وقائع كشف طبي

1 0 0
                                    

مايو ٢٠٢٠..
إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر علي ما لم تحط به خبرا؟ سورة الكهف
كان العساكر الجدد منهمكين في ترتيب ملابسهم بداخل الدواليب الحديدية الصدئة فقد تم توزيعهم للتو علي العنابر بينما كنت انا معنيا ببيجامتي الزرقاء الجديدة والتي جاءت – لحسن الحظ علي مقاسي- كنا نمني النفس بالقاء أجسادنا المنهكة علي الاسرة الحديدية ذات المراتب الاسفنجية فقد كان يوما مرهقا بكل ما تحمل الكلمة من معني.. فجأة دخل جندي العنبر ممسكا بورقة صغيرة  نادي علي اسمي بصوت عال ونطق خاطئ لكن بحكم تكرار الموقف علي مدار السنين - فقد كنت احمل اسما غير مألوف-.. اقتربت منه وقلت أنا.. قال القائد يريد ان يراك.. انقبض قلبي.. ماذا يريد مني القائد ولم يمض علي دخولي مركز التدريب سوي ساعتين فقط؟!
قلت : حسنا فلنذهب.. نظر الي بامتعاض: ستقابل القائد بقميص النوم هذا؟!..سمعت ضحكات مكتومة من خلفي.. شعرت  بالحنق لكني  ابتلعت سخافته وسألت  ماذا تريدني ان البس اذا.. قال قفز( بتشديد الحروف) ماذا تعني؟! اجاب وقد نفذ صبره البس الافارول والبيادة..اذا التقفيز يعني ارتداء الملابس العسكرية.. حسنا هذا اول دروسي في الجندية .. عدت الي دولابي وسط نظرات الترقب من زملائي الجدد ربما امتلك واسطة رفيعة المستوي اوصت قائد الهايسكتب عليا.. دار بخلدي هكذا أمر ولو انه شبه مستحيل .يا تري لماذل طلبني القائد اذا؟!!
خرجت من العنبر اتبع الجندي وهو يسير بخطي متسارعة حيث قطعنا الطريق الرملي التي تراصت علي جانبيه عنابر الجنود كان المساء قد حل والجو منعش ..شعرت بنسمات الهواء البارد علي وجهي وانا اتفرج علي الشجر والورود مختلفة الألوان التي كانت منتشرة علي جانبي الطريق الاسفلتي النظيف ..
انتهي الطريق الرملي ليكشف عن أرض الطابور وهو عبارة ساحة فسيحة كملعب كرة قدم لكنها مفروشة بالرمال وليست بالعشب .. اخذت اتابع المسير خلف الجندي الذي قطع ارض الطابور ومر من بين صف من  الأشجار الكثيفة ليتكشف لي شبكة من الطرق المنتظمة الاسفلتية يتهادي علي جوانبها الاشجار المورقة والازهار بمختلف ألوانها انحرف الجندي يسارا  فتابعته وانا اقرأ لوحة زرقاء ذات سهم كتب عليها " إستراحات الضباط " لأجد نفسي علي ناصية شارع طويل أقرب لطريق في قرية سياحية حيث اصطفت مساكن الضباط علي الجانبين كأنها الشاليهات التي لولا غياب البحر وملمس الأفارول الخشن علي جلدي لتصورت انني بإحدي منتجعات الغردقة.  ابتسمت في سخرية وانا اقارن بين عنابرنا البائسة الغارقة وسط رمال الصحراء وبين ما أراه الآن ..قلت لنفسي يصعب التصديق ان المكانين لايفصل بينهما سوي عشرات المترات..
كنت اتابع المسير خلف الجندي كالاعمي.. فلم يمضي علي اقامتي في المكان سوي عدة ساعات .. لم يبادلني أي كلمة فقد اكتفي بالنظر خلفه عدة مرات كي يتأكد اني اتابعه .. ياتري ماذا ينتظرني؟  تذكرت كيف بدأت رحلتي لاداء الخدمة العسكرية  منذ عدة شهور حين ذهبت بعد تخرجي من كلية الصيدلة الي قسم الشرطة كي أعرف موعد الكشف الطبي الذي عشت فيه فصلا هزليا من فصول تلك الدراما العجيبة...
17 فبراير 2020 ..
سألت الشيخ عبد ربه: كيف تنتهى المحنة التى نعانيها؟ فأجاب: إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، و إن خرجنا هالكين فهو العدل. نجيب محفوظ, أصداء السيرة الذاتية
لم يكن الفجر قد بزغ والسيارة تمر بسرعة في شوارع مدينة أسيوط الخاوية .. كان الجو باردا   وانا جالس بجوار صديقي الذي تطوع ليأخذني بسيارته بينما كنت أتأمل ما فات من حياتي وما هو آت حيث أقف علي أعتاب تجربة جديدة لم يرق لي ما سمعته ممن سبقني إليها.. لكني طمأنت نفسي انني اختلف عن الآخرين..جدا.. فأنا شخص دبلوماسي حصيف واسع الإطلاع افهم في كل صنوف البشر واستطيع ان أروض اكثرهم شراسة واتلاعب بأشدهم مكرا وربما اني لست في حاجة لذلك فقد كنت متفائلا جدا ونظرت لسنة الخدمة العسكرية كخبرة ستثري تجربتي الحياتية وربما المهنية أيضا..
انا قلبي بكيسه
بس الجرح جه تلبيسه
مجاش مقاس كل ال يقيسه
قالوا لاق فيا
قطع تأملاتي صوت كاسيت العربية حيث المطرب الشعبي بصوت شجي يندب حظه في تعبيرات بليغة اعتبرتها نذير شؤم فطلبت من صديقي تغيير الأغنية فابتسم واغلق الكاسيت لنتبادل حديث قصير فقد وصلنا الي مركز التجنيد.
نزلت من سيارة صديقي بعد أن ودعته.. سرت بخطوات سريعة وقد ازداد شعوري بالبرد .. اقتربت من بوابة سوداء كتب فوقها " مركز التجنيد الرئيسي" حيث كان أحد الجنود الواقف علي البوابة..نظر لي بعينين حمراوتين بادرته بالقول.. السلام عليكم.. جئت لأداء الكشف الطبي و... أعرف أعرف..قالها وهو يتثاءب حتي اني ميزت كلامه بصعوبة ..فتح لي باب صغير كان جزءا من البوابة السوداء الكبيرة مشيت لعدة امتار لأجد نفسي أمام ضابط صف قرأت اسمه المنسوج علي ملابسه رقيب..محمد ابو عجيلة.. بشرته السمراء تنم علي انه من اهل الجنوب ربما من أسوان..كان جالسا علي كرسي من الخيزران وقد أسند رأسه علي الحائط خلفه وراح يغط في نوم عميق ..كان صوت شخيره يشق سكون الليل الذي قارب علي الانجلاء..تنحنحت كي اوقظه لكن النحنحة لم تجد نفعا.. ناديته يا فندم.. لكن لا حياة لمن تنادي..قررت ان اتجرأ قليلا ..هززت كتفه برفق .. رفع رأسه وهو ينظر لي بتعجب بعينين داميتين ونظرة ممتعضة شعرت بالقلق فاعتذرت عن طريقتي وكررت ما قلته للجندي علي البوابة لكنه لم يقاطعني فقد كان يجاهد لابقاء عينيه مفتوحتين.. لم يهتم لما قلت فعلي ما يبدو كان علي علم بقدومنا فقال لي ادخل وانتظر.. مشيت قليلا لأجد نفسي في ارض فسيحة تحيطها المباني  من كل ناحية ومن خلفها سور عال يلف المكان وفوقه اسلاك شائكة .. نظرت خلفي لأجد الرقيب ابو عجيلة قد عاد لنومه اخذت اتمشي قليلا وانا الملم الجاكيت علي جسدي يبدو انني اول الوافدين..لم يدم انتظاري طويلا فقد بدأ الشباب من مختلف الكليات الطبية بالتقاطر علي المكان فقد بزغ الفجر ودبت الحياة في المكان.. اخذنا نتجاذب أطراف الحديث لتمضية الوقت.. حين اقترب منا احد الجنود ليقتادنا الي احد المباني حيث كان الطابق الارضي للمبني عبارة عن قاعة كبيرة أشبه بالمسرح فقد كان بها منصة يتوسطها منضدة وضع عليها ميكروفون وتراصت فيها المقاعد بشكل منتظم فيما هو اشبه بقاعة مؤتمرات.... انتشرنا داخل القاعة ليدخل علينا ضابط برتبة عقيد يرافقه عدد من الجنود وبعد ان رحب بنا اعلمنا اننا بصدد توقيع الكشف الطبي بعد قليل..اخذت افرك يدي محاولا الحصول علي بعض الدفء ومازالت الاغنية التي سمعتها في سيارة صديقي عالقة في ذهني...لفت انتباهي همسات الجنود المرافقين للعقيد وضحكاتهم المكتومة وهم ينظرون إلينا في شماتة..لم اكترث فربما هم مجموعة من البلهاء لا أكثر.. انتبهت علي صوت العقيد وقد رفع صوته: لا تصدق المحتالين فمنهم من يطلب أموالا ليوهموك انهم قادرين علي اعفاءك من آداء الخدمة العسكرية .. استمعت بعدم إهتمام..فقد تنبأت بانه سيصب اللعنات علي من يريد الإفلات من آداء واجبه الوطني..لكن هالني حين أردف قائلا:إن ادركتك رحمة الله ونجوت فسيكون بسبب عدم لياقتك الطبية وليس لأي بشر فضل في هذا .. لا تضيع مالك علي المحتالين.. رحمة الله؟! نجوت؟؟ ماذا لو لم تدركنا رحمة الله ! ماذا لو تكتب لنا النجاة.. أي مصير بائس ينتظرنا؟ اخذت ابعد هذه الأفكار عن رأسي..انا خدمات طبية.. وسألتحق للعمل بإحدي الصيدليات التابعة للجيش ..ولن يكون الامر بهذا الس...دخل أربعة أشخاص  يرتدون البالطو الابيض علي زي عسكري فوقف العقيد واشار بيده لنتوجه للباب الخلفي للقاعة ايذانا ببدء الكشف الطبي..
كنزع الثوب في يوم البرد كذلك الاغاني للقلب الكئيب ..سفر الأمثال 25:20
هرع أحد الجنود وتقدم منا ليفتح الباب الخشبي الكبير لنخرج تباعا حيث لحق بنا الاطباء لنجد أنفسنا في فناء خلفي تملؤه الكثبان الرملية وتنتشر فيه اعشاب صحراوية لم تكن سوي نبتا شيطانيا..
اخلعوا ملابسكم والقوا بها علي الأرض.. قالها أحد الاطباء باعتيادية تدل علي انه قالها من قبل مئات المرات !
كانت الوقت مازال مبكرا و الشمس لم تفترش الأرض بعد.. وقد انتظمنا في طابور طويل... نظرنا لبعض في حيرة إلي ان تبرع أحدنا بخلع ملابسه اولا لنتبعه ونخلع بدورنا في بطء .. تساءلت.. ألا يوجد مكان اكثر آدمية من هذا الفناء البارد ؟! هل هي محاولة لتحطيم اعصابنا؟ لماذا يحطموها؟ نحن سنكون حماة الوطن ؟ أي وطن هذا الذي سيحميه مجموعة من المحطمين؟ هل هي تدريب علي  احتمال الظروف الجوية الصعبة؟ ما هذا الهراء؟! نحن خدمات طبية ولسنا قوات صاعقة!
تجردنا من كامل ملابسنا الا السروال الداخلي  وقد فعل بنا البرد الأفاعيل..مر أحد الاطباء ليسألنا ان كان احدنا يعاني من أي أمراض خصوصا الجلدية المعدية.. ومن خلفه زميله يدون اسماءنا في كشف.. .الا ان جاء دوري ...
