الفصل الثالث عشر. (رقصة).

2.5K 172 12
                                    

رواية #حرم_السفاح
[[الفصل الثالث عشر]]
•~•~•~•~•~•~•
اعتنت "آماليا" بالصغير حتى تستطيع والدته أن تنعم بحمام دافئ وتتمكن من تبديل ملابسها، وكذلك تفحُص غرفتها الجديدة لمعرفة إن كان ثمة ما ينقصها فتأمر الحراس بإحضاره، ارتدت "سبأ" البُرنس الذي وجدته مُعلقًا على المشجب فور خروجها من الحمام، وزعت نظراتها بكل زاوية بالغرفة تتأمل تفاصيلها الراقية وأكثر ما لفت انتباهها كان وجود حامل لوحات خشبي قد لُصقت عليه لوحة كبيرة ويوجد أمام الحامل كرسي للجلوس، زمت شفتيها في حيرةٍ، لماذا توجد أدوات للرسم بغرفتهما أم أنها موجودة في الغرفة من زمن وقد نسوا أخذها وقت تجهيز الغرفة لهما؟!، نحت ببصرها إلى زاوية أخرى من الغرفة التي غلب على أثاثها وطلاء حيطانها، اللون البنفسجي، تقدمت بخطوات هادئة صوب الفراش ثم جلست بترفقٍ على طرفه وهي تزم البرنس على جسدها أكثر شاعرةً ببرد داهم مسامات جسدها فجأة، كان أثر الجرح لا يزال يؤلمها ولكنها لم تنتبه على ألمها لأن سعادتها بقدومه غطت على كل ما يمكن أن تشعر به، نكست "سبأ" برأسها للأرض بجسدٍ مُرتخٍ ونظرات خاوية بعد أن تبادر إلى ذهنها خروجه العاجل دون التحدث إليها وقلقها الذي بدأ يتفاقم مما قد يوشك على فعله، فزوجها ليس بشخص يترك ثأره في حوزة العدو بل يسترده ضعفين، فلا يعرف مطلقًا ماذا يعني استرداد حقه فقط، هو دائمًا يسترد حقه وزيادة عليه حتى يُفكر الخصم ألف مرة قبل الدخول إلى حلبة زوجها الذي يهوى المناوشات والألعاب النارية، ولكنها أثنت على محاولاته المستمرة طوال الوقت في البحث عن مشاعر مدفونة داخله لتزويدها بها، هي فخورةُ بأنه رغم التبلد والقسوة، رؤوف بها حنون عليها أو على الأقل يحاول ألا يصيبها سواد قلبه وروحه المُظلمة.
دُق الباب، نحت ببصرها إليه في انتباه، فأطلت "آماليا" برأسها من وراءه، ثم قالت بنبرة هادئة:
-أقدر أدخل!!
أومأت إيجابًا، فتقدمت "آماليا" داخل الغرفة وهي تحمل الصغير بين ذراعيها، سحبت "سبأ" نفسًا عميقًا ثم التفتت إلى الأخيرة التي وضعت الرضيع على الفراش وجلست بجواره، وقالت بفتورٍ رغم سيطرة القلق على قلبها:
-أنا قلقانة منه وعليه!!
تنهدت "آماليا" بهدوء قبل أن تقترب أكثر من مجلس الأخيرة ثم تقبض على كفها وتقول مؤازرة لحزنها:
-حقك، بس هي دي شخصية تيم ومع الوقت هتتعودي عليه، يمكن علشان مكنش قريب منك قبل كدا فحاسة إنك مُحبطة لأنك مش قادرة تقرأيه، صح كدا؟؟
بللت شفتها السُفلى بطرف لسانها وردت:
-المشكلة مش في إني مش عارفة أقرأه، المشكلة خوفي يضيع من حياتي طول الوقت، كل ما أقول إن الحياة رضيت عني خلاص وهعيش حياة طبيعية مع ابني وجوزي، ألاقيني خايفة، تفتكري تيم هيبعد عن كل اللي فات علشاننا؟!
مطت "آماليا" شفتيها بعدم دراية عن إجابة سؤالها، فأضافت "سبأ" بيأسٍ وهي تخرج من فمها تنهيدة عميقة:
-أنا مش قادرة أستحمل صدمات تاني، مستنية النقض بفارغ الصبر، حياتي واقفة على اللحظة دي، نفسي تيم ياخد براءة والكابوس دا ينتهي، أنا مُتأكدة إني هغيره وهنسيه كُل اللي فات، طفولته بقى وشبابه وعُقده، هبدأ معاه على صفحة بيضا.
تحدثت "آماليا" بتمني:
-إحنا تواصلنا مع مُحامي كبير أوي ومُتفائلة بيه وعندي أمل نتجاوز النقض وتيم ياخد براءة.
لمعت عيناها ببريق اللهفة المتمنية، تمنت أن ينزاح هذا الكابوس عن حياتها ويعود زوجها إليهما دون الحاجة إلى دخوله السجن مرة أخرى، فترت ابتسامتها في هذه اللحظة حينما تذكرت هؤلاء المتربصون له؟ فإن حصل وتخلص زوجها من الأسر، فكيف سيتخلص من ملاحقتهم له لكي ينعم بحياة جديدة بلا أعداء أو مخاوف، زفرت بخيبة أمل فربتت "آماليا" على كفها وقالت:
-هنتجاوزه، أو على الأقل مش عشر سنين!!
نكست "سبأ" رأسها للأرض وتنهدت باختناقٍ:
-يا ريته ما قتلها!!
تغيرت تعابير وجه "آماليا" في الحال من الانبساط إلى الضيق، سحبت كفها عن كف الأخيرة فورًا، لاحظت "سبأ" انسحابها من محاولة مواساتها، رفعت بصرها إليها وتساءلت بغصة مريرة تسرى عبر حلقها:
-يا ريته كمان ما كان راح المكان دا وكُنا اتقابلنا في مكان تاني وجمعتنا ظروف أحسن من دي، أنا بقول كدا لأني بحبه، بحبه لدرجة إن جوايا سخط عليه علشان مش بيخاف على نفسه وعادي مُستعد يعرضها للخطر، طيب سابقًا كان لوحده، ودلوقتي؟! أنا وغيث نعمل أيه من غيره؟! أنا عارفة إنه راح المكان اللي اتخطف فيه غيث حتى لو مقاليش، وحتى لو إنتِ خبيتي عليا، أنا عارفة إنه هناك دلوقتي.
أسرعت بوضع يدها موضع قلبها واستكملت مع سقوط أول دمعة من عينها:
-في أمل يتغير؟! في أمل يبص لي أنا وابنه بعين الرحمة ويخاف من خسارتنا له وخسارته لينا؟!، أنا متكسرتش لمَّا أبويا سابنا نكافح في بلد غريبة وإحنا بنات أد ما أنا اتكسرت ألف مرة لمَّا حطوا الكلبشات في إيده ولمَّا حطوا السلاح على دماغ ابني!!
-هفضل حاطة إيدي على قلبي كدا لحد ما يرجع وأشوفه واقف قدام عيني سالم من غير إصابات أو جروح، شكل اللي جاي في حياتي كله هيكون ايد بترتجف محطوطة على قلب مفطور.
أسرعت بمحو الدمعة عن عينيها قبل أن تدبر ابتسامة واهية ثم تنظر في وجه "آماليا" التي كانت تنظر إليها بتأثر وحُزن:
-كلميني عنه بقى.. أنا معرفش أي حاجة عن أبو ابني!!.
أخرجت "آماليا" زفرة قوية قبل أن تقول بهدوءٍ:
-تيم بعد وفاة والده، والدته بنفسها هي اللي سلمته للملجأ يكبر فيه، عاشت هي حياتها في حين إنه مكانش قادر يتجاوز فكرة بُعدها عنه، تيم أتوجع بما فيه الكفاية، أتيتم أب وأم مع إن أمه كانت عايشة حياتها بالطول والعرض، فضل في الملجأ لحد ما بقى مُراهق.
اشرأب عنقها قليلًا وهي تنظر إلى لوح الرسم وتستأنف:
-كمال عنده معرض للفنون التشكيلية وكان بيحب يدعم الموهوبين من أطفال وشباب الملاجئ واكتشف موهبة "تيم" بالصُدفة في زيارة للملجأ، شارك تيم بكذا لوحة كان تعبان فيهم أوي وكانوا بيعبروا عن طفولته المأساوية وأوجاعه وكان من بينهم لوحة رسم فيها لحظة ما أمه سلمته لمسؤولين الملجأ وكان بيتحايل عليها متسيبهوش، اللوحة دي موجودة في مكتبه، رفض يبيعها أو يشارك بيها في المعرض، رسوماته كانت سبب في نجاح المعرض أصلًا، وقررنا بعد كدا نتبناه ويكون سند لينا، أنا وكمال بنحبه أكتر من روحنا، بس معرفناش أبدًا نبعده عن الطريق اللي مشي فيه.
أخذت نفسًا عميقًا وأضافت:
-تيم مش الشخص دا، مش بيتوجه ولا بيتغير إلا لو عايز ولا بيقتنع إلا بتفكيره وقناعاته هو وبس ولا يمكن حد يكون رئيس عليه.
أطرقت برأسها وأضافت بتنهيدة منهزمة:
-شخصيته من قوتها خطيرة ولمَّا بيتضرب في نقطة بيحبها ما بيردش بالضرب، بيحرق على طول.
رفعت بصرها ناحية "سبأ" التي تطالعه بملامحٍ حزينةٍ ثم افتر ثغرها عن ابتسامة هادئة وأكملت:
-أول مرة كُنت أشوف لتيم ردة فعل غير الجمود والقسوة في ملامحه وقت ما قال اسمك، إنتِ نجحتي من زمان، نجحتي في اللي مفيش مخلوق قدر ينجح فيه، عارفة يعني أيه تيم يحب؟! تيم عُمر ما كان له عزيز بس بعد ما جيتي بقيتي وغيث أعز حاجة مَلَكها.
ابتلعت "سبأ" ريقها على مهلٍ، قبل أن ترمي لها سؤالًا هامًا أثار فضولها:
-يعني تيم معندوش إخوات؟؟
دققت "آماليا" النظر في ملامحها الباهتة ونظراتها المهتمة في انصات، تنحنحت فورًا ثم همَّت أن تستكمل ولكن مُدبرة المنزل قطعت حديثهما، بطرق خفيف على بابا الغرفة، فقالت "آماليا" بثباتٍ:
-ادخلي.
دلفت المُدبرة تمسك طفلًا بيدها، نظرت "سبأ" إليه بحاجبين معقودين ونظراتها تتساءل في صمتٍ، فجاءتها الإجابة حينما قالت المُدبرة:
-واحد من حراس كمال بيه بيقول إنهم لقوا الطفل دا قدام باب الفيلا بيعيط وعلى ما يبدو إنه تايه.
نظرت "آماليا" إلى الصغير ثم أومأت متفهمة، فهزت المدبرة رأسها ثم تركت الطفل وغادرت، التفتت "سبأ" تتبادل مع الأخيرة نظرات تساؤلية، إلا أن "آماليا" استطاعت تخمين أمر الصبي بسهولة ولم تقتنع نهائيًا بأمر ضياعه عن أهله، فيبدو أن هذا الطفل هو نتاج الحملة التي شنها "تيم" على أعدائه قبل قليل!!!.
•~•~•~•~•~•~•~•
"الإيمان بالقدرة يجعل منك أسطورة، والإيمان بالعجز يؤدي إلى الموت، فكل يلقى جزاء ما آمن به. فقط اختر بماذا تؤمن أثناء طريقك!!.

حَرم السفَّاح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن