دماء على أرض الميعاد 1500 بعد الميلاد 1948 بعد الميلاد

17 2 0
                                    


سابحا في بحر أفكارهم كان .. يغوص فيها و يجول .. يمسك بعض أفكارهم في يده ذات الأظفار الطويلة .. وينظر إليها من وراء قناعه الأبيض المخيف .. ويبتسم .. و يطمئن .. كنت تراه عن بعد فلا تدري من هو .. وكيف يسبح في بحر أفكارهم هكذا .. ثم لم تلبث أن عرفته .. كان هذا هو الشيطان المريد اليهودي "ماستيم" .. كان يسبح في بحر أفكار مذهب مسيحي جديد .. مذهب ظهر في أوروبا فجأة بعد أن طُرد اليهود منها .. كان "ماستيم" يسبح في بحر أفكار أصحاب المذهب البروتستانتي.
" اليهود هم أبناء الله وخاصته و المسيحيين هم الغرباء .. والغرباء لابد أن يرضوا أن يكونو كالكلاب التي تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة الأسياد" مارتن لوثر
وجد هذه الفكرة في بحر أفكارهم تتهادى .. فكرة لفتت انتباه الشيطان اليهودي .. فكرة قالها مارتن لوثر" مبتدع المذهب البروتستانتي كله .. الرجل القسيس الذي كره سلطة البابا شبه الإلهية .. كره بيع صكوك الغفران التي تضمن للناس حفظا من النار وفدادين في الجنة .. كره عدة أمور أخرى وعارضها بعلنية وحماسة شديدة .. وفي مذهبه هذا كان يتقرب لليهود ويعارض اضطهادهم وطردهم من البلاد و معاملتهم على أنهم المذنبين الأبديين قاتلي المسيح.
" دعكم من الإنجيل لأنه محرف .. إن الكتاب الصحيح الوحيد هو التوراة اليهودية ولا شيء غيرها .. وبالنسبة للتلمود فلا يجب علينا أن نحرقه بكل هذه القسوة" مارتن لوثر
فكرة أخرى أمسكها بيده وصار ينظر إليها بتمعن .. فكرة وضعت التوراة اليهودية مكان الإنجيل في هذا المذهب المسيحي الجديد .. اتهمه المسيحيين التقليديين الكاثوليك أنه يهودي متخف .. بعد فترة تغيرت أفكار هذا الرجل لتنتج شيئا غريبا نوعا ما .
"اليهود كائنات يجب التخلص منها فورا .. ديدان مقززة وخبثاء و ملعونون إلى الأبد .. يجب أن نسلب منهم جميع كتبهم و نحرقها .. لابد أن نطردهم جميعا من بلادنا" مارتن لوثر
نظر "ماستيم إلى الفكرة بتعجب .. ألم يكن الرجل منذ قليل محبا لليهود متقربا إليهم ؟ .. و بينما "ماستيم" يفكر إذا ناداه الأفعى "سيربنت" نداء فهم منه أنه رغم أن أفكار هذا الرجل أصبحت معارضة لليهود إلا أنها كانت صهيونية في نفس الوقت .. بدأ "ماستيم" يسبح باحثا عن تلك الأفكار الصهيونية في بحر العقلية البروتستانتية .. حتى وجدها مكتوبة بخط أحمر مشع وسط كل الأفكار الأخرى.
"علينا ألا نعيق ذهاب اليهود إلى فلسطين .. بل إن علينا أن نعطيهم كل ما يحتاجون إليه في رحلتهم تلك .. لأنه لما يقدر اليهود أن يقيموا لأنفسهم دولة في فلسطين سينزل المسيح عيسى ليخلص العالم من الشر" مارتن لوثر
إن هذا الفكر هو الولادة الحقيقية للصهيونية .. فقد خرج قبل أن يولد "هرتزل" .. بل حتى قبل أن يولد "ساباتاي زيفي" .. ترك "ماستيم أفكار "مارتن لوثر و بحث عن أفكار لمصلح بروتستانتي آخر جاء بعده و يدعى "كالفن"
"الربا ليس حراما بل هو حلال لا شيء فيه" كالفن
هذه الفكرة ساهمت في تسهيل جميع معاملات اليهود المالية وسيطرتهم الاقتصادية على جميع البلاد الأوروبية .. كان "كالفن" هذا يدعو بحماس لأفكار "مارتن لوثر" .. و أفكاره تلك فرقت بين الكنيسة و الشعب في انجلترا مما أدى لاشتعال النار في الثورة الانجليزية التي شاهدناها على الشاشة مع "سيربنت" من قبل .
ترك الشيطان" ماستيم بحر الأفكار البروتستانتية و طار خارجا منه إلى سماء أوروبا التي شهدت حروبا دينية بين أتباع المذهب البروتستانتي و أتباع المذهب القديم الكاثوليكي .. حروب دينية راح ضحيتها الكثير .. و وانقسمت بلاد أوروبا دينيا فصار منها ما هو كاثوليكي بحت مثل فرنسا و إيطاليا و إسبانيا .. ومنها ما هو بروتستانتي مثل ألمانيا وانجلترا.
نظر "ماستيم" خلال هذه الحرب  إلى البروتستانت وهم يهاجرون من انجلترا عبر المحيط إلى أمريكا .. وظنوا أنفسهم في هجرتهم هذه كأنهم يعيدون مشهد الخروج المقدس .. أيام خرج اليهود من مصر بعد أن استعبدهم فرعون .. فشق بهم موسى البحر وأوصلهم إلى أرض صحراء هي أرض سيناء أو أرض التيه .. أما البروتستانت فقد هربوا من اضطهادهم في أوروبا إلى أرض تيه جديدة هي أرض أمريكا .. وقد أعجبتهم تلك الأرض وصاروا أغلبية ساحقة فيها وبالتالي صار المذهب البروتستانتي هو المذهب الغالب في أمريكا.
لم يكن "ماستيم" يفهم ما الذي يعنيه ذلك وقتها .. كل ما أصبح يعلمه هو أن البروتستانت هؤلاء قد صاروا أغلبية في العالم  .. و أنهم موالين ومعينين ومناصرين لعودة اليهود إلى فلسطين .. وأكبر الدول المناصرة ستكون بالتالي هي انجلترا و أمريكا .. لم يكن يدرك جيدا ما الذي يعنيه هذا وهو يطير فوق المسجد الأقصى .. لكن الزمن كان كفيلا بإفهامه.. كان اليهود الآن قد بدأوا يهاجرون إلى فلسطين ألفا وراء ألف بعد أن حكمت جمعية الاتحاد و الترقي عرش الدولة العثمانية .. وهاهو "سيربنت" يزحف على بلاط مسجد قبة الصخرة في هدوء ولسانه المشقوق يخرج من بين أنيابه مهتزا في نهم لشيء ما .. كان يبدو أن الأفعى "سيربنت" قد وصل لمحطته الأخيرة .. و أنه سينجزها بنجاح كما أنجز كل المراحل التي سبقتها.
بعد وفاة "هرتزل" أصبح "ماستيم" يطير فوق رجل آخر .. خليفة "هرتزل" في زعامة الصهيونية .. "حاييم وايزمان" .. عالم كيميائي يهودي ... أوفده اللورد "روتشيلد" ليزور فلسطين أثناء هجرة اليهود إليها .. فعل هذا الرجل أفاعيل خبيثة أعجبت "ماستيم" جدا .. في البداية أسس شركة تطوير أراضي في يافا .. هدقها شراء الأراضي من الفلسطينيين بطريقة منظمة .. كان أكبر صفقة عقدها هي شراء أرض واسعة جدا جدا كانت مملوكة لعائلة لبنانية مقيمة في أوروبا .. وبدأ "وايزمان" يبني مستعمرات يهودية على الأراضي التي نجح في شرائها .. ثم أنشأ جماعة مسلحة تدعي حرس الهاشومير .. يهود مسلحين لهم هيئة غريبة نوعا .. يرتدون الغترة البيضاء العربية على رؤوسهم .. وعلى صدورهم حزامان أسودان متقاطعان .. كان هؤلاء الحرس يحرسون المستعمرات اليهودية .. وبدأ "وايزمان" في إخراج مظاهرات في فلسطين للاعتراف باللغة العبرية .. وبينما "ماستيم" يطير في شوارع فلسطين .. إذ به يرى جريدة مفتوحة ملقاة على جانب الطريق .. نظر إليها .. كان اسمها الكرمل .. وكان المانشيت الرئيسي في الصفحة تحذير لجميع العرب من قيام الدولة اليهودية .. لأنها ستكون خنجرا ساما في خاصرة العرب .. ابتسم "ماستيم" ابتسامة باهتة ثم غادر المكان طائرا إلى مكان آخر.
