الفصل الخامس

Start from the beginning
                                    

نظرت ندى على الفور إلى نجمة داود التي كشفت
أمرها منذ البداية، ولم تعلق.

- إذن... لماذا تساعديننا ؟

رفعت عينيها في انزعاج وهتفت:

- وما شأن ديانتي بالعمل الإنساني؟ ألا يحثك دينك على الرحمة والرأفة وتقديم يد المساعدة إلى من يحتاجها ، مهما كان انتماؤه وعقيدته؟ أليست تلك رسالة جميع الأديان السماوية؟

ارتبك أحمد وقد أدهشه ردّها ، وخفض رأسه في خجل من نفسه. فتاة يهودية تُلقّنه درسا في الأخلاق!! لم يملك إلا أن يتمتم في اعتذار:

- أنا أسف... لم أقصد الإهانة..

استطردت ندى في عدم اكتراث:

- لا عليك... فما يحصل حولنا يُنسينا أننا نعبد إلها واحدًا ... وإن اختلفت التفاصيل والملابسات....

سرح أحمد للحظات، وهو يحاول استيعاب كلماتها التي صدمته بقوة. لم يكن قد تقرّب قبلا من اليهود العرب، ولا عرف شيئا عن طريقة تفكيرهم. والفكرة الطاغية لديه هي أنهم يُضمرون العداء للمسلمين. لكن هذه الفتاة التي تقف أمامه تقول كلاما لم يتعود عليه. كلاما يضع الكثير من المُسلَّمَات لديه موضع تشكيك.
قاطع صوتها أفكاره وهي تقول موضّحة:

- لا تستغرب ما أقول... فأنا نشأت في عائلة تختلط فيها كل الديانات... اليهودية والمسيحية والإسلام... ليس هنالك حواجز بينها ...

هز رأسه في اهتمام، يُشجّعها على الإفصاح عن قصتها ... فقد استثاره كلام حسان عن أخيها المسيحي، وازداد فضولا مع كلماتها الأخيرة. ابتسمت ندى وهي تستند إلى الجدار، وترفع خصلات شعرها النافرة التي أطلّت. من تحت غطاء رأسها . لم تكن قط فتاة متساهلة في علاقتها مع الجنس الآخر، بل إنها تنتمي إلى عائلة محافظة تعطي وزنا كبيرا للعادات والتقاليد، حتى إنها من بين الأقلية اليهودية التي تحافظ على غطاء الرأس للمرأة وزيّها المحتشم.
لكنها، وفي لحظات بسيطة، أحسّت بارتياح غريب تجاه أحمد، ووجدت نفسها تحاوره دون تردد وتُحدّثه عن عائلتها.
ربما كان لملامحه الجادة ولنظراته التي التصقت بالأرض احتراما لها دور في ذلك. وقد سرها أن تجد من يُصغي إلى حديثها بمثل ذاك الاهتمام، فتابعت:

- وُلدت من أم يهودية وأب مسلم... ربما لم يكن والدي ملتزما كثيرا بدينه، لكنه مُسلم على أية حال. أما أمي فهي من أسرة يهودية محافظة تهتم بتطبيق الدين وإقامة شعائره. تعرفا في تونس، حيث جذور عائلتي، وتزوجا رغم معارضة الأهل، بعد قصة حب قوية. لكن من العجيب أن زواجهما لم يدم طويلا... بل اشتدت الخلافات بينهما ، وانتهيا إلى الطلاق بعد أن جئت أنا وأختي دانا إلى الوجود...

عادت ذاكرتها بها إلى الوراء، وأخذت صور من الماضي تنساب أمام عينيها وهي تُحدّث هذا الرجل الغريب عن حياتها. تذكر ذاك اليوم، حين جلست أمها إليها وأختها دانا في ساحة منزل جدتها العتيق. رغم سنواتها الأربع، فإن الكلمات كانت واضحة في ذهنها . والدتها حدثتها  عن الشَّتَات الذي كُتِبَ على اليهود، وعن ضرورة الرحيل وترك الأهل والأحباب، لأنَّ ذلك هو قدرهم المحتم.
الله كتب عليهم التنقل من مكان إلى آخر، وعليهم الانصياع مهما كان ذلك قاسيا، حتى تغفر خطاياهم.

في قلبي أنثى عبريةWhere stories live. Discover now