، أي كن أشبه بالأنسان الآلي؛مبرمج ولا يملك مشاعر أو تفاعل الأ بسياق ما طلب منه.
لكن هذه لم تكن مشكلتي مع طبيعة عملي فأنا أحبه وأخترته بملئ أرادتي، صحيح أنني كنت أعاني كوني مضطرة  أن أقف بجمود أشبه بالصخرة الناطقة و أنا أنقل الأخبار للقناة ببرنامج معياد التغير بتمام الساعة صباحا دون أن أذرف الدموع، قد نقلت الكثير من المآسي أبرزها الثورة السورية و أنفجار مرفأ بيروت كلها مآسي راح جرأها الألف الأرواح لكنها قد أنتهت، لكن الماساة الأبشع حتى الأن التي كنت أنقلها لنشرة الأخبار على مدار الساعة،هو ما يحدث بقطاع غزة، كنت أتعمد أظاهر رفضي لتلك الأبادة الجماعية من قبل محتل غاصب وغاشم تفاقم الوضع بالحصار إلي أن وصل إلي نبشهم قبور الأموات وتباهى الجنود بأغتصاب النساء بالشوراع  و رغم تشديد رئيس التحرير علي بالحيادية لكني كنت أصمد قدر المستطاع أمام الكاميرات وأظهر بحيادية أعلامية كاذبة وعقب أنتهائي من نقل الأخبار أتجه للحل البديل وهو مواقع التواصل ملايين المتابعين يعيدوا مشاركة تغريداتي و منشوراتي و تصريحاتي التي ترفض وتشجب الوضع الراهن بقطاع غزة وبسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
حينها عندما كنت أوشك على الأنهيار والتخلي عن الحياة، كنت أتامل مظاهر الحياة تشعل قلوب الناجين من بين الركام، فأستحي أسفا أن أعلن أستسلامي ويأسي من التغير.
كانت رحلة محفة بالمخاطر وحذرني الجميع من خوضها مثل ما حذروني من السفر إلي سوريا قبلا، فمصير من بقطاع غزة معروف.
أما الموت تحت القصف المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023 إلي الآن.
أو يجبر على أن يرئ الموت بكل أنواعه ولا يذوقه ليرتاح.
بدقيقة واحدة تحولت من محررة أخبار إلي خبرعاجل.
الفارق أني من ذاع الخبر عبر البث المباشر بملامح بلاستيكية ونظرة فارغة من المعاني وبلامبالاة، كتب أسفل منتصف الشاشة باللون الأحمر
" خبر عاجل قصف طاقم تصوير قناة الحقيقة ومات جميع الفريق وأحتمالية ضعيفة لنجاة المحررة"
كانت هذه أخر كلماتي قبل أن تحترق الكاميرة وينقطع البث، لا لم أقتل.
بعد أن غبت عن الوعي وأنا أدفن نفسي بين التراب هروبا من أصوات الأنفجارات أنشتلني أحدهم.

ظلال العقلWhere stories live. Discover now