الفصل الخامس : رائحة الحريق

Start from the beginning
                                    

فعلا .. لمَ تشعر بإرتجافات داخل معدتها ؟ .. لمَ تتعرّق يداها بشدّة هكذا ؟ .. لمَ تعجز عن سحب أنفاسها كأنها نست الطريقة الصحيحة لفعلها ؟ .. و الأهم من كلّ ذلك .. لمَ يستمرّ قلبها بالخفقان أسرع من المعتاد ؟ ..

إزدردت ريقها و نقلت يديها إلى وجهها تمسح عليه عدّة مرات بينما تهمس لنفسها :" اللهم إحفظ عقلي يا رب .." ..

********

بعد لحظات .. صدح طرق على بابها جعلها تحمحم قبل أن يخرج صوتها بتلك البحة التي رافقتها منذ مرضها :

" تفضّل .. "

وقف أمامها بحلّته التي تجذب كلّ من يقابلها .. و وقفت هي تتأمّله كأنها تراه لأوّل مرة .. من خصلات شعره البنيّة المسرّحة إلى الخلف بعناية .. إلى أعينه العسلية التي إنعكست أشعة الشمس عليها لتزيدها سحرا .. طوله .. عضلاته البارزة من تحت قميصه الأسود الذي دائما ما يترك أول أزراره مفتوحة .. و الذي أرفقه بسروال جينز من نفس اللون ..

هل أقول أن حاله لم يكن أحسن منها ؟ .. لأنه لم يتوقع أن يجدها واقفة أمامه بذلك الجمال .. كانت ترتدي كنزة قطنية بنّية اللون و ذات ياقة مرتفعة .. مع تنورة سوداء طويلة تصل حتى كعبيها .. وجهها ما يزال شاحبا لكنّه لم يفقد شيئا من براءته و جاذبيّته .. شعرها الناريّ ترفعه على شكل ذيل حصان مبعثر .. و إن تحدّث عن عينيها فلن يكفيه عمره كله تغزّلا بهما ..

أخفض كلاهما بصره عن الآخر في آن واحد .. قبل أن يكون أدهم أول كاسر للصمت حين سألها :

" هل تشعرين بتحسّن ؟ .."

همهمت بخفّة تجيبه و هي تنظر إلى كلّ مكان ماعداه :

" أحسن .. الحمد لله .. "

صمتت قليلا تكمل :

" شكرا لك .. لقد أرهقتك معي البارحة .. أنا حقا آ...."..

" ناردين .."

قاطعها بنبرته الجادة بينما يقترب ببطئ منها .. يجعلها تشعر بهروب الكلمات من حلقها و هي تسمع إسمها منه و تراه يعدم المسافة بينهما .. يقف أمامها مباشرة .. يده إمتدّت إلى واحدة من خصلاتها المتمرّدة يضعها خلف أذنها .. ثمّ أمسك بذقنها بين السبابة و الإبهام يرفع رأسها .. مرغما إياها على النظر إليه قبل أن يردف بنبرة هادئة :

" إيّاكِ و الإعتذار .. إن لم أهتمّ أنا بزوجتي فمن سيفعل ؟ .."

إبتلعت ريقها و هي ترجو فقط ألا يتمكّن من سماع نبضات قلبها التي صارت عنيفة بسبب قربه و كلماته .. و كم كان لتلك الكلمات وقعا محبّبا على سمعها و تأثيرا غريبا على مشاعرها التي لم تعد تفهم منها شيئا منذ إستيقظت هذا الصباح ..

الحكم و الخلاصWhere stories live. Discover now