فجأة اهتزت أجواء العالم أجمع .. الحرب العالمية الأولى .. تحالفت بريطانيا و فرنسا وروسيا وإيطاليا ضد دولة واحدة هي ألمانيا .. لم تكن الدولة العثمانية لها أي علاقة بتلك الحرب الأوروبية من قريب أو من بعيد لكن جماعة الاتحاد و الترقي أقنعوا الخليفة الصوري أن يدخل في الحرب إلى جانب ألمانيا .. وبالفعل هذا ما حدث .. واشتد اهزاز الأجواء و اشتد تطاير عباءة "ماستيم" وهو ينظر إلى خسائر الدولة العثمانية المتتالية في تلك الحرب .. سقطت من بين أيدي المسلمين دول كثيرة مثل البلقان و صربيا وبلغاريا و اليونان و الجبل الأسود والقوقاز .. ولم تعد أي دولة عربية موالية للدولة العثمانية حقيقة و إنما صرخت بين العرب أصوات تنادي بالاستقلال عن ذلك الكيان التركي المغرور الضعيف .. لم تكن الدولة العثمانية بخير .. لم تكن بخير أبدا.
كان حقا على "ماستيم" أن يقهقه ساخرا وهو يشاهد أخيرا قيام ما أُطلق عليه لقب الثورة العربية الكبرى .. لم تنطلق في أي وقت .. بل اشتعلت في خضم انشغال الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى .. كان "ماستيم" متحمسا جدا .. طار إلى قلب الحدث مباشرة .. كان ملك الحجاز وشريف مكة الذي يدعى "الشريف حسين" يراسل السفير البريطاني في مصر والذي يدعى "مكماهون" .. كان البريطاني يريد من العرب أن يدخلوا في الحرب العالمية الأولى مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية .. على وعد من بريطانيا أن تعترف بدولة عربية كبيرة تضم الجزيرة العربية كاملة و الشام و العراق .. ويكون "الشريف حسين" هو الخليفة الأعظم لهذه الدولة .. شرط ألا تضم تلك الدولة لبنان ولا تضم فلسطين .. ووافق الشريف "حسين" واشتعلت النار.
وبينما كانت الدولة العثمانية تقاتل الروس و الانجليز و الفرنسيين و الإيطاليين من جميع الجهات ... إذ أتاها خنجر طعنها في ظهرها طعنة نجلاء .. خنجر عربي مكتوب على نصله "الشريف حسين" .. وصفق "ماستيم" بيديه المخيفتين لهذه الطعنة الرائعة.
ترك "ماستيم" أجواء الثورة العربية الكبرى إلى أجواء أخرى .. اجتماع سري بين انجلترا و فرنسا .. اتفاقية ذات اسم شهير "سايكس بيكو" .. يرأسها من الجانب الانجليزي "سايكس" مندوب بريطانيا لشؤون الشرق الأدني ومن الجانب الفرنسي "بيكو" قنصل فرنسا السابق في بيروت .. اتفقا على أن تتوزع الكعكة العثمانية عليهما.. أعني تتوزع الدول العربية عليهما بعد سقوط الدولة العثمانية .. فتأخذ بريطانيا العراق و الأردن .. و تأخذ فرنسا سوريا و لبنان أما فلسطين فتبقى تحت سيطرة مشتركة للحلفاء .. و وبهذا كانت بريطانيا و فرنسا يريدان أن يأكلا قطع الكعكة العثمانية .. رغم أنهما وعدا أن يُعطيا تلك القطع "للشريف حسين" .. لكن "ماستيم" كان يتساءل عن حظ اليهود في تلك الكعكة اللذيذة .. كان يتساءل عن فلسطين.
فجأة فتح "الشريف حسين" جريدة الصباح ليجد أخبار تلك الاتفاقية السرية بين بريطانيا و فرنسا .. رغم أنها سرية إلا أن الروس سربوا أخبارها إلى الجرائد .. و ضج ملك الحجاز و أرغى و أزبد .. لكن حديثا واحدا من البريطانيين طمأنه .. قالوا له ألا يصدق كلام الجرائد لأنه كلام جرائد .. ولم تحدث أي اتفاقيات و نحن على وعدنا الأول و اتفاقيتنا .. فاطمأن لذلك و استراح و نام يحلم بأن يكون ملك العرب.
كان "ماستيم" يطير مطمئنا على أحوال اليهود في فلسطين .. كانوا لا يزالون يشترون الأراضي و يبنون المستعمرات .. أخيرا أيها اليهود بدأتم تمتلكون جزءا من فلسطين .. بعد أن شردكم الزمان و أذلكم أهل المكان .. سمع "ماستيم" أصداء حفل يقام في بريطانيا .. حفل عظيم .. طار في ثوان إلى الحفل .. كان اليهود يحتفلون .. بماذا تراهم يحتفلون .. إنه يرى أكبر حكماء صهيون هنا .. "حاييم وايزمان" و "سايكس" و اللورد "روتشيلد" و غيرهم الكثير .. كانوا يحتفلون بحدث جلل .. فقبل أيام أصدرت بريطانيا وعدا .. وعد لليهود بأن تقيم لهم دولة مستقلة في فلسطين .. وعد يدعى "بلفور" .. والتقت كؤوس الخمر وأكف اليهود و ابتساماتهم .. وظللت عليهم عباءة "ماستيم" المتطايرة و قناعه الذي تحول في تلك اللحظة إلى مزيج عجيب من السعادة و الإرعاب.
لم يكن وعدا رسميا .. إنما كان رسالة من وزير الخارجية البريطاني "بلفور" إلى اللورد "روتشيلد" .. رسالة كان "ماستيم" يتوق شوقا لقراءة نصها .. فطار إلى حيث الرسالة الرسمية و فتحها يقرأها بتركيز .. كانت كالتالي .. 
وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة ملك بريطانيا التصريح التالي .. والذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته :
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي .. وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية .. على أن يُفهم جلياً بأنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين .. ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المُخلص
آرثر جيمس بلفور
أن تعطِي أرضا لا تملكها إلى شعب لا يستحقها .. كان هذا هو الوعد باختصار .. بعد أسابيع فتح "ماستيم" رسالة أخرى سرية ..  مقدمة من أول صهيوني يصل لمنصب وزير في بريطانيا يرسلها إلى مجلس الوزراء البريطاني ..
"الوقت الحاضر ليس مناسبا لإنشاء دولة يهودية مستقلة .. لذا يجب أن توضع فلسطين بعد الحرب مباشرة تحت السيطرة البريطانية .. لتعطي تسهيلات للمنظمات اليهودية لشراء الأراضي وإقامة المستعمرات و تنظيم الهجرة . و علينا أن نزرع بين المحمديين ثلاثة إلى أربعة ملايين يهودي أوروبي"
كانت رسالة حكيمة ..  وقد تم تنفيذها بحذافيرها .. طلبت بريطانيا من فرنسا تعديل اتفاقية "سايكس بيكو" .. وأن تعطي فلسطين لبريطانيا بدلا من أن تكون تحت سيطرة دولية .. وتم التعديل .. و بدأت بريطانيا تُعد جنودها لاحتلال فلسطين عسكريا .. كان الجيش العثماني في فلسطين قوامه حوالي مئة ألف رجل يرأسه رجل من جماعة الاتحاد و الترقي .. رجل يدعى "مصطفى كمال أتاتورك" .. وقد جاءته الأوامر من قيادة الاتحاد والترقي بأن ينسحب مع كل جنوده من فلسطين و يُخليها تماما .. وهذا ما فعل "أتاتورك" .. انسحب بمئة ألف رجل من فلسطين .. وهاهو "ماستيم" يحلق في الهواء ناظرا إلى مشهد لم يره منذ سبعة قرون.
جيش بريطاني لا تدرك نهايته بعينك البشرية .. كأنه حزام طويل من الجنود يمتد من الأفق إلى أرض فلسطين .. قائد هذا الحزام من البشر كان يدعى الجنرال "أللينبي" .. و من ضمن هذا الجيش كان هناك فيلق يهودي مدرب على أعلى مستوى .. بينه وجوه خبيثة لم يتعرف عليها "ماستيم" في البداية لكن التاريخ يحفظ أسماءهم جيدا .. كان من ضمن الوجوه في الفيلق اليهودي رجل غزا الصلع رأسه من المنتصف فترك جزيرتين من الشعر على الجانبين .. رجل يعرفه التاريخ باسم "دافيد بن غوريون" .. و رجل آخر هو "نحميا رابين" .. والد "إسحق رابين" .. وآخرين ممن سيكون لهم شأن فيما بعد .. كان الجنرال "اللينبي" يدخل مزهوا وسط أهالي فلسطين الذين لا يدرون أين ذهب جيش الدولة العثمانية بالضبط .. لكنهم كانوا سعداء بالبريطانيين مرحبين بهم .. فبالنسبة لهم كان البريطانيون هم الملائكة الذين أتوا من بلادهم ليساعدوا فلسطين على الاستقلال عن الدولة العثمانية التركية المغرورة .. لم تكن هذه فكرة عامة الشعب فقط .. و إنما كانت فكرة الشيوخ و المفكرين و حتى المفتي العام لفلسطين .. سمع "ماستيم" الجنرال "أللينبي" وهو ينظر إلى تلك الأجواء قائلا :
- اليوم انتهت الحروب الصليبية
لم يكن الشيطان الأفعى "سيربنت" موجودا .. لقد ترك فلسطين فجأة و اتجه إلى روسيا .. كانت الحكومة القيصرية الروسية تضطهد اليهود اضطهادا شديدا .. وذات مرة ذهب مندوب يهودي إلى وزير المالية الروسي و عرض عليه أن يتخلص من كل اليهود الذين في بلاده بإرسالهم إلى فلسطين .. حينها قال له الروسي :
- إني أفضل أن أتخلص من اليهود فعلا .. و لكن ليس بإرسالهم إلى فلسطين .. و إنما بإغراقهم في البحر الأسود .
كان لابد من تهجير ذلك العدد الضخم من اليهود في روسيا إلى فلسطين بأي طريقة من الطرق .. فدار "سيربنت" في أنحاء روسيا حتى أقام ثورة رهيبة .. ثورة لو أردنا سرد وقائعها لاحتجنا إلى كتاب منفصل .. خبث و دهاء أوصل اليهود إلى حكم روسيا بعد أن كانوا مضهَديها .. خبث لم تعرفه الأرض إلا في أماكن زحف الأفعى اليهودية "سيربنت" .. قامت الثورة الروسية وحكمت الشيوعية روسيا .. وكانت الحكومة الجديدة أغلبها يهود .. و أول قرار اتخذوه هو إرسال اليهود إلى أرض الميعاد .. إلى فلسطين.
ضج الشريف حسين و أرغى و أزبد .. ولكن بريطانيا حدثته و هدأته و نومته على سريره الوثير .. فأعطت لابنه حكم العراق .. و أعطت لابنه الآخر حكم الأردن .. بدأ "ماستيم" يراقب حياة اليهود في فلسطين بعد احتلال بريطانيا .. أصبحت اللغة العبرية لغة رسمية .. أصبح لهم محطات كهرباء مخصوصة لهم .. أصبحت لهم وزارة للمياه ووزارة للأشغال .. ودخل الاقتصاديين اليهود ولعبوا ألاعيبهم و فتحوا شركاتهم و أصبحوا يشغلون الفلسطينيين فيها .. ولكن بعد الهجرة الكبيرة لليهود من روسيا بدأ الأهالي يضجون ويشعرون بالخطر .. و بدأت ملامح توحي بالخطورة ترتسم على قناع "ماستيم".
على الجانب الآخر تم افتعال حرب زائفة بين الدولة العثمانية و اليونان و تم صناعة بطل زائف في الجرائد و المجلات . "مصطفى كمال أتاتورك" .. بطل مدحه "أحمد شوقي" قائلا ..
الله أكبر كم في الفتح من عجب .. يا خالد الترك جدد خالد العرب
وسمح التهليل والتطبيل في الجرائد و المجلات لهذا البطل الزائف أن يعلن نفسه ذات يوم رئيسا لدولة تركيا .. و يعلن سقوط الخلافة العثمانية إلى الأبد .. وفور أن تسلم حكم تركيا اندهش "ماستيم" من كم الأمور العجيبة التي قام بها .. نفى كلمة إسلام تماما من دستور تركيا .. ونص أنها دولة علمانية لا دين لها .. حرم لبس الحجاب على النساء .. ألغى الاحتفال بالعيدين .. منع المسلمين من أداء فريضة الحج لسنوات .. أغلق عددا ضخما من المساجد .. حول مسجد أيا صوفيا العظيم إلى كنيسة .. منع الأذان باللغة العربية و جعله باللغة التركية .. ألغى منصب المفتي .. أعدم 150 عالم مسلم اعترضوا على هذه القوانين .. أجبر أئمة المساجد على ارتداء القبعة الأوروبية بدلا من العمامة الإسلامية .. ألغى التقويم الهجري تماما .. ساوى بين الذكر و الأنثى في الميراث .. ألغى من اسمه كلمة مصطفى و اكتفى بكلمة أتاتورك .. و في النهاية أوصى عند موته بألا يُصلى عليه .. ورغم أن هذه الأمور كلها أسعدت روح "ماستيم" .. إلا أن الاندهاش لم يستطع أن يفارق قناعه لمدة طويلة لكنه زال لما أوحى إليه "سيربنت" أن أتاتورك قد ربته حاضنة يهودية.
ألف "أحمد شوقي" قصيدة طويلة ينعي فيها تركيا و ينعي سقوط الخلافة و يهاجم أتاتورك قائلا ..
بكت الصلاة و تلك فتنة عابث .. بالشرع عربيد القضاء وقاح
أفدى خزعبلة و قال ضلالة .. وأتى بكفر في البلاد بواح
لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت .. خرج مفتي فلسطين و كل المفكرين الذين كانوا مؤيدين للاحتلال البريطاني لفلسطين في مظاهرات حاشدة سلمية عديدة معارضين .. لكن "ماستيم" كان يطير فوق مظاهرة أخرى .. مظاهرة حاشدة قام بها اليهود عند حائط البُراق للمطالبة ببناء الهيكل المزعوم .. منشدين نشيد الأمل .. أو كما يقولون "الهاتيكفا" ..
طالما في القلب تكمن
نفس يهودية تتوق
وللأمام نمو الشرق
عين تنظر إلى صهيون
أملنا لم يضع بعد
أمل عمره ألفا سنة
أن نكون أمة حرة في بلادنا
بلاد صهيون و أورشليم القدس
وبعد صلاة الجمعة التي تلت ذلك اليوم .. كان "ماستيم" طائرا شاهدا لحدث رهيب أمام المسجد الأقصى .. جمهرة من المسلمين تصارعت من جمهرة مماثلة من اليهود .. وتدخل الجيش البريطاني بين الجمهرتين .. وكان تدخله إطلاق النار على المسلمين العزل الذين سالت دماؤهم في ساحة المسجد الأقصى .. وتحول قناع "ماستيم" إلى منظر بشع مخيف .. وطار فوق الجميع طيرانا يؤذن بكارثة.
قامت ثورة كبيرة كانت بداية لجميع أحداث العنف التي تلتها .. ثورة البراق .. حطم الفلسطينيون ست مستعمرات يهودية تدميرا كاملا .. و امتدت الثورة كالسرطان إلى كافة المدن الفلسطينية بلا استثناء .. كانت الصحف العالمية كلها تعرض خبر الفلسطينيين الجزارين الإرهابيين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم في حق إخوانهم اليهود المسالمين .. تم اعتقال تسعمائة فلسطيني .. أعدم أهم ثلاثة منهم .. واستمرت الثورة عاما كاملا .. وبعدها تم تخفيف الهجرة اليهودية .. و اعتبار حائظ البراق ملكية إسلامية كاملة لا علاقة لليهود بها.