لو أن طائرة هليوكوبتر مرت من فوقنا في هذه اللحظات الحرجة لاعتقد من فيها ان هذا الصف الطويل من الرجال المرتجفين بردا شبه العراة لن يكونوا سوي مجموعة من المتآمرين لقلب نظام الحكم وانه يحلق فوق أحد المعتقلات السياسية شديدة الحراسة .. لم استطع ان أمنع نفسي عن التفكير في عشرات المشاهد المشابهة التي قرأت عنها في كتب أدب السجون.. منعني البرد ان ابتسم في مرارة فقد كانت اسناني مشغولة في اهتزاز متتابع شبه آلي من أثر الصقيع.. نظرت إلي السماء فوجدتها ملبدة بالغيوم..فحتي الهليكوبتر تأنف ان تحلق في هكذا أجواء... للمفارقة..خيل لي اني اري وجه المرأة التي احب بين السحب.. تري لو رأتني في مشهدا كهذا ! وانا الذي كنت احرص علي الظهور أمامها كرجل خارق.. لكن لا بأس سأخبرها ان هذا تدريب للرجال الخارقين علي تحمل الظروف القاسية وان سروالي  ما هو الا ال دريس الكود لأي  سوبر مان يحترم نفسه.. ربما ستجيب بخجل لكن يا عزيزي سوبر مان كان يرتديه فوق ملابسه.
عزيزتي... ألم أخبرك انه تدريب لتحمل الظروف القاسية؟ لقد تخليت عن كل ما يثقل جسدي لأحلق في آفاق علوية و...
حسنا يا دكاترة لقد انتهي الكشف يمكنكم ارتداء ملابسكم الآن..
لأول مرة في حياتي اختبر السقوط الحر... فقد هبطت من الآفاق العلوية فجاة متشبثا بكالسوني الملقي علي الارض وانا أدعو الله الا يصيبني التهابا رئويا..بالطبع لم يصيبني سوي اعراض رشح خفيفة والتهابات بسيطة في اللوزتين وارتفاع طفيف في درجة الحرارة واسهال بسيط ف ال.... لكني نجوت من الإصابة بأي مرض خطير فأنا .. كما تعلمين بالطبع يا عزيزتي.. رجل خارق...
دخلة ابريل
الشتا بيعافر في الصيف
والصيف بيعافر في الخلق
والخلق بتغرق في الزيف
والكلمة بتخنق في الحلق
وشوية تمطر على غفلة
وشوية عواصف وتراب
وشوية الحر بيتمكن
كروان بيخانق في غراب
وشوية نمل اللي قريب
وشوية نحب الأغراب
وتملي بحن
وبفتكرِك
وبروح على صورتِك
بالعافية
( الجو عيا )
على رأي أمي
باين من صوتي اني بعافية
دور برد شديد
المرادي
مانفعش معاه
مشاريب دافية
على فكرة أنا لسه عبيط جدا
وبحب أتفلسف ع البرد
ومصدق انه بيغسلنا
وبيغري الساكت بالسرد
وبيسحب من خنقة روحنا
فبتظهر خنقة على الصوت
لولا بس مُضاد بينيمني
كان ممكن أقول لِك مبسوط
انشاله تكوني أحسن مني
يا شبيهة الشاي المظبوط
وحشتني عيونِك بزيادة
يا اللي انتي عيونِك كات ليا
فتشت خيوط السجادة
مالقتش مُسكِن غير هيَ
كان نفسي أحكيلِك كالعادة
وأوان الحكي
خلاص عَدى
أه صحيح بخصوص نتيجتي
شلت مادة
وسبت مادة
شعر: عمرو أبو زيد.




Yayımlanan bölümlerin sonuna geldiniz.

⏰ Son güncelleme: Nov 25, 2023 ⏰

Yeni bölümlerden haberdar olmak için bu hikayeyi Kütüphanenize ekleyin!

السقوط الحر في بئر العبد.. لغز العنبر رقم 7!Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin