صبية وصبان

91 3 0
                                    

صبية وسبان
أنشبت العجوز أظفارها الطويلة في عنق (الشيخ) وسط صراخ
(البدوي) وابنته (عمرة)، بدأت بعدها بالضغط على عنقه وسحبه
للأسفل حتى أنزلته على ركبتيه والدم يخرج من فمه وهي تقول بتجهم
وغضب شديدين: أين بناتي؟!
(البدوي) بارتباك وخوف: اتركيه سوف تقتلينه!
التفتت (العجوز) نحو (البدوي) ورمقته بنظرة حادة وحدقت بابنته
(عمرة) التي كانت مختبئة خلفه وهي ترتجف من الخوف وقبل أن
يكرر (البدوي) كلامه انتزعت (العجوز) جزءاً من حلق (الشيخ)
ففارت على إثر ذلك دماؤه وسقط ميتاً. وقفت (العجوز) ويدها تقطر
دماً و(شبث) الذي كان جاثا تحت قدميها بدأ بلعق الدماء التي كانت
تتقاطر من أناملها و(البدوي) وابنته يشاهدان ذلك المنظر برعب.
(العجوز) وهي تنظر لـ(الشيخ) وهو يحتضر ويغرغر في دمائه:.. أين
بناتي؟
(البدوي) وهو يرتجف: عن من تتحدثين؟
(العجوز) تغمض عينيها وتأخذ نفساً عميقاً..
(عمرة) وهي تشد رداء أبيها: لنخرج من هنا يا أبي!
(البدوي) وهو يحمل ابنته ويهم بالخروج: هيا بنا!
بمجرد أن أدار (البدوي) ظهره لـ(العجوز) وجد أظافرها العشرة
مغروسة في عنقه تنتزع جزاً كبيرا من لحمه. سقط (البدوي) وهو
ذلك صرخات ابنته التي حاولت الامساك بأبيها قبل
يصرخ تبع
سقوطه نازفاً بغزارة لكنه فارق الحياة بمجرد ارتطامه بالأرض. بدأت
الفتاة البكاء بحرقة وهي تعانق جثة أبيها و(العجوز) تتقدم بخطوات
بطيئة نحو باب الخيمة للخروج منها و(شبث) يتبعها وعيناه على
الفتاة.
خرجت (العجوز) من الخيمة وكان الوقت ليلا وبدأت تتنفس بعمق
وتحدق بالقمر شبه المكتمل وتقول بصوت خافت يخالطه التعب:
أين أنا؟.. ما الذي حدث..؟!
بعدها أحست العجوز بشيء يلكزها ويضربها ضربات خفيفة من
الخلف فالتفتت لتجد (عمرة) وهي توجه لها بعض اللكمات وهي
تبكي وتقول:
لماذا قتلت أبي؟!.. لماذا؟ !
مدت العجوز يدها وأمسكت بشعر الفتاة وسحبتها بقوة ورمتها
أمامها وقالت: هل قبيلتكم هي من أغارت علي أنا وبناتي؟!
(عمرة) وهي تبكي: أنا لا أعرف شيئاً!
(العجوز) وهي تتقدم نحو (عمرة) ببطء: هل فعلتم ذلك لأننا هاجمنا
قافلتكم؟
(عمرة) تبكي ولا تجيب..
(العجوز) وهي تقف عند رأس (عمرة) وترفع يدها:
لا فائدة من بقائك على قيد الحياة إذاً!
(شبث) يجري مسرعاً ويبدأ بتقبيل قدمي العجوز وهو يقول:
الرحمة لها.. الرحمة لها يا سيدة (دعجاء)..
(دعجاء) وهي تنظر لشيطانها الأحمر باستغراب: لم أسمعك من قبل
تطلب الرحمة لأحد.. أو حتى تنطق باسمي..
(الشيطان الأحمر) وهو يقبل قدمي (دعجاء): مسكينة وتحبك..
مسكينة وتحبك..
نظرت (دعجاء) لـ(عمرة) والتي كانت لاتزال تبكي وتغطي وجهها
بكفيها وقالت:
ما اسمك يا صبية؟
(عمرة) تبكي ولا تجيب..
(دعجاء) وهي تنهر (عمرة): أجيبي وإلا قتلتك!!
(عمرة) وهي تبكي بخوف: (عمرة)..
(دعجاء): ما الذي جاء بي إلى هنا ولماذا أسرتموني؟
(عمرة) وهي تبكي بصوت خفيض: نحن لم نأسرك لقد وجدتك
قبيلتنا في الصحراء قبل عامين بين الحياة والموت وقد حاولنا علاجك
دون فائدة حتى استطاع ذلك الشيخ الذي قتلته مع أبي علاجك
بالحناء!
(دعجاء) تتمعن نقوش الحناء التي غطت جسدها..
(الشيطان الأحمر) وهو مازال متشكلاً بهيئة الصبي "
الصغير:
تقول الحق.. تقول الحق..
(عمرة): لقد أوكل لي أبي العناية بك طيلة هذه المدة أنت و(شبث).
(دعجاء) بتعجب: (شبث) من؟
(عمرة) وهي تشير لـ(الشيطان الأحمر) وهو ما زال متشكلاً
صبي صغير:
بهيئة
هذا الصبي الذي وجدناه معك..
(دعجاء) تنظر لـ (الشيطان الأحمر) الذي أنزل رأسه عندما وقعت
عيناه على عيني (دعجاء) وهو يقول: تقول الحق.. تقول الحق..
(دعجاء) وهي سارحة في أفق الصحراء المظلم: وأين بناتي؟
(عمرة) وهي تقف وتمسح دموعها وتتوجه لخيمة الشيخ وتقول
بعصبية:
لا أعرف لقد وجدناك وحدك!.. ألا تذكرين ما حدث لك؟!
(دعجاء): إلى أين تذهبين؟
(عمرة) وهي تصرخ بقوة: سأدفن ضحاياك!!
دخلت (عمرة) الخيمة بعدما بدأت بالبكاء مرة أخرى وقالت
(دعجاء) بعدما جلست على الأرض لشيطانها الأحمر: ساعدها..
توجه الشيطان الأحمر ودخل الخيمة وبدأ بمساعدة (عمرة) في دفن
أبيها والشيخ..
بعدما انتهى الاثنان من الدفن بقيت (عمرة) بجانب قبر أبيها تذرف
الدموع والشيطان الأحمر بجانبها وهو متشكل بهيئة الصبي يشاركها
حزنها. بعد فترة قصيرة نادت (دعجاء) على الشيطان الأحمر فدنا منها
وبدأ بتقبيل قدميها وهو يقول:
خادمك للأبد.. خادمك للأبد..
(دعجاء): ما بك؟ .. تطلب الرحمة لبشر وتحزن لحزنهم وتتشكل بهيئة
صبي صغير ؟ .. ما الذي حدث وأين (ربوح) و(هنان) وبقية بناتي؟
(الشيطان الأحمر) ينزل رأسه للأرض ولا يجيب.
(دعجاء): لا يهم
هذا الآن المهم أن أبتعد من هذا المكان وأبحث
عنهم..
(الشيطان الأحمر) وهو واقف مكانه ومطرق رأسه للأرض: لا يوجد
أحد..
(دعجاء) وهي تصرخ في وجه الشيطان الأحمر :
ماذا تقصد لا يوجد أحد!.. اذهب وابحث عنهم!
وقف (الشيطان الأحمر) في مكانه ورأسه للأرض ولم يتحرك..
(دعجاء) وهي تنهض من مكانها: لا فائدة منك سأجدهم بنفسي!
عقدت (دعجاء) أصابعها وبدأت بالتمتمة ببعض الطلاسم لكن لم
يحدث شيء. أعادت الكرة مرة أخرى ولم يحدث شيء كذلك فقالت
بغضب وهي تنظر ليديها:
تباً لهذه النقوش فهي تبطل طلاسمي!
نهضت (عمرة) من أمام قبر أبيها وبدأت تقترب من (دعجاء) بحذر
وقالت:
هل أنت ساحرة؟
(دعجاء) تجلس على الأرض وعلى وجهها ارتسمت معالم الغضب.
(عمرة) وهي توجه كلامها لـ(الشيطان الأحمر): هل أمك ساحرة يا
(شبت)؟
(دعجاء) وهي تضحك بسخرية: أمه؟!
(عمرة): نعم.. ألست أمه يا عمة؟
(دعجاء) وهي تبتسم: اقتربي مني يا صبية
(عمرة) وهي تنظر لـ(دعجاء) بقلق وخوف: لماذا يا عمة؟
(دعجاء): لا تقلقي لن يلحق بك سوء..
(عمرة) تتقدم نحو (دعجاء) بخطوات حذرة..
(دعجاء) وهي تبتسم: اقتربي أكثر .
(عمرة) وهي تقترب من (عجاء): هل هذا كاف يا عمة؟
(دعجاء) وهي تمسك بـ(عمرة) وتضعها في حجرها عنوة: نعم..
بدأت (عمرة) بالصراخ وهي تقول: ماذا ستفعلين بي؟!
(دعجاء) وهي تضحك: لست مهمة لهذا الحد يا بدوية!
(عمرة) وهي تصرخ في (دعجاء): اتركيني إذا!
(دعجاء): سأتركك بعد أن تحدقي بابني كا سميته.
(عمرة) وهي توجه نظرها للشيطان الأحمر والذي كان متشكلاً
صبي: تقصدين (شبث)؟
بهيئة
(دعجاء) بسخرية: وهل عندي أبناء غيره؟
(عمرة) وهي تحدق بـ(شبث): ما به؟
(دعجاء) موجهة كلامها للشيطان الأحمر:
تخل عن هذا التشكل وعد لتشكلك السابق الذي اعتدت عليه.
نظر الشيطان الأحمر لـ(دعجاء) نظرة تنم عن عدم الرغبة في تنفيذ
طلبها لكنها نهرته بقوة وقالت: نفذا
(عمرة) باستغراب: لماذا تنهرينه هكذا فهو مجرد طفل صغير!!
(دعجاء) وهي تمسك بفك (عمرة) وتديره نحو الشيطان الأحمر:
سترين طفلي الحقيقي الآن..
بدأ الشيطان الأحمر بالتلوي والتقلب وأحاطت به سحابة خفيفة منالدخان حالما انقشعت ظهر بهيئة رجل حليق الرأس وبشع الوجه.
صرخت (عمرة) مفزوعة وقالت: من هذا؟!
(دعجاء) وهي تضحك: ابني البكر!
تفلتت (عمرة) من قبضة (دعجاء) خلال ضحكها ودنت من
الشيطان الأحمر وهو متشكل بهيئة ذلك الرجل القبيح وقالت بمزيج
من الخوف والاستغراب: (شبث)؟
أنزل الشيطان الأحمر رأسه بخجل وحزن ولم يرد..
(دعجاء) وهي تبتسم: لا يحق له الكلام دون إذني
(عمرة) وهي تلتفت على (دعجاء): ومن أنت؟
(دعجاء): أنا (دعجاء بنت وصبان)!
(عمرة): هل يجب أن يعني لي هذا الاسم شيئاً؟
(دعجاء) بغضب: أنا أعظم ساحرة في جزيرة العرب!
(عمرة): يبدو أنك لا تتذكرين حالك في الفترة الماضية!
(دعجاء): ماذا تقصدين؟
(عمرة) وهي تنظر للشيطان الأحمر بحزن:
لقد كنت تائهة بلا عقل وأنا و(شبث) كنا الوحيدين اللذين اعتنيا بك
واهتها لأمرك
(دعجاء) بسخرية: كنت خادمة مثله تخدمين سيدتك..
18
(عمرة) بغضب خفيف: سيدة (دعجاء) لقد كنت لا تقوين حتى على
تنظيف نفسك من فضلاتك وأنا كنت من يقوم بهذا الأمر باختياري
دون إجبار.
نهضت (دعجاء) بغضب وأطبقت على عنق (عمرة) بقوة وقالت:
كيف تتحدثين معي هكذا؟!
(عمرة) وهي تمسك بقبضة (دعجاء) وتحاول التفلت منها: لأني كنت
أحبك..
(دعجاء) وهي تترك عنق (عمرة) باستغراب: تحبينني؟!
(عمرة) وهي تجلس على الأرض وتضع يدها على عنقها من الألم: نعم
كنت أحبك وأحب (شبث) وأحب أبي وقد حرمتني من كل ذلك في
يوم واحد!.. أنت أسوأ شيء حدث لي في حياتي!
(دعجاء) وهي تنظر باستغراب للصبية التي هرع إليها الشيطان
الأحمر وبدأ يساعدها على النهوض: ما الذي حدث؟ كم غبت عن
هذه الدنيا لينقلب الحال هكذا؟
(عمرة) وهي تنهض بمساعدة الشيطان الأحمر : أخبرتك بأننا وجدناك
قبل عامين ولا أعرف شيئاً عدا ذلك.. ألا تذكرين أنت ما حدث لك؟
(دعجاء) وهي تجلس وتضع كفيها على رأسها: لا أذكر سوى أنني
تركت بناتي عند البئر وطلبت منهن الانتظار ريثها أعود بحراس
القافلة..
(عمرة) وهي تجلس بجانب (دعجاء): أي قافلة؟
(دعجاء): القافلة التي كنا سننهبها.
(عمرة): هل أنت ساحرة أم قاطعة طريق يا عمة؟
(دعجاء): لم أعد أعرف من أنا..
(عمرة) وهي تنظر للشيطان الأحمر المتشكل بهيئة الرجل القبيح:
لماذا لا تسألين (شبث) أو أيا كان هذا الشيء!
(دعجاء) وهي توجه نظرها للشيطان الأحمر :
ماذا حدث ذلك اليوم؟.. تكلم.. أسمح لك بالكلام..
(شبث): دم.. الكثير من الدم..
(دعجاء) بتوتر وغضب: دم؟!.. دم من؟!.. تحدث بكلام مفهوم!
(شبث) وهو ينزل رأسه للأرض بخوف: دم.. الكثير من الدم..
(دعجاء) وهي ترمي حجراً باستياء وغضب نحو (شبث):
لا فائدة من الحديث معه!
(عمرة): لماذا تعاملينه بقسوة هكذا؟
(دعجاء): أعامل من؟
(عمرة): (شبث).. فهو مسكين ويحبك.
(دعجاء) وهي تضحك: مسكين؟ .. هذا شيطان لعين وقد حاول قتلي
في الماضي لكني ربطته وسخرته لخدمتي ولو كان مخيراً لذبحنا نحن
الاثنتين!
17
(عمرة) وهي تنظر لـ(شبث) باستغراب: لكنه صديقي وقد أمضيت
معه سنتين من عمري لم أر منه أي سوء!
(دعجاء): هذا لأنك حمقاء
(عمرة) بغضب: أنا لست حمقاء!
(دعجاء): بلهاء إذاً؟
(عمرة) باستغراب: ومالفرق؟
(دعجاء) تضحك بقوة وتسعل قليلاً..
(عمرة) بوجه عابس: أنت لثيمة!
(دعجاء) وهي توجه كلامها لـ(شبث) بسخرية: اذهب وابحث لنا
عن مصدر للاء يا فلذة كبدي.
تحرك (شيث) بسرعة واختفى في العتمة..
(عمرة): لماذا ترسلينه في هذا الوقت المتأخر وفي مكان خطر كهذا؟
(دعجاء): ما بك يا حمقاء؟ هذا شيطان وليس ببشر !
(عمرة) وهل الشياطين لا تملك مشاعرا؟
(دعجاء): لست مسؤولة أو مهتمة لمشاعرها.
(عمرة): لأنك قاسية.
(دعجاء) وهي تنظر لـ(عمرة) وتبتسم نصف ابتسامة:
في الماضي كنت سأفصل عنق أي شخص يوجه مثل هذا الكلام لي..
(عمرة): وما الذي يمنعك الآن؟
(دعجاء): لا أعرف ربها تقدمت في العمر ولم اعد اهتم لتفاهات
(عمرة): النساء مع تقدم العمر لا يزددن إلا مرارة..
الصغار.
(دعجاء) وهي تضحك: لسانك يقطر سا.. كم عمرك يا صبية؟
(عمرة): كم عمرك أنت؟
(دعجاء) وهي تضحك: وما شأنك بعمري؟
(عمرة): وما شأنك أنت بعمري؟
(دعجاء): أريد ان أعرف كم من السنين استغرقت كي تخمري ذلك
السم الذي يخرج من فيك!
(عمرة): وهل الحقيقة أصبحت سما مرأ الآن، كنت أظن أنها مرة
فقط ؟
(
(دعجاء): لا يوجد حقيقة مرة.. المرارة التي نتذوقها ماهي إلا مرارة
دواخلنا فقط
(عمرة): إذا فهي مسمومة فقط ؟
(دعجاء): ربا لي نعم.. على أي حال أنت لا تبدين أكبر من اثني عشر
عاماً بالرغم من لسانك المتذاكي.
(عمرة): وهل امتلاك لسان متذاك أمر سيئ باعمة؟
(دعجاء): امتلاك لسان لا يعني بالضرورة امتلاك عقل..
۱۸
(عمرة) بوجه محبط: هل يعني ذلك أني غبية؟
(دعجاء) وهي تضحك: أنا لم أقصدك يا ذكية..
صمتت الاثنتان لفترة قصيرة ثم قالت (دعجاء):
معنى ذلك أنك بدأت تعتنين بي وأنت في العاشرة من عمر
(عمرة) وهي تحدق في الأفق: نعم ربها..
(دعجاء): مسؤولية كبيرة على طفلة!
(عمرة): (شبث) كان يساعدني.
(دعجاء): يساعدك في ماذا؟.. لقد كان متشكلا بهيئة طفل في الثامنة
من عمره!
مكتبة
(عمرة): ساعدني بها يستطيع..
(دعجاء): تتحدثين عنه وكأنه كان مهتما لأمري!
(عمرة): لقد كان مهتا.
(دعجاء): أخبرتك أنه شيطان مربوط ولا خيار أمامه.
(عمرة): وهل من واجبات الشيطان المربوط العناية بصاحبه أم تنفيذ
أوامره فقط ؟
(دعجاء) تنظر لـ(عمرة) باستغراب..
(عمرة): لم يكن ملزماً إلا بتنفيذ أوامرك وأنت كنت مغيبة عن هذا
العالم وكان من السهل عليه أن يتركك لتهلكي.
(دعجاء) وهي تعيد نظرها نحو الأفق: لا تعبثي بعقلي يا أفعى.
(عمرة) تبتسم بصمت..
(دعجاء): لا تبدين مستاءة كثيراً من موت أبيك.
(عمرة): البكاء والنحيب لن يعيد أحداً..
(دعجاء): فقدت أبي عندما كنت بعمرك تقريباً.
(عمرة): كيف؟
(دعجاء): كان ذلك منذ زمن بعيد ولا أريد التذكر.
عاد (شبث) مهرولاً وهمس في أذن (دعجاء) وقال: بئر.. شالا..
نصف يوم..
نهضت (دعجاء) وقالت لـ(عمرة): هيا لنذهب باتجاه البئر للتزود
بالماء
(عمرة): هل ستأخذينني معك؟
(دعجاء): هل تفضلين البقاء وحدك هنا؟
(عمرة): لا أريد أن تأخذيني معك من باب الشفقة أستطيع تدبر
أمري لوحدي.
(دعجاء): کا تشائين.. ابقي هنا لوحدك..
همت (دعجاء) بالمشي لكنها أحست بدوار وبدأت بالترنح وسقطت
على الأرض مغشياً عليها. استيقظت بعدها في خيمة الشيخ بعد
العصر و(عمرة) و(شبث) بجانبها وبمجرد استيقاظها مدت لها
(عمرة) بعض الماء في قربة صغيرة وقالت:
اشربي يا عمة..
(دعجاء): ماذا حدث لي؟
(عمرة): لقد فقدت الوعي فذهبت مع (شبث) للبئر واحضرنا بعض
(دعجاء): كم بقيت فاقدة للوعي؟
(عمرة): يوماً ونصف اليوم تقريباً.
(دعجاء) وهي تأخذ قربة الماء وتشرب منها: ماذا يحدث لي؟
(عمرة): لم تستعيدي عافيتك بعد لقد كنت مريضة لفترة طويلة.
(دعجاء) وهي تضع قربة الماء جانباً: كيف اقنعت الشيطان بالذهاب
معك؟
(عمرة): لقد لحق بي دون أن أطلب منه.
(دعجاء) وهي تبتسم بسخرية: يبدو أنه يستحق لقب (شبث) الذي
اطلقته عليه!
(عمرة) وهي تبتسم: نامي الآن يا عمة وارتاحي.
(دعجاء): لا يمكنني أن أرتاح قبل أن أعرف مصير بناتي.
(عمرة): سنبحث عنهن بعد أن تستعيدي عافيتك وتستطيعي تحمل
مشقة السفر.
(دعجاء): لولا هذه النقوش اللعينة لاستطعت استخدام طلاسمي
والعودة لآخر مكان كنت معهم فيه.
(عمرة): هل تظنين أنهم ما زالوا بانتظارك ؟
(دعجاء): لا أعرف لكن يجب أن أبحث عنهم
(عمرة): بحثت في خيمة الشيخ ووجدت بعض الطعام هل ترغبين
بشيء يسد جوعك؟
(دعجاء): لست جائعة.
(عمرة): لم تتناولي شيئا منذ يومين.
(دعجاء): أنت غريبة.
(عمرة): لماذا؟
(دعجاء): لم أعرفك إلا منذ يومين وخلالها قتلت أباك
تعتنين بي!
(عمرة): أنا أعتني بك منذ مدة أطول من ذلك يا عمة.
(دعجاء): لوكنت سوية لسعيت للثأر لأبيك بقتلي خلال نومي.
(عمرة): وهل ذلك سيعيده؟
(دعجاء): لا .. لكنك ستطفئين نار سخطك علي.
(عمرة): ومن قال أني ساخطة عليك؟
ذلك
(دعجاء): وهذا ما يريبني منك.
(عمرة) وهي تبتسم: أعرف أنك فعلت ذلك في لحظة خوف فقط.
(دعاء):...
(عمرة): قلقك الدائم على بناتك لا يشير إلى أنك امرأة شريرة.
(دعجاء): هل أنت واثقة بأنك في الثانية عشر من عمرك؟
(عمرة) وهي تبتسم: هل أنت واثقة من أنك لا تريدين بعض الطعام؟
(دعجاء) وهي تبتسم: نعم لا أريد.
(عمرة) تمرر أصابعها في شعر (دعجاء) وهي تبتسم..
(دعجاء): ماذا تفعلين؟
(عمرة): شعرك جميل يا عمة.
(دعجاء):...
(عمرة): هل تسمحين لي بتجديله فهو طويل جدا والضفيرة ستكون
جميلة جدا عليك.
(دعجاء) باستغراب: أليس لديك شيء أفضل تقومين به بدلاً
من
اللعب بشعري؟
(عمرة) وهي تنهض وتستقر خلف (دعجاء) وتبدأ في فل شعرها:
لا..
(دعجاء) تبتسم..
(عمرة): كم ضفيره تريدين يا عمة؟ .. واحدة أم اثنتين؟
(دعجاء) بوجه حزين: خمسة..
(عمرة) باستغراب: خمسة؟!
(دعجاء): نعم خمسة.. ضفيره عن كل بنت من بناتي..
بدأت (عمرة) بتجديل شعر (دعجاء) بصمت..
(دعجاء) تحدق بالأفق الذي بدأت الشمس تختفي خلفه ببطء..
(عمرة): هل تسمحين لي يا عمة بقص جزء من شعرك؟
(دعجاء) بغضب: لا!
(عمرة): لماذا؟
(دعجاء): لم أقصه إلا مرة واحدة في حياتي وأقسمت ألا أقصه بعدها.
(عمرة) وهي تبدأ في ربط الضفيرة الأولى: ومتى كان ذلك؟
(دعجاء) بوجه حزين: ليلة زفافي..
(عمرة) وهي تضحك: زواجك من أبي (شيث)؟
(دعجاء) وهي تبتسم بحزن: ليته كان شيطاناً ولم يكن ذلك الرجل..
(عمرة) باستغراب: ماذا تقصدين يا عمة؟
(دعجاء) بوجه حزين: لقد كان أسوأ من أي شيطان على الأرض أو
تحتها.
(عمرة): أخبريني يا عمة..
(دعجاء): لن أخبرك كي لا تظني أن الزواج بشع لهذا الحد وأن كل
حب يتبعه شدم.
٢٤
(عمرة) وهي تجدل شعر (دعجاء) وتبتسم: هل كنت تكرهين زوجك
إلى هذا الحد يا عمة؟
(دعجاء): لم أكره أحداً في حياتي كما كرهت ذلك اللعين؟
(عمرة) باستغراب: لماذا تزوجته إذاً؟
(دعجاء): هل تريدين حقاً معرفة ذلك؟
(عمرة) وهي تبتسم :
نعم فشعرك طويل وكثيف وسيستغرق وقتاً حتى أنتهي منه .
(دعجاء): سأحكي لك إذا من البداية.. بداية حياتي مع أبي بعد
خروجنا من «هجر» بسنوات.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Sep 14, 2023 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

رياح هجر Where stories live. Discover now