إن حائط البراق هذا هو ما يُدعى هذه الأيام حائط المبكي و الذي يعتبر اليوم ملكية يهودية خالصة لا علاقة للمسلمين بها .. وهو الحائط الذي يحد المسجد الأقصى من الجهة الغربية .. وهو الحائط الذي ربط النبي "محمد" فيه فرسه البراق بحلقة قبل أن يدخل إلى السمجد و يصلي بالأنبياء قبل أن يُعرج به إلى السماء .. أما اليهود فيعتبرونه الحائط الوحيد المتبقى من الهيكل .. ويبكون عنده حسرة على خراب الهيكل.
كان يبدو أن الثورة قد هدأت نوعا ما بعد أعمال القمع الرهيبة التي كان الجيش البريطاني يجيدها ويحبها و يستمتع بها .. وكان "ماستيم" يحلق فوق مكان عجيب .. مسجد من مساجد حيفا .. وكان يمكنك أن تسمع صوت الخطيب عاليا يدوي في القلوب ..
- قال ربكم العظيم .. "ألا تقاتلون قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة .. أتخشونهم .. فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين"
و أعاد الجملة الأخيرة ثلاث مرات .. كان صوته متهدجا دافئا متحمسا حزينا حقيقيا .. ثم قال لهم ..
- يا أيها الناس لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها .. وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد .. ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد .. فإلى الجهاد أيها المسلمون
ضج المسجد بالبكاء و التأثر .. كان هذا هو "عز الدين القسام" .. أزهري من أهل سوريا قاد الناس في بلده سوريا ضد الاحتلال الفرنسي .. ثم سافر إلى فلسطين ليقود الناس ضد الاحتلال البريطاني .. بعد ساعة من تلك الخطبة بدأت السلطة تبحث عنه بحثها عن الإرهابيين .. لكنه في تلك اللحظة كان قد حمل بندقيته و ذهب إلى الجبال .. طار "ماستيم" فوق تلك الجبال ليشاهد "عز الدين القسام" و معه نفر من أصحابه يقاتلون الجنود الانجليز الذين كشفوا مخبأهم في الجبال .. كان هناك رجال من الشرطة العربية يقفون في جانب الانجليز .. صاح قائدهم :
- أنت محاصر يا "عز الدين" .. عليك أن تستسلم فلا قبل لك بهم .. لاقبل لك بالانجليز
رد عليه "عز الدين" :
- بل نحن في مقام لم تعرفه بعد .. نحن في مقام الجهاد .. ومن خرج في هذا المقام لا يصح أن يستسلم إلا لله
كان "ماستيم" يتابع تبادل إطلاق النار في شغف بين الجانبين في الجبال .. لكنه بدأ يتململ .. طالت المعركة لأكثر من ساعتين .. وفجأة غزت الجو طائرات انجليزية .. طائرات قصفت جانب المجاهدين بقذائف انجليزية خرجت لها أرواح المجاهدين كلهم .. وخرجت لها روح "عز الدين القسام" .. الرجل الذي أشعل لموته ثورة أكبر من ثورة البراق .. ثورة فلسطين الكبرى .. وبدأ قناع "ماستيم" المرعب يتشقق بطريقة عجيبة .. وتخرج من بين تشققاته أدخنة سوداء.
لم تكن ثورة فقط .. بل كانت ثورة و إضرابا .. وربما تكون تلك أشد ثورة في تاريخ فلسطين .. ثورة قمعتها القوات الانجليزية بكل الطرق حتى وصلت إلى قصف المنازل و تفجيرها لاشتباه وجود ثوار فيها .. استمرت الثورة ثلاث سنوات كاملة نُفذت فيها حوالي عشرة آلاف عملية فدائية .. بمعدل تسع عمليات فدائية في اليوم .. وأصبحت التشققات في قناع "ماستيم" تتزايد .. كان يطير فوق أحد المساجد أثناء صلاة العيد .. وفور انتهائها و خروج الناس إذ هجمت عليهم القوات الانجليزية و اعتقلت نفرا كثيرا منهم .. تابعهم "ماستيم" حتى انتهى الانجليز بهم إلى أماكن مغلقة يسمونها Concentration Camps .. وضعوهم بداخلها و أغلقوها عليهم لثلاثة أيام متواصلة .. كان "ماستيم" يشاهدهم وهم يبولون على أنفسهم لعدم وجود مكان يبولون فيه .. و يتلوى بعضهم على الأرض من الجوع و العطش .. و يبكون حالهم و ذلهم و قهرهم .. وملامح وجه "ماستيم" تبرز أعتى معاني الشماتة و الكراهية.
شعر "ماستيم" بأن أجواء العالم كله تهتز بعنف ... تذكر اهتزازا كهذا منذ مدة ليست بعيدة .. لكن الاهتزاز هذه المرة كان عنيفا جدا .. الحرب العالمية الثانية .. لازال الحلفاء حلفاء .. بريطانيا و فرنسا و روسيا .. لكن انضمت لهم أمريكا هذه المرة .. المعسكر الثاني ألمانيا .. وانضمت لها اليابان .. كانت أكبر معركة في تاريخ الأرض ... معركة مات فيها 50 مليون إنسان .. ما أهم"ماستيم" في تلك الحرب هو أنه نزحت من ألمانيا و أوروبا دفعات هائلة جدا من اليهود .. دفعات توجهت كلها ناحية فلسطين .. دفعات ادعت أنها هاربة من طغيان "هتلر" الذي يقيم المذابح و المحارق لإبادة اليهود عن وجه الأرض كلها .. وتدفقت هذه الدفعات على سفن هائلة الحجم لترسو على موانيء فلسطين .. و دخل هؤلاء متوقعين أن يحظى كل واحد منهم بمسكن و مأكل و مشرب .. وإن توقعاتهم كلها كانت صحيحة .. صحيحة جدا.
قبل الحرب العالمية الثانية كانت الهيئة التي تجتمع فيها جميع الدول تدعى "عصبة الأمم" .. و هي الهيئة التي أعطت إلى بريطانيا صك الانتداب لدخول فلسطين واحتلالها .. وبعد الحرب العالمية الثانية صار اسمها "الأمم المتحدة" .. وقررت الأمم المتحدة حتى تحل أزمة ثورة فلسطين هذه أن تكون فلسطين تحت حكم الأمم المتحدة .. فلا هي لليهود و لا هي للعرب .. ضج اليهود و ثاروا في وجه الأمم المتحدة فتراجعت عن قرارها إلى التفكير في قرار آخر .. أن تقسم فلسطين إلى دولتين .. واحدة عربية و الأخرى يهودية .. و أن تُعجل بعد تنفيذ هذا القرار بإخراج البريطانيين من فلسطين.
في تلك الأثناء كان اليهود لديهم فرق عسكرية كثيرة .. كان لديهم فرقة الإيرجون .. و فرقة الشتيرن .. وفرقة الهاجانا .. وفرقة البالماخ .. كلها فرق عسكرية مسلحة تسليحا ثقيلا جدا و مدربة تدريبا عاليا جدا .. ورغم أن هذه الفرق كلها كانت تساعد البريطانيين على قمع الثورة الفلسطينية .. إلا أنها و بعد أن خرج قرار التعجيل بإخراج البريطانيين و قرار التمهيد لتقسيم فلسطين .. قررت أن تقوم بعمليات إرهابية ضد البريطانيين .. لتُعجل بإخراجهم من البلاد .. وبالفعل قامت عمليات إرهابية شهيرة ضد أعضاء الجيش البريطاني .. تفجيرات و اغتيالات و نسف وقتل .. حتى تم القبض على قائد فرقة الإيرجون الذي يدعى "مناحم بيجن" و اعتبروه إرهابيا .. ما أضحك "ماستيم "هو أن هذا الرجل نفسه الذي دخل السجن الآن باعتباره إرهابيا .. بعد مرور ثلاثين عاما حصل الرجل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري "أنور السادات".
أوعزت بريطانيا إلى رئيس وزراء مصر "مصطفى النحاس" بإنشاء هيئة تدعى جامعة الدول العربية .. تضم كل الدول العربية و تعبر عن رأيها .. شرط ألا تضم فلسطين إليها .. واجتمع العرب في هيئة جامعة واحدة .. وسلخوا منهم فلسطين .. كان "ماستيم" يفكر قليلا .. لقد ضمت تلك الجامعة سبع دول .. ست منها تحت الاحتلال الانجليزي .. أي أنه لا فائدة حقيقية منها إلا تمرير ما تريده بريطانيا باسم العرب .. وضحك "ماستيم" مجددا.
