8/ وانت بعيد

ابدأ من البداية
                                    

قال الرجل:
" هذا أنت يا جان!".
سحب جان ذراعه وتبدل مزاجه على الفور, قست نظاته وجمدت تعابير وجهه.
" أهلا يا جيم, ماذا تفعل هنا؟ كنت أعتقد أنك لا ترغب في زيارة المطاعم الباهظة الأسعار...".
" هذا صحيح. ولكنني هذه الليلة أريد أن أبهر فتاة جميلة قابلتها( نظر الى لورين وقال) أنا واثق أننا التقينا في مكان ما!".
قال جان:
: نعم, التقيتها في مكتبي يوم حضرت لتستعير مفتاح البيت...".
قال جيم:
" نعم,تذكرت, ولماذا تخجلين كثيرا يا معلمة المدرسة الصغيرة؟".
قال جان:
" لأول مرة في حياتك أصبت في تفكيرك".
بدا عليه الأنزعاج لوجوده.
صفر جيم وقال:
" يا آلهي, لو كانت معي آلة التصوير ... أنتظر حتى أخبر الشباب في الغد".
أمره جيم قائلا:
" أتركنا وشأننا وأذهب الى فتاتك الجميلة".
قال جيم:
" وهذا يعني أنك تريد أن تنفرد بفتاتك الجميلة أيضا, فهمت".
وبعد أن تركهما جيم بدا الأنزعاج جليا على محيا جان ورغب في الخروج , قال:
"هل أنتهيت من شرب القهوة؟ لنذهب".
دفع فاتورة الطعام وهرع خاجا الى سيارته وهي تلهث خلفه, قالت بعد أن استقرا في السيارة:
" ما الأمر؟ هل تخاف أن يخبر مارغو؟".
" اذا كان تفكيرك يقودك لهذا الأستنتاج ... لا بأس".
هدأت لورين وصممت وهي تحاول أخفاء دموع الخيبة , كانت لا تريد أن تفسد هذه الليلة وذكرياتها الجميلة...".
سألته:
" هل سنذهب الى البيت؟".
" لا , أريد أن أتمشى قليلا, سنذهب الى التلة فوق الحديقة العامة".
ولكن الوقت لا يناسب , الظلام دامس ونحن في ديسمبر (كانون الأول)".
"قلت لك أريد أن أتمشى ... واذا كنت غير راغبة سأوصلك الى البيت وأذهب وحدي".
" لا , أحب أن أتمشى أيضا".
أوقف سيارته وشرعا يصعدان التلة, الظلام دامس ولا قمر ينير طريقهما , أمسك بيدها وقادها صعودا.
الهواء قارس للغاية مما جعل لورين ترفع ياقة معطفها أتقاء البرد الشديد, ارتجفت وودت لو كانت ترتدي كنزة صوفية فوق ثوبها, ومع أن معطفها سميك ومن الصوف الا أنه لا يرد البرد القارس , كانت السماء صافية مليئة بالنجوم , أحاطها جان بذراعه ولف يده على خصرها وشدها اليه وصعدا سوية بسلام, عاد الر جل الهادىء الذي يختفي وراء المظاهر القاسية ... وعاد الرجل الذي تحبه دون جميع الرجال.
قالت مبتسمة:
" من يرانا يعتقد أننا عاشقان".
" أليس هذا صحيحا؟".
استدارت بسرعة تستوضحه الأمر , قال:
"لماذا تتعجبين؟ أنا أحب وكذلك أنت...".
صمتت من جديد وأتهمت نفسها بالغباء لأنها سمحت لآمالها أن تخدعها , قال:
"لماذا الصمت والهدوء؟".
" ألست أنت أيضا صامتا هادئا؟",
" أنا أحب الهدوء".
" وأنا أيضا".
أطبق بشدة على خصرها وضغط ضغطا خفيفا وقال:
" أنت أمرأة غير عادية... أمرأة تحب الصمت والهدوء , أمرأة تختلف كثيرا عن مارغو ".
" بالتأكيد , ولكنك تملك طرقا ووسائل لتبقي مارغو صامتة...".
" طبعا, أنت شديدة الذكاء, على كل لا أستطيع أن أفعل معك ما أفعله معها...".
" ولماذا؟ (قالت ساخرة) لديكما أشياء أخرى, يمكنك أن تفعل معها ما يحلو لك".
وافقها مسرورا وقد عاد اليه مرحه وأبتهاجه.
" أنت على حق".
ابتعدت عنه قليلا , ولكنه أجبرها على التوقف والنظر اليه وجها لوجه, ثم جذبها اليه , ولكن رجليها لم تعودا تقويان على حملها.... " سلام بيننا".
"سلام".
ثم تابعا الصعود من جديد حتى وصلا الى القمة , نظرا الى أسفل, العتمة تغلف المكان والسكون مريع والبرد شديد.
قالت:
" أحب هذا المنظر في النهار , كنت ألتجىء الى هذه التلة مرارا, أحيانا أترك مشاكلي خلفي وأعود, وأحيانا أصحبها معي وأحلها هنا... دائما كنت أنجح".
نظرت اليه خجلة لأنها أفصحت له عن مكنونات صدرها ومشاكلها...
" لا بأس , أعرف أن لديك بعض المشاكل , أنت من الأشخاص الذين يتركون مشكلة ليعلقوا بمشكلة جديدة".
وضحكا, شبك أصابعه بأصابعها وقال بحماس:
"هذه أول مرة تصعدين التلة في الليل , وهي أيضا أول مرة لي,(شد على أصابعها بود وحنان) شيء فعلناه سوية لأول مرة وسنذكره دائما... حين يفترق كل منا في طريقه, أنت ستخلصين لزوجك, كائنا من كان , وأنا, كما قلت في بداية السهرة , سأتبع المرأة التي سأتزوج...".
كان صوته مبتسما مع أنها لم ترى ابتسامته.
" هيا , عليك أن تضحكي (لم تتجاوب معه) ما الأمر ؟".
أمسك بذقنها بلطف وأدار وجهها اليه , وفي الظلام رأى تساقط دموعها ولكنه لم يعلق...
ارتجفت من جديد من شدة البرد.
قال:
" علينا أن نعود".
أمسك بيدها وركضا نزولا حتى وصلا السيارة.
وفي البيت أجلسها على كرسي وصنع لها فنجانا ساخنا من الشوكولا, وقال:
" سهرة عيد الميلاد قريبة جدا , هل أنت متحمسة للعيد؟".
قالت في نفسها: لماذا أتحمس وأنت بعيد؟.
" كنت أشعر بالحماس وأنا طفلة والآن كبرت ولم أعد أتحمس للأعياد".
" ولكن ماتيو سيكون قريبا منك".
" وما يهم؟ ماتيو مرح وكذلك والده...".
" ستكون هناك حفلة عائلية صغيرة..."
ظهر الحزن في صوته... ظنت لورين أنه سيفتقد مارغو لأنه سيكون بعيدا عنها في تلك الليلة.
قالت مواسية:
" ولكنك سترى مارغو بعد عودتك".
بدأت لورين ترتجف من جديد, قال:
" عليك أن تدخلي سريرك ولا حاجة لأنتظار عودة والدتك".
وضع ذراعه حول كتفها بعد أن أوصلها الى باب غرفتها, قالت:
"مساء الخير يا جان".
وفتحت الباب لتدخل.
" على مهلك سأغادر باكرا في الصباح وقبل أن تستيقظي من نومك".
شدها اليه, كانت واهنة القوى لا تستطيع أن تقامم, نظر الى وجهها فوجدت نظرته غريبة ووقحة , تراجعت الى الوراء, كان كأنه يقول لها:
" أنت تنادينني وعلي أن ألبي نداءك...".
قالت معاتبة:
" هل أنا مثل مارغو؟".
هز رأسه غير موافق وقال:
" لا , أبدا, مارغو تناديني بوقاحة وجرأة...".
" هذا يعني أنني أدعوك أيضا ولكن بطريقة مختلفة وأكثر دبلوماسية ".
" هذا صحيح , شأن النساء جميعا, وأنت أمرأة مثلهن".
" ألست مملة ومضجرة ومحترمة؟".
" نعم , كل النساء يرغبن في ربط حياتهن برجل الى آخر العمر(حاولت أن تتهرب غاضبة ولكنه أمسك بها بشدة قائلا) لا يمكنك النكران. أنت قلت ذلك بنفسك".
هزت رأسها غير موافقة.
" هذا صحيح, لقد بدلت أقوالي , ولكنك صحافي وهذه من طبيعة عملك , تحوير الكلمات وتبديل المعاني( ظنت أنها ستغضبه بهجومها ولكنه ضحك... وضحكه أزعجها أكثر من غضبه) ما قلته هو... سأبقى مخلصة لرجل واحد مدى الحياة, حياتي أنا , وأن كنت لا أعجبه فهذا لسوء حظي أنا".
" سيان عندي أن ألبي رغبة أمرأة وقحة أو أمرأةمحترمة , كلاهما يشبع غروري ويزيد من ثقتي بنفسي".
كان يضحك ببساطة ومكر , لا زال يمزح ويعتبر الأمور بينهما مزحة كبرى, مما زاد في رغبتها بالتهرب منه, حاول أن يعانقها من جديد ولكنها أبعدته بقوة وهي تصرخ في وجهه:
" لماذا لا تتركني وشأني؟ أنا لست مارغو, أم هل أنت بحاجة ماسة لبديل عنها ولو كنت أنا البديل؟".
تكهرب الجو بينهما , وقفا متباعدين يتنفسان بصعوبة, لمعت عيناه كالشرر من شدة غضبه , وبسرعة تمالك نفسه وعاد لسخريته المعهودة وقال:
" من يقول أن معلمة المدرسة الشابة تملك لسانا لاذعا مريرا كلسانك؟ أنتبهي يا صغيرتي آنسة فارس ... يوما ما سيؤذيك لسانك أكثر مما تريدين ايذاء الآخرين".
فتح الباب الخارجي ودخلت بريل.
" هل عدتما من السهرة؟ وأنت يا جان ستسافر صباحا الى مانشيسر , المسافة بعيدة وتحتاج للراحة".
نزل جان السلالم ليتحدث مع السيدة فارس ودخلت لورين الى غرفتها تستعد للنوم , هدأت ببطء وتمالكت غضبها وعاد اليها توازنها وهي تفكر بما سمعته... وبعد أن اتضحت الصورة في مخيلتها , تذكرت أنها لم تشكره على السهرة... انتظرت صعوده الى غرفته وفتحت باب غرفتها بعد أن صممت على شكره, تركت كرامتها وراءها وخرجت الى الممر.
" جان؟( وقف في باب غرفته ونظر اليها دون أن يبتسم ) شكرا على السهرة والعشاء".
كان صوتها يرتجف ويبدو عليها الأستسلام , ولم يجبها أو يحرك ساكنا , بقي جامدا في مكانه .
نظر اليها يتفحصها من جديد كأنه يراها لأول مرة, ثم دخل الى غرفته وأغلق بابه...
وحين استيقظت في الصباح كان قد ذهب...

روايات احلام/ عبير : لا احد ســــواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن