الفصل الخامس

591 13 0
                                    

فتح جاكوب عينيه في فزع، واستوى جالسا في فراشه وهو يلهث بشدة. ظل يُحدّق أمامه في الفراغ وهو يضع كفه على صدره، محاولا السيطرة على انفعاله... كان كابوسا مريعًا .
ألقى نظرة على تانيا التي كانت تغط في نوم عميق. لم توقظها حركته ، فلطالما كان نومها ثقيلا. أزاح اللحاف وغادر الفراش. سار على أطراف قدميه إلى باب الغرفة وفتحه في هدوء، والكلمات الأخيرة التي سمعها في كابوسه لا تزال ترنّ في رأسه.
كان البيت هادئا تماما ، حانت منه التفاتة إلى الساعة الحائطية في الممر . كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة بعد منتصف الليل ببضع دقائق. سيقوم بجولة ليتفقد الأطفال، ثم يخلد إلى النوم من جديد. ما زال أمامه بضع ساعات قبل موعد العمل.
كانت الغرفة الأقرب إلى غرفته هي غرفة باسكال فتح بابها وأطلّ برأسه. كان الصغير نائمًا وقد انحسر عنه الغطاء. أعاده إلى وضعه و سحب منه الآلة الحاسبة التي كان يحتضنها. ابتسم في دهاء وهو يتناول دمية دب من الحجم الكبير من بين
الدمى المصففة على رف الخزانة في نظام. كان قد اشتراها له منذ سنتين، لكنه لم يره يلهو بها أبدا ...
وضعها إلى جانب الولد ، وجعل ذراعه تحتضنها. ثم
انصرف في رضا.
كان يهم بدخول غرفة سارا حين تناهت إليه همهمة منخفضة، قادمة من غرفة ريما الواقعة في الجانب الآخر من المنزل. اقترب في حذر، فلمح ضوءًا صادرًا من الفتحة تحت بابها، يبدو أنها مستيقظة في هذا الوقت! أدار مقبض الباب وفتحه بلطف... تسمّر في مكانه حين ألفى الفتاة تجلس على سجادتها ، وتمسك بين يديها كتابًا. كانت تقرأ منه بصوت رخيم و بخشوع مؤثر. كتاب القرآن. لبث جاكوب يتأملها في صمت وقد انتابه إحساس غريب. لم يكن يُصغي إلى الكلمات التي تنطق بها ، لكن ترتيلها كان ذا لحن شجي لامس جدار قلبه القاسي.
انتبه حين توقفت عن القراءة. أغلقت كتابها والتفتت إليه مبتسمة، فبادرها :

- ما الذي تفعلينه في مثل هذا الوقت؟

- استيقظتُ لصلاة الفجر...

- هاه؟ هل هي صلاة جديدة؟

وقفت وطوت سجادتها وهي تقول موضحة:

- بل هي صلاة قديمة... لكنني لم أكن أدرك قيمة أدائها في وقتها ... فأصليها قبل شروق الشمس بقليل... لكن الشيخ يقول إن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها....

همَّ بأن يتكلّم، لكنّه تذكّر الكابوس الذي رآه منذ دقائق وسمع صوت والدة ريما وهي تهتف في أذنيه «الأمانة يا جاكوب... الأمانة!!».
كان ذاك النداء ما أخرجه من نومه فزعا . تمالك نفسه واقترب من الفتاة ليربت رأسها في حنان وهو يقول:

- حسن يا صغيرتي... والآن هيا إلى النوم... ما زال
الصباح بعيدا ...

استلقت ريما في سريرها ، وغطّاها جاكوب في حرص. ثم قرّب كرسي مكتبها وجلس إلى جانبها. لبث يتأمل قسمات وجهها البريئة للحظات وهي تبتسم في وداعة. ولم يستطع أن يقاوم رغبة مفاجئة في أن يُسمعها أغنية نومها التي كان يُغنّيها لها عندما كانت طفلة دون السادسة... الأغنية التي تحمل اسمها للسيدة فيروز:

في قلبي أنثى عبريةWhere stories live. Discover now