صوته

96 6 0
                                    


لم تكن المرة الأولى التي نفعلها.. هكذا كنا نفعل دائمًا أنا وصديقاتي عندما يعتذر أستاذ مادةٍ ما عن الحضور.. في العادة كنا نذهب إلى دار "ثراء" القريب من الجامعة؛ لانتظار المحاضرة التي تليها، ولكن لأن المحاضرة الأخيرة كانت غير مهمة فقد قررنا الخروج.
قالت "ثراء" إنها تفضل النوم أكثر، فدعتني "بارعة" أنا  و"أقدار" و"رغيد" و"إعتدال" لتناول الإفطار في مقهى عمتها "غفران".
كان المقهى متوسط الازدحام، فصعدنا إلى الطابق العلوي. كان لدى "رغيد" فصول لم تراجعها بعد قبل اختبار الغد. لا تصدح الموسيقى في الطابق العلوي كما الأرضي؛ حيث خُصص لمحبي الهدوء أو الدراسة أو العمل.
انهمكت "رغيد" في الدراسة فيما تحدثنا نحن عن حال "ثراء"؛ لم تعجبنا في الفترة الأخيرة.. فقد أصبحت كثيرة الغياب والنوم والاختفاء.
وصل طلبي المفضل؛ فقد طلبت فطيرةً هلالية، ولكن القهوة تأخرت شيئًا ما. كانت قهوة المقهى متوسطة الجودة، ولكننا عادة ما نختار مقهى "غفران" لجودة الإفطار الذي يقدمه، وخاصةً كعكة العسل والخبز الفرنسي المحمص وكعكة المقلاة. نزلت "بارعة" لتتفقد قهوتنا، ثم صعدت بعد برهة مصطحبةً الساقي يحمل أقداح قهوتنا الساخنة.. رفعتُ يدي مشيرة إليه: قهوة بالحليب. فوضع قدحي أمامي، وأقداح الفتيات، ثم غادر.
شعرت بالملل قليلًا كما يحدث دائمًا عندما نستقر في الطابق العلوي.. كنت قد أنهيت فطيرتي، فاستأذنت صديقاتي، وحملت قدح قهوتي، ونزلت إلى طابق التسلية.
اخترت مائدة منزويةً وضعتُ عليها قدحي، وأخرجت لوحيّ من حقيبتي، وبدأت في تصفح أخبار الصباح.
وإذ فجأة تداعت على رأسي كل تلك الذكريات التي طردتها من ذاكرتي، أو تلك التي اعتقدت أنني قد أستطيع تجاهلها: العناق عند مطار كوالالمبور.. تساقط الأمطار في حي الرحاب.. فصل الصيف في لنكاوي.. السيارة الزرقاء في شارع التحلية.. شجرة الفكس العظيمة أسفل منزل جدتي.. عصير الفواكه الاستوائية في حانة الأصدقاء، وحساء التميوم في مطعم الشرق... ترى..  كيف هجمتْ عليّ كل تلك الذكريات مرةً واحدة؟ ثم تنبهت.. يا إلهي! الأغنية.. أغنيته.. نعم.. لقد كانت أغنيته المفضلة.
- إنها أغنيتكِ المفضلة.
يا إلهي! هل كان هذا صوته؟ ولكن كيف؟ التفتُّ خلفي حيث مصدر الصوت.
- يا لها من مصادفة سعيدة.. لقد اشتقتُ إليكِ كثيرًا.

ليل الجداجدWo Geschichten leben. Entdecke jetzt