ألا بأس بالحب؟!

Start from the beginning
                                    

"لا تأتي عادل، سيقتلني بكل حال"
شعر بنيران مستعرة تتأجج في أوردته حتى كاد رأسه يصفر كالقطارات العتيقة....تعرقت راحته الشاحبة حين قبض عليها بعنف ونهض عن مقعده راحلا دون أن ينبس بكلمة....كأن العالم كله تعطل بعد ذلك المقطع المهين لكبريائه بكل ما تحمله الكلمة من معنى!

كان عقله يتدبر الأمر و يخطط كيف يحصل عليها بأقل الخسائر.....بالنسبة للرقيب و صُحبته فقد تيقنوا في أنفسهم أن ذلك المقطع الشنيع تم تسجيله قبل قتل دليلة البريئة بدقائق وحسب....حركات جسدها و عينيها...زوغان انتباهها في منتصف الكلام بشكل متكرر يعني أنها قالت تلك الكلمات بينما هي تحتضر بالفعل أو تستعد لحتفها المحتوم...

لو كانت مهددة لتتحدث لكان التوتر و القلق بديا عليها بوضوح...لكن بدلا من ذلك اعتراها اليأس والإنهاك كأنها تستجمع أنفاسها الواهية بصعوبة....

بالنسبة لها لم يعد هناك أمل..
و قد علم الرقيب أن العاشق المجنون ذاهب لينتحر إن كانت قد ماتت أو ينقذها إن كانت_عبثا_حية، لكنه لم ينفق جهدا لمنعه لأنه سيأمر بتتبعه على كل حال....
أي غبي يفوت فرصة كهذا للقبض على ثنائي المختلين ذاك و ينتقم للفتاة المسكينة التي لم ترغب في شيء من تلك الحياة إلا العيش بشرف.

****************

انسدلت جديلتها المفككة على عظام ترقوتها البنفسجية بفضل شيرين و أبيها.....كلتا يداها مرفوعتان فوق رأسها بالحبال القاسية منذ أيام حتى كاد رصغها يتمزق ويطلق سراحها كشكر على تحمل كل ما فعلوه دون أن تضرب رأسها في الجدار ليتحطم!

تنفست رائحة جميلة لأنوف النساء في العادة لكنها كرهتها الآن بكل ما تحمل في المضغة الرقيقة بين أضلعها من مشاعر....رائحة الخشب المبلل المختلط بالأقحوان و العسل....كان ذلك هو العطر المعتاد للرجل الأخطر على الأرض التي تحملها الآن...أو قد لا يكون الأخطر بالضبط بعد ما سيحدث الآن..

جلس القرفصاء أمامها بخفة رهيبة لا تناسب عمره وشد شعرها للخلف كي ينكشف له وجهها الجميل المغطى بالرضوض و الجروح و الخيبات.....طالعها بعينيه الخارجتين عن قانون البشرية كأنها الفريسة المتمنعة ثم همس أمام وجهها بفحيح ناعم رخيم...

"هل تجنبتِ النظر لعيني قبل لحظات؟ هل أصبحت أثير حس الأنثى العاهرة التي بداخلك؟"

بسط لسانه عبر شفتيه في حركة مرعبة كأنه يوشك على تذوق جزء من لحمها المهترئ حتى إذا صار قريبا منها لدرجة تسمح له بمضغ بضعة منها فعلا لاحظ نظراتها الغاضبة التي وجهتها له بشرارة نارية لسعته فعليا ببشرة عنقه الرقيقة!

"هل أروق لك....سيدي؟!"

حقا لو كان صنما جامدا لبعث حيا ليركع مستسلما أمام النبرة الحارة التي قالت بها تلك الكلمات كأنها قطرات من الماء على شفاه رجل يموت عطشا في الصحراء.....بالطبع جن جنونه لارتشاف المزيد، لكنه كان متعجرفا كفاية ليستبدل التضرع للقطرة التالية بكلمات باردة قاسية..

الزهور الجنائزية || Funeral flowersWhere stories live. Discover now