الفصل الأوّل : الأمر الواقع

5.9K 235 81
                                    


الظروف لا ترحم .. هي فقط كافية لتغيير قناعات الإنسان

و ترتيبه لأولويّاته ..

*************************

الجزائر .. تبسّة .. الساعة الثانية بعد منتصف الليل

دخل تلك الغرفة التي كانت مظلمة إلّا من خيط إنارة وحيد ينبعث إلى الداخل من خلف الستائر البيضاء .. ليرى بياضا آخرا بها .. بياض فستانها .. فستان زفاف عروسته التي زفّت إليه دون أن يكون له حق في الموافقة أو الرفض ..

كانت تجلس على طرف السرير .. تولّيه ظهرها و طرحة فستانها تغطّي وجهها كلّيا ..

لم يكلّف نفسه حتى بالتقدّم إلى مكان جلوسها .. فقط إرتدى ما يكفي من الجمود الذي طغى على صوته حين خاطبها دون مقدّمات :

" إستمعي إليّ جيّدا .. عليكِ أن تعرفي أنني لم أكن أريد هذا الزواج .. و لن أريده يوما .. تزوّجتك رغما عني لأحمي أهلي و أمنع إراقة الدماء .. لذا لن أعاملك كزوجة أبدا ..لا تنتظري منّي لمسك .. لن أتشرّف بالإقتراب من إبنة دالي أحمد .." ..

أنهى كلامه و قد بدأ صدره يعلو و ينخفض إثر غضبه من نفسه و منها و من كلّ من كان له يد في هذه المهزلة التي تحدث كما يدعوها هو ..

إنتظر أن تردّ عليه .. أو ربما أن تنفجر غضبا في وجهه بعدما قاله .. لكنّها لم تفعل .. لم تحرّك ساكنا .. لم تلتفت إليه و لم يكن يستطيع سماع أنفاسها حتى ..

للحظة كاد فضوله يتغلّب عليه ليأخذ خطواته نحوها .. لكنّه أحكم التمسّك في جموده و قرّر اللجوء للحلّ الأمثل في وضع كهذا .. ألا و هو الهرب ..

و فعلا عاد أدراجه ليخرج من الغرفة بأكملها صافعا خلفه الباب بقوّة قد تجعل الرجفة تمرّ على جسد أي كان .. لكن ليس هي ..

ليس هي حتما .. لأنها أطلقت نفسا إكتشفت أنها حبسته داخل صدره منذ دلوفه إلى الغرفة .. حسنا .. عليها أن تعترف الآن أنه سهّل الأمر عليها بكلامه .. فقد كانت تجهّز نفسها لصدّه بأبشع الطرق إذا ما إقترب منها أو حاول أخذ حقوقه ..

نهضت بتريّث تمسك أطراف فستانها بين يديها كي تتمكّن من السير نحو غرفة الثياب أين رُصّت ملابسها هناك بالفعل ..

إنتقت قميص نوم مريح باللون الأسود رافقه رداءه الطويل من نفس اللون .. لكنّها سرعان ما أعادته مكانه لحظة تذكّرها أنها لم تعد تعيش لوحدها و أنّ هناك من سيشاركها هذه الغرفة و من يملك حقّ إقتحام حرّيّتها دون إذن حتى ..

تنهّدت تغمض عينيها لثانيتين قبل أن تعود لفتحهما مستسلمة لأمرها الواقع .. و تنتقي ثيابا أخرى مريحة تمثّلت في سروال و سترة حريريّين بنفس اللون الأسود الذي تعشقه ..

الحكم و الخلاصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن