-3- تخطي الحدود

55 12 111
                                    

رمت آيرا بجسدها فوق الكنبة ما أن عادت إلى المنزل بعد يوم شاق، فبين عض اللص والهروب من الشرطة الذين حاولوا استجوابها عما حدث وقعت في مشاكل لم تردها مع صاحب المخبز الذي تعمل بدوام جزئي عنده.

كانت مسؤولة في أيام العطلة عن استضافة العجائز المتقاعدين وتحقيق رغباتهم الصباحية من قهوة ومخبوزات ساخنة حتى فترة الظهيرة وهذا لم يكن صعباً بحق، حتى اليوم، فرغم أن الساعة بالكاد قد قاربت الثانية ظهراً إلا أنها تشعر وكأنه قد تم استنزاف ما جمعته من طاقة بالكامل.

فتحت عيونها على إضاءة غرفة الجلوس تنير مجلسها فابتسمت براحة على عودة الكهرباء ونهضت لتفتح صنبور المياه في المطبخ ليتدفق الماء الصاقع مجدداً.
"لم نخسر شيئاً."
تلمست حجر الزمرد حول عنقها وأردفت بامتنان:
"كان يوماً مثمراً."

قامت بتنظيف الأطباق المتراكمة ثم عادت نحو دفتر حساباتها لتستأنف -أسفل النور هذه المرة- ما كانت مشغولة مؤخراً بالتفكير به.

قضمت القلم بين أسنانها على مرأى مصروفها الشهري الخاص يتعارض مع خاصة المنزل.
"لا حلوى سوى في عطلة نهاية الأسبوع إذاً."
رمت الدفتر بعيداً بإحباط، يجب عليها تدبر أمرها بما هو قليل فمازال أمامها سبعة أشهر حتى تصل سن البلوغ القانوني.

الهاتف قام بالرنين وبعكس المرة الماضية تحركت بحذر صوبه لترى ما سيقوله الكاشف عن المُتصل وحين لمحت رقماً لطالما تواصل مع والديها قامت برفع السماعة بحماس.
"مرحباً، هارت تتحدث."
أجابت.

"يبدو أنكِ اعتدت كونكِ صاحبة المنزل."
وصلها صوت رجل ضاحك من على الجهة الآخرى ورغم أنها تعرف أنه يحاول التخفيف عنها إلا أنها لم تستطع الضحك.
"ليس بعد، لا أظنني سأفعل."
صرحت وهي تقوم بلف السلك حول سبابتها.

"تشجعي يا آيرا، لأجل والديكِ وكل ما تركاه، لا تودين أن يتم أخذكِ للملجأ وسرقة إرثهما من قبل بعض القواني الجائرة، أتفعلين؟"
نبرته غدت جادة فجأة لكنه كان محقاً فهي لا تفعل أي شيء من هذا سوى لسبب واحد، لحفظ منزل العائلة وما خلّفه والداها فما أن تنقضي هذه الفترة الكئيبة حتى تتفرغ لهواياتها التي ورثتها عنهما وتستأنف تحقيقها فيما كانا يبحثان بشأنه قبيل وفاتهما علها تعرف السبب المهم الذي أفجعها بهما.

"لا، أنا أبذل جهدي بفضل تشجيعك المستمر لي سيد إيڤانس."
تحدثت فضحك الرجل مجدداً.
"ثابري، تعرفين رقمي، إن احتجتِ أي شيء فلا تترددي من الإتصال."
وصاها فتشكرته:
"لقد فعلت الكثير لأجل عائلتنا بالفعل، مراسم الدفن كانت هادئة بفضلك، أشكرك على كل شيء."

"لا تذكري هذا، والداكِ استحقا أفضل من ذلك."
نبرة صوته خفتت وكأنه يعزيها، المكالمة لم تطل أكثر عندما نبهها بأن تحرص على نفسها وأغلق الخط.

قامت بوضع السماعة في مكانها على مهل ثم تسلقت السلالم نحو الطابق الثاني لتتخطى غرفة والديها وتتجه نحو خاصتها، قامت بتبديل ملابسها مرة جديدة لترتدي بعض الملابس القطنية الخفيفة عوض الثقيلة قبل أن تعود لكنبتها في الأسفل أمام التلفاز والكتب المبعثرة.

زّمـرّدWhere stories live. Discover now