الفائدة 000

29 6 14
                                    


السر في هذه العيشة

دعوني أحكيكم حكاية عن نفسي...عن كيف اكتشفت السر وراء وجودنا في هذا العالم...لماذا نحن هنا؟ لماذا كل شيء موجود؟ لماذا كل ما يحصل يحصل؟
كنت في صغري طفلاً مؤدباً، أطيع الكبار، أنفذ ما يطلب مني، لا أناقش، لا يسمح لي بالسؤال أصلاً، ظننتُ أنني هكذا انسانٌ جيد، لم التفت إلى كل التنمر الذي كنت أمر به وقت المدرسة، لا أدري، هل لأن هناك خللاً في ذاكرتي، إذ أنني كنت أصل البيت و قد نسيت كل ما حدث خلال النهار، أو ربما لأنني كنت أتقبل كل الحوادث مثلما اتقبل كل الأوامر، لم أَلُم والداي، فهما بحد ذاتهما أتيا من مكانٍ و ظروفٍ ليست بالسارة و أفنيا عمرهما في محاولة ابقائي أنا و عشرات الأنفس التي كانت تحت يدهما حتى انشغلا عن تربيتي (و التي لم أسمع أحداً من تلك الأنفس يشكرهما على كل تلك السنوات التي صرفاها لأجلهم)...
ما علينا منهم، لقد ألغيتهم من حياتي أصلاً....لم أعد اعترف بتلك الأسرة، لستُ مطالباً إلا بأبي و أمي و أخوتي و زوجتي و ابني...
صدمتي الأولى هو أنه بعدما مرت بضع سنوات، اكتشفت أنني لست مسيراً في هذه الحياة، لدي كل الخيارات، لدي معظم الخيارات، لدي بعض الخيارات، يعتمد على كم أنت شجاع و على كم أنت مستعد لتضحي، و هما أمران لم أتربى عليهما....
قررت اختياري الأول بعد أن تجاوزت العشرين من عمري...
لماذا أنا مسلم أصلاً؟
هل الإسلام صحيح فعلاً كما يقولون؟
سؤال غريب، فأنا درست في مدرسة دينية أقرب ما تكون إلى الداعشية في حزمها و شدها، و دروس القرآن و الحديث و الفقه و السيرة و و و و.
نقرأ و نقرأ و نقرأ القرآن و الأحاديث و متون العلماء، متون العلماء التي كان يجب أن نرتلها و كأنها آيات و الويل ثم الويل لي إن أخطأت في حرف أو تشكيل.
لا أذكر أني كنت أفهم الآيات التي أقرؤها و لا أتأثر بها....
لذلك....
و ربما هذا من فضل الله علي....
أنني قررت أن أعرف هل ما أنا عليه هو الطريق الصحيح؟
ما يجري في العالم لم يكن واضحاً بالنسبة لي....
كنتُ في نفس الوقت أمر بأزمة هوية، لا أعرف من أنا و من أين أتيت و إلى أين أنتمي...
ثم أني رأيت أن الدين ربما هو فعلاً الانتماء الذي يجب أن أحدده لحياتي، فهو الشيء الوحيد الذي يحق لي حسب ظني اختياره، لا أستطيع اختيار عائلتي أو بلدي أو بيتي أو جنسيتي.....
ذلك الشخص الآخر الذي في داخلي قد ساعدني كثيراً، فهو دائماً يطرح الأسئلة ثم يتركني اتحرقق و أنا أحاول التخبط في البحث عن إجابات و يجلس هو بعيداً يحتسي القهوة في هدوء.
هل الإسلام صحيح؟
لأن الإسلام هو الذي يخبرنا لماذا أتى هذا العالم فيجب أن أمسك برأس الحربة و أعرف أمره....يجب أن أتأكد منه...لأنه يقول لي أن هناك حياة أخرى بعد الموت الذي يخيفني حد اللعنة و نحن مسؤولون عن أعمالنا هناك، أعمالي التي لم تكن بالشيء المشرف، الأشياء التي اقترفتها كي أهرب من همومي لم تكن بالشيء الذي أصارحه لأحد، ففكرة أنني قد أُعاقب عليها كان ترعد فرائصي.
من حسن حظي أني درست الثانوية بالقسم الأدبي، من مزيات القسم الأدبي أنه يعلمك كيف تفكر و كيف ترتب أفكارك و تحدد طرقك و اهدافك و الوسائل لذلك، الفلسفة و المنطق و بالذات مادة مناهج البحث العلمي ليست ترهات كما يقولون.
و مناهج البحث العلمي تقول أنه لا تحكم على شخص إلا من كلامه أو كتاباته.
لذا...
فتحت القرآن...
طبعاً...
فهو كتاب المسلمين الأول من بين مئات الكتب التي كانت هي من يطالعني في صغري في مكتبة مدرستي و التي كنت لا أرى قمتها من طولها آنذاك.
بداية القرآن جميلة...
"اهدنا الصراط المستقيم"
هذا ما أنا بحاجة إليه.....و لكن كيف...
و أنا أستمر بالقراءة، ما زالت الضبابية تغشغش على عيني، ما زلت لم اشف بعد من تخلفي العقلي....ثم في الصفحة التالية...وجدتها...
"و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله"
لا أدري كيف تفتح عقلي ذلك اليوم، خصوصاً و أنه يكلمني بطريقة كان من المفروض أني لا أفهمها، أنا الذي ترعرعت على أفعل ما يطلب منك و لا تناقش، لا ..... هذه المرة إنه يعرض علي خياراً، الكثيرين يسمونه تحدياً، و لكني أراه دعوة رحيمة لطيفة لمعرفة الحقيقة، و كأنه يقول لي: "أنا لن أجبرك على السير في هذا الطريق، و لكني أعرض عليك أن تجرب الأمر و تتأكد منه"
قبلت ذلك العرض...
ساعدني براعتي في اللغة العربية و اطلاعي على كتب الأدب النظر فيما يقوله القرآن..
إنه محق، لا يوجد به أي خطأ كما يقول، و حتى ما كنت أظن أنه خطأ يتضح في النهاية أنه كان يرجع إلى قصور فهمٍ مني..
و الآن هيا نقارن كل من يدعي أنه سوف يكتب بطريقة أفضل من القرآن...
لحظة....
يوجد من يحاول أن يكتب أفضل من القرآن؟
ستتفاجأ من وجود لجان و قنوات تلفازية مخصصة لهذا الشيء و ترصد جوائز مالية سخية لهذا...
فتحت مصحفاً تم تأليفه بغرض منافسة القرآن، أصبت بالغثيان من ثاني سورة...
استمعت إلى مقاطع صوتية و فيديوهات لسور تم تأليفها، شعرت بالاشمئزاز من التلوث البصري و السمعي و اللغوي الذي رأيته...
أيقنت حينها...
القرآن صحيح مئة بالمئة، لا يمكن أن يكون كتبه مخلوق، لقد نزل من السماء..
و بما أنه صحيح إذاً كل ما فيه صحيح، و إذا كان كل ما فيه صحيح إذاً كل ما يحكيه و ما يترتب عليه صحيح...
الله موجود...
و العجيب...
قد تسميني مجنوناً..
و لكني استمريت في البحث عن الله في أماكن أخرى...
ذلك أن الظروف التي كنت أمر بها تجعلني أرغب بالمزيد من التأكد من وجوده...
ذهبت و قرأت كتب الملاحدة....البوذيين....الشيعة...الصوفية...المسيحيين.....
فيها جميعاً وجدت الله أمامي....حتى في كتب الملاحدة وجدت الله هناك...
أدركت بعدها أني لا أحتاج إلى البشر لأصل إلى الله و أميز الصحيح من الخطأ و ما الذي يجب علي أن أصدقه و ما الذي يجب علي فعله...
حينها...وقع في نفسي.....ربما لم أكن وحيداً كائناً غبياً أضيع الأوكسجين كما أتصور نفسي....هو فعلاً هناك في الأعلى يراقبني...
دخلت فيّ عادة الإكثار من النظر في السماء، و يقع في نفسي أنه فوق كل هذا يراقبني طوال الوقت....الأمر الذي يجعلني استحي من التفوه بأي شيء.....فقط انظر....
طبعاً بحكم أني تأكدت من وجود الله، عاهدت نفسي أن أكون مسلماً جيداً قدر المستطاع، شعرت بأن حبي لله يزداد يوماً بعد يوم، تلك الليالي التي أكون فيها منفرداً و اتحدث معه، حتى و لو لم اجد رداً ما زلت استشعر أثر ذلك.
أحببت الله إلى الدرجة التي أحسست أنه معي فعلاً في نفس المكان، أنا أعرف أنه ليس حرفياً موجود معي و لكن أثره موجود إلى الدرجة التي تشعرك بذلك.
أحببت الله إلى الدرجة التي أوصلتني إلى أن أكون كمن يسأل حبيبه بعض الأسئلة الجريئة....
قلبي ما زال مهتزاً بعض الشيء...
مشاعري أصبحت مرهفة أكثر من فتاة في السادسة....
كوني أعيش في بلد يوجد به كثير من الطحن لأناس لم يفعلوا شيئاً، حيث ينجوا جميع الأشرار بأفعالهم، أبكي لرؤيتي عائلات بأكملها بلا مأوى تفترش العراء، لشيخ لا يجد ثمن حبة دواء ليخفف من آلامه، جوعى و مديونين و غارمين، و وجدتني أبكي حتى على قطة جائعة و عطشى في قيظ الظهيرة و قسوة الليل...
ظللت أفكر....
أليس كل هؤلاء قد طلبوا من الله أن ينقذهم؟ أنا أعرف أن هناك حكمة عند الله نحن لا ندركها و لكن.......ما زلت أفكر.....لماذا؟
قالوا لي كثيراً بأن الله لا يترك أحداً، و أنا أعرف أنه يفعل ما يشاء، و أعرف أن له حكمة لا ندركها، و أعلم كذلك أن هذا العالم كله لا يساوي عنده شيئاً، و هو غني عن كل ما فيه و لا يهمه و ينقصه أو يضر منه و لا حتى ينفعه شيء، و أعرف أيضاً ان رحمته تسع كل شيء....و مع ذلك....لماذا؟
لماذا خلقتنا؟
لماذا سمحت بكل هذا الشر في العالم؟
أنا أعرف أن هذا الشر مصدره الانسان، لكن لماذا سمحت به؟
لا أقصد الاعتراض أبداً، أريد فقط أن أعرف لماذا
هناك أشخاص حرفياً ماتوا جوعاً
و آخرون توسلوا لئلا يٌقتلوا و لكنهم قُتلوا
كثيرون توسلوا بكثير من الأماني و لكنها لم تتحقق
ثم خفت من هذا السؤال الذي سألته نفسي، إذا كان الله يفعل ما يريد، ما لو قرر التخلي عنا و تركنا؟ أرعبتني هذه الفكرة... دخل رمضان و توقفت عن صلاة التراويح كنوع من التعبير عن ما أحس به....
لم أرد أن أفقد ثقتي بالله، لا أريد.....لقد أنقذني الله من عدة مواقف و أشعرني بوجوده في كثير من الأحيان...
إذاً ما هذا الإحساس الذي أحس به؟
طمع؟
ضياع؟
عطش إلى الحقيقة؟
حقيقة هذا العالم.....
لماذا خلقتنا و أنت لست بحاجة إلينا؟
ما السر وراء هذا؟
ما السر وراء وجودنا؟
أنا أعرف أن مهمتنا هي عبادة الله و أن ننفذ أوامره؟
ما زلت أريد أن أعرف لماذا؟
لماذا؟
لماذا؟
لماذا؟
ثم......
ربما.....
في ليلة من الليالي، و أنا أكتب السطر الأخير من روايتي في نسختها الإنجليزية، ثم كافأت نفسي بأن ذهبت لأغسل الأطباق، و استمع لبعض الموسيقى المستهلكة في ليلة مظلمة ساخنة أخلع على إثرها ما أرتديه من فوق خصري....
أدركت أمراً....
ماذا لو لم يكن هنالك أمرٌ خفي يجب أن ندركه؟
ربما ليس هنالك سر...
ربما ليست هنالك أي معاني خفية وراء وجودنا في هذا العالم...
هذا العالم سينتهي و سيأتي آخر بعده...
هناك لن تفوت الله أي فائتة مهما كانت....
ماذا لو لم يكن هنالك سر و الأمر فقط كأن الله يقول لي: "افعل ما أقوله لك و لا تقلق بأي مشكلة أو معضلة تأتيك لأنني سأعوضك عنها إما الآن أو لاحقاً و لكني سأفعل"
عرفت حينها، و تفتح عقلي للمرة الثانية، و صارت كل مشاكل و مآسي العالم ضئيلة بالنسبة لي،
و عرفت السر وراء وجود هذا العالم؟
و الذي هو..........
ليس هنالك سر
ليس ثمة ما يدعو للتفكير بشأنه
هكذا هو العالم......هو هكذا لا سر خلفه
ليس ثمة شيء وراء وجود الإنسانية
هذا العالم هو مكان لتجربة البشر
و لن تخرج خسراناً منها
هذا العالم يتمحور حول محاولة إيصالك إلى خالقك عبر كتيب الدليل الذي تركه معك.
أنت المستفيد الوحيد من هذا العالم كله
أنت هو السر بذاته
أريد الآن أن أوصل هذا لمن يقرأ لي
لا تقلق
لا تبتئس
قد لا يتحقق شيء مما تريده
قد تدعو و تدعو و لا تتحقق دعواتك و أمانيك
قد لا تكافئ على أعمالك
قد يأتي من يؤذيك و ينجو بفعلته
لكن....
طالما أنت على الطريق الصحيح، و تحافظ على هذا و تقوي نفسك و تصبر على ما يأتيك....ستتم مكافأتك في العالم الآخر
هذا هو ما هي الحياة بشأنه
و إن أسقطت كل آيات القرآن على هذا
ستجد أن الأمر منطقي...
لقد عدت إلى نقطة الصفر، أنفذ ما يُطلب مني، لكني هذه المرة.....أفعله باختياري

تساؤلات دينية؟ أحضرها هناWhere stories live. Discover now