طار "ماستيم" ذو القناع المتشقق فجأة إلى مقر الأمم المتحدة .. كان هناك اجتماع في غاية الأهمية .. دخل "ماستيم" إلى الاجتماع و المتحدث اليهودي يقول :
- حين نتكلم عن دولة يهودية .. فليس في مخيلتنا أية دولة عنصرية أو متعصبة لدين .. بل دولة تقوم على أساس المساواة الكاملة في الحقوق لكل سكانها .. دون تمييز في الدين و العرق .. وبدون سيطرة أو إخضاع .
بعد أن كان اليهود يملكون 5 % فقط من أرض فلسطين .. إلا أنهم ملكوا بعد هذا الاجتماع نصف أرض فلسطين .. كان هذا الاجتماع هو الاجتماع الذي أعلن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين .. النصف للعرب .. و النصف لليهود .. و القدس لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء .. بل هي منطقة دولية .. و يجب على كل الفلسطينيين الساكنين في القسم المعطى لليهود أن يغادروا مساكنهم فورا إلى القسم الفلسطيني .. وقررت اللجنة خروج البريطانيين من البلاد في 15 مايو 1948 .. أي بعد ستة أشهر.
وبدأ ترحيل الفلسطينيين من الأراضي المقسومة لليهود حسب القرار .. وبدأ "ماستيم" يطير فوق القرى ليتابع أحداث الترحيل .. دخلت قوات الهاجانا إلى قرية القسطل .. أهم القرى الحامية للقدس .. دخلتها و طردت منها جميع أهلها .. ولفت نظر "ماستيم" فرقة من المجاهدين الفلسطينيين الذين كانوا يبدون منظمين و مسلحين .. كانت هذه الفرقة هي جيش الجهاد المقدس .. وقد تكون هذا الجيش بعد أن اجتمع الفلسطينيون في كافة أنحاء البلاد و قرروا توحيد صفوفهم المقاوِمة في جيش واحد .. وكان قائد هذا الجيش رجل فلسطيني مجاهد  صنديد يدعى "عبد القادر الحسيني" .. و قد رآه "ماستيم" يتصدر المجاهدين الداخلين إلى القسطل.
حدث بين هذا الرجل و بين جامعة الدول العربية حوار تاريخي .. كان فيه ..
- أنا ذاهب لتحرير القسطل .. وسأقتحمها و أحررها و لو كان في هذا موتي .. ونريد منكم تزويدنا بالسلاح المخزن لديكم.
- لقد عهدنا بموضوع فلسطين إلى لجنة عسكرية خاصة ستهتم بالأمر بعد خروج البريطانيين منها في 15 مايو.
- لو أنكم انتظرتم حتى 15 مايو ستحتاجون إلى عشر أضعاف ما ستحتاجونه الآن.
- نحن لا ندعم العمليات الفردية.
- نحن أحق بالسلاح المخزن من تلك المزابل التي تخزنوه فيها .. إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين وتذكروا أن التاريخ لا يرحم أحدا .. وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم و تواطؤكم.
- كفاك كلاما سخيفا .. نحن لدينا العتاد و السلاح لكننا لن نعطيه لك .. و إنما سننتظر 15 مايو.
رمى "عبد القادر الحسيني" في وجوههم دبارة كانت في يده وقال :
- أنتم تخونون فلسطين .. أنتم تريدون قتلنا و ذبحنا .
رآه "ماستيم" يدخل إلى القسطل ومعه نفر من جنوده .. وتمت محاصرته من قبل جيش الهاجانا حصارا شديدا .. ووجدت في آخر اليوم جثته ملقاة بجانب أحد المنازل في القسطل .. طار "ماستيم" فوق جثته ونظر له نظرة هازئة .. وسقطت من قناع "ماستيم" قطعة من الذقن .. لتكشف وراءها ظلمة شيطانية لا تتبين معالمها جيدا.
في فجر اليوم التالي كان "ماستيم" يطير فوق قرية مجاورة لقرية القسطل .. قرية تدعى دير ياسين .. وفجأة هجمت عليها قوات الإيرجون و الشتيرن من ثلاثة جهات .. في البداية استخدموا مكبرات الصوت و الكشافات .. كانوا يطلبون من جميع السكان إخلاء القرية فورا .. فوجؤوا بإطلاق نار من بين مساكن القرية .. طار "ماستيم" إلى حيث مصدر الطلقات فوجد شباب القرية قد اجتمعوا و تسلحوا ووقفوا أمام مساكنهم يحمونها بأرواحهم .. لكن طلقاتهم هذه استفزت العصابات اليهودية التي تخلت عن الكشافات و تخلت عن الميكروفونات و أمسكت بالمدافع الرشاشة و هجمت على القرية في أعداد كثيرة كأنها النمل.
ارتكب اليهود في دير ياسين أبشع شيء تم ارتكابه منذ أن دخلوا إلى فلسطين أول مرة .. وكان قائدهم هو "مناحم بيجن" .. تابعهم "ماستيم" الذي توسعت تشققات "قناعه الأبيض حتى كاد أن يسقط من على وجهه .. رأى "ماستيم" الجنود يطلقون أحزمة النار من مدافعهم الرشاشة فتحصد أجسادا وراءها أجساد .. تحصد أطفالا و تحصد نساءا .. ورآهم وهم يرمون القنابل إلى داخل المنازل فتنجر فلتقي حولها أشلاء عائلات كلماة كانت تختبيء وراء ذلك الدولاب أو ذاك.
رأى جنودا يمسكون برجل و امرأته فيصفعونه حتى يسقط أرضا ويبطحون زوجته على الأرض فيقعون عليها كما تقع البهائم وطفلتها الصغيرة لا تدري أتنظر إلى أبيها الذي يلفظ نفسه الأخير أم إلى أمها التي تصرخ وكأن أحدهم سوف يسمع صراخها .. سقط جزء آخر من قناع "ماستيم" .. الذي كان لا يزال يتابع تلك المجزرة التي تحدث في هذه القرية في كل شِعب من شعابها .. وهاهي العصابات اليهودية قد أوقفت عشرين شابا من شباب القرية إلى جدار يضعون عليه وجوههم و أكفهم ... ثم أفرغت طلقاتها في أجسادهم فتساقطوا متكومين على بعضهم البعض .. وهاهم يحاصرون فرًان القرية الذي كان قبل الفجر قد أشعل الفرن مجهزا للخبز .. ولما دخلوا القرية بعد الفجر حاصروه في فرنه .. ثم أمسكوا به و ألقوا به إلى داخل فرنه ليحترق بالداخل حيا .. وهنا سقط قناع "ماستيم" و انكشفت الظلمة التي تختبيء وراءه.
لم يعد هناك قناع .. كانت رأسه جمجمة شيطانية ذات نظرة ساخرة تميز الجماجم الشيطانية .. وعلى جبينه محفورة نجمة داوود .. وعباءته لازالت تتطاير .. و أصبح له صوت شيطاني صارخ يشبه أكثر ما يشبه أصوات صراخ الديناصورات الكبيرة .. ثم طار إلى مشهد آخر .. رأى فيه مجموعة من اليهود يمسكون بمجموعة من النساء والأطفال فيلقونهم في أحد آبار القرية ويلقون عليهم وقودا ويشعلون فيه نارا فتشب النار من فوهة البئر و تلقي بشررها حوله حتى يتراجع الجميع واضعين أذرعهم على وجوههم .. و يبدو "ماستيم" من وراء النار .. شيطان يهودي كما يجب أن تكون الشياطين.
وانتهت مذبحة دير ياسين بعد ثلاثة أيام .. قتل فيها ثلث سكان القرية .. و هرب الباقين إلى القرى المجاورة .. وهرب سكان القرى المجاورة لما رأوهم إلى القرى المجاورة .. وهرب أولئك بدورهم .. وأصبح الفلسطينيون يهربون من قراهم خوفا من العصابات اليهودية .. وترددت صرخة "ماستيم" الشيطانية في الأجواء.
