انفرجت عيناه بقوة بسبب السؤال ونظر للشابة كما لو ليتأكد أنها لا تسمع الحديث فأكملت بعينين ماكرتين وصوت يكاد لا يسمع:

-إذا كنت تحبها سأخبرها من أجلك.

-آن!!

وضع الحصان الخشبي جانبا وشرح لها:

-لا يفترض بالأطفال قول ذلك، كما لا يفترض بفتاة مثلك أن تكون متطفلة.

نظرت بتكاسل إلى المعالمة الواقفة بعيدا ثم التفتت إليه:

-كنتما ترقصان مثل..

لم تكمل الجملة عندما صاحت كايت:

-آاان!!

اقتربت منها فرأت القائد وابتسمت له ثم قالت للطفلة:

-آن، ستنطلق العربة، الحقي بالبقية.

التفتت الطفلة إلى الرجل الأشقر وغمزته ثم ذهبت تركض بعيدا.

-أخشى أنها سببت لك الإزعاج..

-لا، على العكس، إنها فتاة فطنة.

انتبه إيروين إلى حقيبة الكمان المعلقة على كتف كايت:

-آنسة كايت، هل لي بطلب؟.

-بالتأكيد.

-اللحن، ذاك الذي طلب منك أبي عزفه.. هل لا تزالين تذكرينه؟

-أنا أعزفه كل يوم.

ابتسم بدفء ثم قال:

-هل يمكن أن تعزفيه من أجلي؟

تفتحت عيناها وتوردت وجنتاها:

-الآن؟

-إذا لم يكن ثمة مانع..

نظرت بعيدا حولها، كانت الحديقة فارغة وشبه معتمة وتتسرب إليها أضواء من القصر، وضعت الحقيبة على المقعد الحجري إلى جوار إيروين وفتحتها وتناولت الكمان ثم مشت إلى بعد مترين تقريبا وأسندت الآلة إلى كتفها وأمالت رأسها:

-سأبدأ.

أخذت نفسا وأغمضت عينيها وأطلقت العنان لألحانها، بعيدة عن الواقع بحيث لا يمكنها رؤية البريق المتوهج وسط زرقة عينيه، كانت أوتارها تحتك برقة وألحانها تسقط على قلبه متوحدة مع كل نسمة هواء حولها، تهتز خصلات شعرها من تحت القبعة ويتطاير فستانها مع الأعشاب الخضراء بخفة، بدت كما لو أنها عنصر مستقل يمارس السحر على ابن المعلم.

في لحظة ما هبت أنسام قوية بينما تنهي كايت العزف على أوتار روحه فأخذت معها كل ما في الحديقة في اتجاه واحد وأجبرت الاثنين على تضييق عينيهما أكثر.

توقفت الموسيقا والنسمات تتوالى، فتحت عينيها، كان جالسا مكانه عاجزا عن إظهار التعابير لكن نسمة أخيرة أخذت قبعتها عن رأسها، انقلبت عدة مرات في الهواء وانتهى بها المطاف على العشب أمام أقدام الرجل الجالس على المقعد.

انحنى والتقط القبعة السوداء ذات الدانتيل ثم سار نحوها حيث كانت بشرتها تزداد احمرارا وملامحها هادئة تماما، أصبح يقف أمامها مباشرة، نظر في عينيها، أضاءت خضرتهما أزرق عينيه المتوهج وشعرت أن قلبها ينبض بقوة كما لو كان هذا الشاب يعزف عليه هذه المرة.

رفع القبعة ووضعها على رأسها بيد واحدة فاحمرت وجنتاها، بقيت يده خلف رأسها، لعلهما تحدثا كثيرا دون أن ينطقا بكلمة، كان وجهاهما قريبين جدا بحيث اختلطت أنفاسهما وطفت كلمات آن إلى السطح:

(ألست مغرما بكايت سينسي؟)

ولكن.. في لحظة ما.. ما الذي يفعله؟

الآن بالتحديد..

ألم يتخل عن ماري لينضم إلى فيلق الاستطلاع؟

ألم يكن وحيدا دائما حتى اقتنع أنه سيبقى وحيدا للأبد؟

أليس كل من يهبون أرواحهم للموت، تقيد قلوبهم المكرسة للبشرية بالسلاسل؟

ربما يعود إلى سور روز الآن، بعدها يخرج في حملة استطلاعية، وحيث كما أن العادة تجري، قد يعود إلى الأسوار جثة ممزقة أو ربما لا يكون له جثمان حتى..

ما الذي سيبقى لكايت؟ كما كان مقدرا لماري أن يبقى لها لو لم يتخل عنها لنايل؟

اعتصر قلبه وفي تلك اللحظة شدت القبعة على رأسها وأحنته بحيث اختفى وجهها عن ناظريه وتملصت من أمامه بسرعة خاطفة متجهة إلى المقعد حيث وضعت كمانها داخل الحقيبة ورفعتها على كتفها وسارت مبتعدة عنه وقالت دون النظر إلى وجهه:

-وداعا..

ذبلت عيناه وابتسم، همس كما لو ليس مهما أن تسمع:

-شكرا على اللحن.

أصبحت بعيدة جدا عن ناظريه فعاد نحو المقعد، وفوجئ بالدمية الخشبية لا تزال في مكانها، التقطها بسرعة وهم للحاق بها لكنه استطاع أن يرى العربة تنطلق في اتجاه المخرج بحيث كان الأوان قد فات.

نظر إلى الحصان الصغير وابتسم:

-براون.

_______________________________

《STOHESS WOMAN || امرأة من ستوهيس》Where stories live. Discover now