وادي الصيد

15 4 1
                                    

كان الثلج يكسو البيوت والشوارع، حتى قباب القصر العالية، أنهتْ مهامها الأولى في القصر، واتجهتْ إلى غرف الخادمات كما وصفتها لها رئسية الخدم السمينة، ذات الصوت الخشن الذي يُشبه صوت الرجال، تسير ببطء، وتتأمل ممرَّات القصر الطويلة المزينة، حتى استوقفها الثلج المتساقط من إحدي النوافذ، فاقتربت من النافذة وفتحتها؛ فهبَّت نسمة هواء باردة تخللت ملابسها الدافئة؛ فتذكَّرت دفء مزرعتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس، وكيف تَبدَّل حالها إلى برد الشمال القارس، ولكن أسرها مَرْأى الشفق القطبي بألوانه الساحرة، التي انسابت لترسم في السماء لوحةً لم تشهدها قبلاً.

أقفلت النافذه بسرعة؛ حتى لا تُعاقَب أو يُوبِّخها أحد، وأكملت سيرها إلى الغرفة، كانت غرفة كبيرة جدًّا، في وسطها حوض ماء كبير، وهناك الكثير من الخادمات، يجلسن في جماعات، منهن مَن يتسامرن، ومنهن مَن يضحكن، ومنهن مَن تقاذفن بالماء في مرح وسرور وضحكاتهن تهز أركان المكان.

    اقتربت من الحوض فوجدت كاميليا وحيدة في انتظارها، أول صديقة قابلتها في هذا القصر .
مليكة، كيف كان يومك الأول؟
كان شاقًّا جدًّا؛ فهذا القصر كبير جدًّا.

فتبسَّمت كاميليا وقالت : 
هذا ليس سوى جناح الأميرة درة.
لم أسمع عنها قبل ذلك، دائمًا أسمع أن الملك والملكة لم ينجبا سوى أميرٍ فقط...
هي ليست ابنتهما، بل إنها زوجة الأمير المستقبلية، وحفيدة الجد الأكبر للعائلة، جدها لديه مملكة كبيرة جدًّا، أكبر من مملكتنا، وهو شخصٌ مقدَّس بالنسبة للملك والملكة،... كم هي محظوظة!

  ثم تنهَّدت وجلست على طرف الحوض، فقَلَّدَتْهَا مليكة وجلست إلى جانبها، وقالت وهي تتحسَّس الماء بقدميها:
يبدو أن تعاستي ستكتمل هنا، لقد تعبتُ كثيرًا اليوم.
لم ترَ شيئًا بعدُ، فغدًا رحلة صيد.
رحلة صيد؟!
الأمير يخرج في رحلة صيد، وبالتأكيد لن تتركه الأميرة، ستذهب معه وتأخذ معها بعضًا من الخدم، وتجعلهم يسيرون على أرجلهم طوال الرحلة، ويقومون بكل الأعمال الشاقة، جميع الخدم يعلمون أن تلك الرحلة ليست سوى الجحيم ذاته.

فردَّت مليكة بعد أن ابتسمت ابتسامةً بلهاء:
لا، لا يمكن أن تختارني؛ حظِّي ليس سيئًا لهذه الدرجة.
بل ستختارك؛ إنَّها تتلذَّذ بتعذيب الفتيات الجدد.
لا تقولي هذا.
نعم، هيَّا إلى النوم الآن، بالتأكيد ستختارني أنا أيضًا؛ فحظِّي ليس أفضل منكِ.
  ألقت بنفسها على سريرٍ بجانب كاميليا، وظلَّت تفكر فيما وصلت إليه، فليس هذا ما تمنَّته لنفسها، وانطفأت أنوار الغرفة؛ فسالت دموعها، فدائمًا كانت تخشى الظلام والبرد.

أمسكت كاميليا بيدها متساءلةً في لهفة:
لماذا تبكين؟

لقد باعونى، تخلَّصوا مني كسلعة رخيصة، كأحد محاصيلهم الهزيلة، ظننتهم عائلتي، ولكنهم أثبتوا سذاجتي.
    شدَّت كاميليا على يدها:
أنا معكِ، ستكونين أختًا لي، ولن أتركك أبدًا، أبشري، فربما مصيرك أفضل من ذلك.

المملكة المنسية Where stories live. Discover now