كان مشهد الأهالي الفلسطينيين محزنا جدا و هم يغادرون قراهم في طابور طويل بعضهم مشيا على الأقدام يحملون متاعهم و بعضهم على شاحنات يحملون فوقها أثاثهم و ألحفتهم وأمتعتهم .. يسافرون إلى حيث لا يدرون لأنفسهم مسكنا ولا مأوى .. والأكثر حزنا أن ترى "ماستيم" و جمجمته الشيطانية الساخرة تنظر إلى هذا كله .. و أظفاره الطويلة تتحرك بالتتالي تعبيرا عن السعادة الجمة .. فهؤلاء يتركون ديارهم و أرضهم ليعيش فيها يهود .. يهود قدموا من كافة أنحاء العالم .. يهود طردهم كل العالم.. وحُكم على هؤلاء الفلسطينيين وحدهم أن يدفعوا الثمن.
بدأ اليهود ينظرون إلى يافا .. ويعدون العدة لاقتحامها و طرد أهلها كما فعلوا مع بقية المدن .. وكان من قواد جيش الهاجانا رجل يدعى "موشي ديان" .. رجل ذو عصابة سوداء على عينه اليسرى .. وكان يستعد لاقتحام يافا بخطة متميزة .. لكن "ماستيم" ترك هذه الاستعدادات وطار ليشاهد أمرا لفت نظره .. كانت هناك فتاة فاتنة تجاهد لعبور الأسلاك الشائكة التي تفصل بين المنطقتين العربية و الصهيونية .. كان "ماستيم" يتابع تلك الفتاة وهي خارجة من بيتها في مستعمرة بيتام جنوبي يافا .. حيث توجهت متسللة بحرص على ألا يراها أحد حتى وصلت إلى الأسلاك الشائكة الموضوعة بطريقة معقدة .. وقد تمكنت بعد عناء من اجتياز الأسلاك بعد أن جرحت ساقها جرحا بليغا جدا .. و جرت نفسها جرا داخلة إلى يافا في وقت يسبق أذان الفجر بحوالي ساعة .. الغريب أنها كانت تمشي وهي تعرف تحديدا إلى أين تذهب .. و لم يمض وقت طويل إلا وهي واقفة أمام أحد المنازل تدق بابها و ساقها تنزف من تحتها و لم تعد قادة على حملها.
ما لفت نظر "ماستيم" هو أن هذه الفتاة الفاتنة كانت هي "راشيل ديان" ابنة أخ "موشي ديان" .. وبدت ملامح جمجمته الشيطانية متوجسة شرا .. فُتح باب المنزل الذي كانت تقف أمامه "راشيل" .. لتبدو من داخل المنزل فتاة جميلة أخرى .. ما إن رأت "راشيل" حتى انكبت عليها تحتضنها و تصرخ فيها سائلة عما حل بها .. ثم أدخلتها .. كانت تلك الفتاة الأخرى فتاة فلسطينية تدعى "مهيبة خورشيد" .. أحد الناشطات السياسيات الفلسطينيات .. وكانت قد انعقدت بينها و بين "راشيل" صداقة عجيبة .. فبرغم أن "راشيل" يهودية إلا أنها ترفض الصهيونية رفضا قاطعا و ترفض توجهاتها .. ويبدو أن قرب "راشيل" من "موشي ديان" قد جعلها تطلع على خطة الهاجانا لاقتحام يافا .. و يبدو أنها خاطرت بنفسها و جاءت إلى "مهيبة" لتحذرها من هذا الاقتحام حتى يأخذ أهل يافا حذرهم.
كانت ملامح "ماستيم" تبدو غاضبة جدا .. كان يعتبر ما تفعله "راشيل" هو خيانة .. لكن ما فاجأه حقا هو ما حدث في اليوم التالي .. أثناء اقتحام العصابات الإسرائيلية ليافا .. نظر "ماستيم" غير مصدق ما يراه بمحجري عينيه العظميتين .. لقد كانت هناك فرقة مسلحة .. فرقة مسلحة نسائية فلسطينية .. فرقة نسائية ترأسها "مهيبة خورشيد" .. التي بدت وكأنها فارسة أسطورية وهي تحمل مدفعا رشاشا وتضع على رأسها حجابا وترتدي ملابس شبه عسكرية .. ووراءها فرقة نسائية مسلحة.
نسى "ماستيم" ما يحدث في يافا وظل يتابع تلك الفرقة التي كانت تحارب الهاجانا فعليا بكل قوتها .. لكنه أسقط في يده لما رأى "راشيل ديان" تخرج من المنزل ببندقية في يدها و تنقذ إحدى المسلحات من الفرقة في اللحظة الأخيرة .. وأصبحت "راشيل" و مهيبة في الميدان كتفا إلى كتف .. إحداهما مسلمة .. والأخرى يهودية .. يحاربان قوات صهيون .. ويبدو أنهما قد أبديا بسالة في هذه الحرب أبقتهما على قيد الحياة حتى بعد أن تم احتلال يافا وطرد أهلها .. كانت "راشيل" تخرج من البلدة إلى جانب صاحبتها "مهيبة" وقد وضعت "راشيل حجابا على رأسها كنوع من التنكر حتى لا يعرفها قومها.
وجاء اليوم الذي بدأت القوات البريطانية تخرج في طابور عسكري طويل من فلسطين .. يشابه ذلك الطابور الذي دخلوا به إلى فلسطين أول مرة .. كانوا خارجين منها بعد أن وضعوا شعبا مكان شعب .. وأعزوا شعبا وأذلوا شعب .. وبعد خروجهم بدقائق فقط كان هناك احتفال صهيوني ما .. و صعد "ديفيد بن غوريون" على المنصة و أخذ يقرأ على الناس بيان قيام دولة إسرائيل .. أو كما يسمونه بيان الاستقلال .. والعجيب أنه لم يكن لهم وجود أصلا في الدولة حتى يستقلوا عنها .. كان "ماستيم" طائرا فوق رأس "بن غوريون تماما .. و كان يبدو واقفا في الهواء بشموخ مربعا يديه في مظهر قوي وعباءته تظلل على كل حاضري الحفل ... و كان يستمع إلى بيان "بن غوريون" و هو يقول ..
"لقد نشأ الشعب اليهودي في أرض فلسطين .. وفيها أقام دولة ذات سياده .. و قد تم إجلاؤه عنها في ذات يوم مشؤوم .. لكن الشعب اليهودي لم ينسى وهو في مُهاجره أمل العودة إلى بلاده .. ولهذا بدأ الشعب اليهودي في العودة بالآلاف المؤلفة إلى أرض الميعاد .. أرضه التي طُرد منها قديما .. وها نحن الآن .. تلبية لنداء المرحوم العظيم تيودور هرتزل صاحب فكرة الدولة اليهودية .. نقف هنا و نعلن استقلالنا بدولة قائمة بذاتها و لغتها و جيشها"
"إن محرقة هتلر النازية التي حلت باليهود في الفترة الأخيرة والتي راح ضحيتها الملايين من يهود أوروبا قد أثبتت للعالم ضرورة حل مشكلة الشعب اليهودي المحروم من الوطن و الاستقلال .. و لقد أعلنت الأمم المتحدة قرار إنشاء دولة مستقلة لليهود على هذه الأرض .. و اليوم نحن نعلن انتهاء الانتداب البريطاني و بحكم حقنا الطبيعي و التاريخي فنحن اليوم نعلن عن قيام دولة يهودية في أرض إسرائيل .. و أن هذه الدولة اسمها إسرائيل .. و إننا نناشد الأمم المتحدة قبول دولة إسرائيل في أسرة الأمم المتحدة"
تمت
*************************************
يجب أن تتعلم يا صديقي أن اليهود شيء والصهاينة شيء آخر .. بل إن اليهود يؤمنون أن دولة إسرائيل هي تعدي على مهمة المسيح المخلص .. أما الصهيونية فهي سبط واحد من أسباط اليهود .. سبط شرير .. وقد بدأوا أول ما بدأوا مع " هرتزل" .. الذي استقى أفكاره من "ساباتاي زيفي" .. والصهيونية هي أهم نجاح خرج من عباءة الماسونية .. لأن من يصل للدرجة 33 منها يدخل رسميا في السبط الثالث عشر لبني إسرائيل .. السبط الشرير .. فلا تظن أن اليهود المنتشرين في العالم مؤيدين للصهيونية .. بل إن بعضهم معارض لها وبشدة .. المشكلة ليست في اليهود العاديين لأنهم يعارضون دولة إسرائيل .. إنما المشكلة هي في أتباع المذهب البروتستانتي الذي يدعم احتلال اليهود لفلسطين  .. أنا أتحدث على مستوى الشعوب .. لكن على مستوى الحكام طبعا فحكام كل الدول الكبرى يدعمون إسرائيل ويباركون خطواتها.
الماسونية لما جندت الصهيونية لاحتلال فلسطين كانت في الحقيقة تنفذ حلما مهما من أحلامها .. بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى .. وقد وعدتك في السابق أن أخبرك بالسبب الذي يريدون من أجله بناء الهيكل بهذه الحماسة و يسعون لذلك عبر التاريخ.
إن كل شيء يعود لوعد في التوراة .. وعد الله اليهود أن ينزل عليهم في آخر الزمان رجلا من نسلهم .. يخلصهم من شتاتهم ويحكم العالم كله بالعدل من الأرض المقدسة في فلسطين .. ورغم أن الله حقق وعده لهم و أرسل لهم النبي "عيسى" إلا أنهم كذبوه .. ولما رأوه يموت على الصليب أمام أعينهم ، أيقنوا أنه ليس هو المسيح المخلص الموعود .. ويهود العالم الآن ينتظرون نهاية الزمان حتى ينزل الله عليهم هذا الرجل المخلص الذي هو ليس عيسى بل واحد آخر .. أي أنهم فقط ينتظرون.
لكن بعد أن تحالف الإنس و الشياطين .. بعد أن أخرج نفر يهود من الإنس (فرسان الهيكل) كتب السحر و العلوم الشيطانية من أسفل الحرم القدسي .. .. انقلب كل شيء .. وبدأت فكرتهم تتغير .. ليس صحيحا أن ننتظر المسيح المخلص بل يجب أن نسعى بكل جهدنا لينزل إلينا .. وهذا السعي هو باحتلال فلسطين احتلالا كاملا .. فخرجت الحروب الصيبية و بدأت الحرب الشعواء للوصول إلى فلسطين.
وبعد أن غير فرسان الهيكل اسمهم إلى الماسونية وانتهت الحروب الصليبية وصارت الدولة العثمانية قوة رهيبة لا يستهان بها .. كانت مهمة الماسونية شديدة الصعوبة للوصول إلى فلسطين .. فاليهود أيامها كانوا مضطهدين في كافة أنحاء العالم و مطرودين.
كانت الخطوة الأولى أن يعود اليهود إلى البلاد التي طردوا منها .. ليس فقط يعودوا .. بل أن يتحكموا بتلك الدول .. عن طريق المال .. وقد نجحوا في ذلك و أشعلوا ثورات متعددة في أوروبا تنتهي كل دولة بأن تكون عبدة لليهود مديونة لهم.
ثم كانت الخطوة الثانية .. إنشاء دولة أمريكا الكبيرة المليئة بالخيرات .. ورغم أن كل رؤساء أمريكا و زعمائها كانوا ماسونيين إلا أنه كان يلزم أيضا تحويل عقائد الشعوب لتكون متعاطفة مع اليهود .. وهو ما حدث لما أخرجت الماسونية من عباءتها المذهب البروتستانتي الذي يؤمن بضرورة احتلال اليهود لفلسطين.
الخطوة الثالثة كانت إسقاط الدولة العثمانية الكبيرة و إدخال اليهود إلى فلسطين ثم عمل لهم دولة فيها .. و هو ما نجحوا فيه نجاح منقطع النظير .. فبعد أن امتلك اليهود نصف فلسطين في 1948.. بدأوا يتوسعون خلال السنين و يغيرون على الأراضي المقسومة للعرب حتى استولوا على 85 % من فلسطين و تركوا للعرب 15 % فقط ... و هذه الـ 15% موزعة على كتلتين متباعدتين كجزيرتين في بحر من اليهود .. إحدى الكتلتين هي كتلة صغيرة تدعى قطاع غزة .. و الكتلة الثانية أكبر من الأولى وتدعى الضفة الغربية و فيها القدس .. ولازالت دولة إسرائيل حاليا تغير على غزة كل حين و تغير على الضفة الغربية لتأكل مزيدا من الأرض.
لم يعد باقيا لهم الآن إلا احتلال الجزء المتبقي وهدم المسجد الأقصى .. والذي لا تعرفه أنهم قد حفروا الكثير من الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى .. و لو حدث زلزال بسيط أو أمطار غزيرة لانهدم جزء كبير من المسجد.
ربما ستسألني ما الذي يمكن لنا أن نفعل في مواجهة كل هذه الأسماء المخيفة .. الماسونية .. الصهيونية .. وهذا أهم سؤال قد تسأله لي منذ بداية جلساتنا .. إن كل هذه الأسماء ياصديقي هي أسماء من ورق .. وليس أي ورق بل ورق المزابل الذي لا قيمة له .. لما كنا أمة واحدة تحت قيادة مخلصة واحدة لم يكن لأمثال هذه المزابل أن تفعل شيئا .. ولعلك لمست بنفسك هذا الأمر من حكاية "ماستيم" .. بل كانوا يتذللون لنا .. ما الذي تتبعه كل هذه الأسماء التي تبدو مخيفة ؟ تتبع "لوسيفر" .. و ما هو "لوسيفر" هذا .. شيطان .. ولا يخزي من اتبع الشيطان إلا من اتبع من خلق الشيطان .. الله .. وهكذا كنا في السابق .. حتى نجح هؤلاء في تقسيمنا.
قسمونا إلى بضع و عشرين دولة .. كل دولة تكره جارتها .. زرعوا بيننا القومية .. المصري و السعودي و الخليجي و المغربي .. كلهم لديه نعرة مزروعة بداخله تجاه دولته .. فلا يتشرف المصري أن يكون سعوديا و لا يتشرف السعودي أن يصير مغربيا .. غير عالمين أنهم كلهم أصلا عرب ولم يكن بينهم في تاريخهم الطويل هذه اللمسات القومية .. فكلها مزروعة حديثا ولا أصل لها.
ماذا نفعل ؟ لن أنادي بأمور مستحيلة .. بل سأنادي بأمور عادية جدا .. حتى نقيم لأنفسنا وزنا بين الأمم يجب أن نتجه إلى الاتجاه المعاكس لما يريدوننا أن نتجه إليه .. في البداية وحدوا عملتكم أيها العرب كما وحدت أوروبا عملتها .. ألغوا بينكم و بين بعضكم الحدود .. فيلتحرك العرب داخل العالم العربي بلا تأشيرات .. وقد فعلوها أيضا في أوروبا .. وهم بينهم ما بينهم في التاريخ من حروب ونزاعات .. بل إن الحربين العالميتين كانت أصلا بين أمم أوروبا .. وبرغم هذا فعلوها .. أما العرب فليست بينهم أي نزاعات تاريخية .. فقط نعرة قومية مزروعة يمكن أن يمسك بها العربي في دقائق و يلقيها خارجه في أقرب قمامة .. ماذا أيضا ؟ ماذا عن توحيد الجيش ؟ هل يبدو هذا مستحيلا ؟ ألم يكن موحدا قبل مئة سنة ؟ لن أطيل في الأمر .. أنا فقط أفتح عقلك حتى تفهم ما أريد لك أن تفهمه.
نعود إلى سياقنا .. بالنسبة للمحرقة التي يدعي اليهود أن "هتلر" قد أقامها في حقهم وهي ما يسمونه "الهولوكوست" و جعلوا لها عيدا سنويا يتذكرونها فيه .. والتي يحاكِمون كل من ينكر حدوثها فها أنا ذا أقولها و بأعلى صوتي .. المحرقة التي تدعون أنها حدثت هي أكذوبة اتخذتموها ذريعة قذرة لتشعروا العالم أنكم شعب مضطهد و أنه لابد لكم من أرض تحتويكم بعد كل هذا الاضطهاد .. ادعيتم أن "هتلر" قتل منكم في الهولوكوست 12 مليونا بينما كان عددكم أصلا في أوروبا كلها ثمانية ملايين .. فقلصتم هذا العدد ليصبح ستة ملايين .. والحقيقة التي تحاولون إخفاءها هي أن من كان في السجون الألمانية من اليهود لا يتجاوز العشرين ألفا .. نصفهم وجدوا أحياء.
أما ما قام اليهود به في فلسطين و ماقام الصليبيون به في الحملة الصليبية الأولى والملايين التي أبادها الأمريكان من الهنود الحمر .. وتدمير هيروشيما و ناجازاكي بالقنابل النووية ؟ هذا كله لا قيمة له .. لأنهم ببساطة شعوب غير يهودية .. حيوانات أو كما يقول التلمود .. غوييم .. وإني أتعجب حقا .. فيما يخص أمريكا مثلا .. كيف يكون تفجير برجين أمريكيين هو قمة الإرهاب بينما تفجير و إبادة مدينتين كاملتين برجالهما و نسائهما وأطفالهما و شيوخهما ليس إرهابا ؟ أتحدث عن هيروشيما و ناجازاكي طبعا .. وأتذكر كيف كان الأمريكان يكتبون إهداءاتهم على القنبلتين قبل إلقائهما.
كل من ذكر اليهود ومحرقتهم بكلمة يحاكمونه بدعوى أنه معاد للسامية .. والسامية هي الانتساب إلى "سام" ابن نوح .. ما يثير الأعصاب في الموضوع هو أن العرب من نسل "سام" أيضا .. و كثير من الأمم الأخرى .. لكنهم استبعدوا كل الأمم من النسل وأبقوا نسلهم هم فقط .. اليهود.
وإني قد ذكرت اسم الأمم المتحدة في هذه الحكاية .. و إني أقول لك أن هناك شيء يدعى "حق الفيتو" .. خمس دول هي أمريكا و روسيا وبريطانيا و الصين و فرسنا .. من حقهم أن يعترضوا على أي قرار تتخذه الأمم المتحدة .. ولو أن واحدة فقط من هذه الدول اعترضت على القرار .. يوقف تنفيذ القرار فورا و إن كانت كل دول العالم موافقة .. وأمريكا تستخدم دائما هذا الحق لوقف أي قرار يتخذ ضد دولة إسرائيل .. وبالمناسبة كل دول العالم لابد أن تكون عضوا في الأمم المتحدة وإذا رفضت سيتم اتخاذ إجراءات ضدها.
وهناك كلمة للنبي العظيم "محمد" يقول فيها "تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" .. وكأني لما أرى الطاولة المستديرة للأمم المتحدة و جلوس ممثلي الأمم عليها يفرزون قرارات ضد العرب .. كأني أتذكر هذا الحديث دون غيره.
في النهاية أود أن أحذرك من كثير جدا من المقاطع والأحاديث المنشورة على الإنترنت التي تخص الماسونية .. فمن ينشرونها هم الماسونيون أنفسهم .. في الزمن السابق كان كل هم الماسونية هي ألا تصل المعلومات إلى الناس .. أما الآن في عصرنا هذا لم يعد الكتم أو إخفاء المعلومات مناسبا أو ممكنا .. لشيوع وسائل الإعلام و الإنترنت واستحالة السيطرة على ما يبث من معلومات فأصبحت وسيلة التضليل الحديثة هي ما يدعى بالغطرشة ..  بمعنى إشاعة مقاطع كثيرة وكبيرة و فيوضات من المعلومات كلها معلومات سطحية تستهلك الأذهان ويخرج منها المشاهد شاعرا بسخافة الأمر كله وأن الموضوع وضعه شخص مريض مهووس بنظرية المؤامرة .. لا تقرأ عن الماسونية في أي مكان إلا بعد أن تقرأ كتابي هذا أولا .. عندها ستعرف أين يجب أن تقرأ .. ولا تقلق .. فأي معلومة مذكورة في هذا الكتاب تحاول التحقق منها ستجدها صحيحة .. ولن تجدني أكذب عليك.
وتحضرني كلمة لـ "جورج بوش" يقول فيها "دعونا لا ندع تلك النظريات عن المؤامرة تخدعنا .. لأنها ما وضعت إلا لرفع الملامة عن الإرهابيين الحقيقيين" .. وشيء جيد أنه قال هذا فهناك قاعدة مسلم بها أريدك أن تحفظها كما تحفظ عينيك في محجريهما .. قاعدة تقول "لا تصدق الشيء إلا إذا تم إنكاره رسميا" فلو لم يكن بوش قالها لم نكن لنصدقها .. أتمنى أن تكون قد فهمتني .. فإن لم تفهم أعد قراءة الجملة مرارا.
أحيانا يُخرجون الإشاعات أن فلانا قتله الماسون و علانا قتله الماسون رغم أنهم أناس عاديون وماتوا بطريقة عادية مثل حادث سيارة أو خلافه .. لكن إشاعتهم لهذا النمط من الفيديوهات السخيفة يجعل الناس تغض النظر لما يتم إسكات أحد المشاهير من قبل الماسون فعلا.
وحتى لا يختلط الأمر عليك فبعيدا عن الزعماء السياسيين .. فالماسون يقتلون شخصيات أخرى ذات تأثير ونفوذ وجمهور .. فقط لأن هذه الشخصيات قررت أن تسبح ضد التيار .. ومن أشهر الشخصيات التي قتلوها "بوب مارلي" و "مايكل جاكسون" و "توباك" .. لأن كلا منهم اتخذ الغناء كوسيلة لإيصال رسالة هادفة للناس .. وليس مشكلة الماسون أنها رسالة هادفة ولكن مشكلتهم أنها رسالة تحمل في كثير من طياتها هجوما صريحا عليهم شخصيا وعلى أهدافهم .. وكل من المغنيين الثلاثة لديه جمهور عاشق بالملايين .. فلابد إذن أن يتم إسكاته إلى الأبد حتى يبقى النائمون في سباتهم العميق .
الآن أنت فهمت أن كل ما فعلته الماسونية و الصهيونية كان لبناء هيكل سليمان ليستعجلوا نزول المسيح المخلص .. لكن ألا ترى الأمر غريبا نوعا ما ؟ أن يكون هدف الماسونية هدفا دينيا هو أن يُنزل الله عليهم المسيح المخلص ؟  و هم أصلا لا يعترفون بالله بل إنهم يحرقونه كل سنة في الغابة البوهيمية ؟ أليس الإله الذي يعبدونه هو "لوسيفر" ؟ كيف يتفق هذا مع نزول المسيح المخلص و نبوءة التوراة ؟
لا تتعجل الإجابة .. فأنت على وشك أن تعرف .. و أنا على وشك أن أموت .. فلم يتبق إلا شيطانين من الشياطين السبعة .. والطريف في الموضوع أن الشيطان السادس ليس شيطانا ذكر .. بل شيطانة أنثى ..
دعنا نلق نظرة على الأوراق التي ستكشف هذه الحكاية .. لدينا ستة أوراق ..
الورقة الأولى هي ورقة دودة الإنترنت المتوحشة وعليها صورة امرأة تجلس امام جهاز الكمبيوتر الذي تخرج منه دودة خضراء متوحشة بشعة لها رأس هرمي الشكل في أعلاه عين واحدة ..
الورقة الثانية هي ورقة مدينة السيليكون .. وعليها صورة شرائح سيليكون مصورة بشكل رقمي ..
الورقة الثالثة هي ورقة أمان الكمبيوتر .. و عليها صورة فتاة مقنعة بقناع أسود و ملابس سوداء .. يخرج من رأسها ما يشبه الخراطيم تنتشر حولها في كل مكان ..
الورقة الرابعة هي ورقة الهاكرز .. وعليها صورة رجل يجلس على جهاز الكمبيوتر و يضحك ضحكة خبيثة شبيهة بضحكة الجوكر ..
الورقة الأخيرة هي ورقة شركات الهاتف .. وعليها صورة موظفة في شركة هاتف تضع سماعتين على أذنها توصلهما إلى أسلاك كثيرة تسمع منها ما يبدو وكأنه مكالمات المشتركين.
أوراق قد تبدو غريبة نوعا ما ونحن نتحدث عن شيطانة .. لكن ليس علينا إلا أن نتابع ..

انتخريوستسOnde histórias criam vida. Descubra agora