أحزان الصراف الآلي

16 5 0
                                    

يبدو هذا العنوان موحيًا، له مذاق عناوين الروايات المترجمة العظيمة مثل (مقتل طائر مغرد) أو (لا يوجد لصـ ـوص في هذه المدينة) .. لكن القصة الحقيقية أبسط من هذا بكثير.

ككل شيء في الحياة يقتحم الكمبيوتر مجالاً جديدًا في كل يوم، وهذا يُفترض به أن يبسط الأمور لكنه في مصر بالذات يعقّدها. وكالعادة يبدو مصطلح (هيكلة الدهولة) الذي ابتكرته جريدة العربي الناصري مناسبًا جدًا. إن دخول الكمبيوتر قد أقحم في الحياة المصرية مصطلح (السيستم واقع). السيستم واقع فلن تحصل على مالك من المصرف في وقت دفع القسط. السيستم واقع فلن تحصل على تذكرة قطار قبل تحركه. السيستم واقع فلن تستطيع دفع فاتورة الهاتف. السيستم ذلك الإله الوثني القديم قد نام تحت أعماق المحيط مثل (كتولو)، ولا يعرف أحد سوى الخواجة لافكرافت متى يتحرك.

هنا دخل الصراف الآلي الساحة.

في البدء كان الأمر اختياريًا، والصفوة فقط هم من يتعاملون مع بطاقات الفيزا بشيء من الألاطة، ثم صارت معظم المصالح الحكومية تصرف الرواتب ببطاقات عن طريق الصراف الآلي ATM. هكذا ولدت ظاهرة جديدة في المجتمع المصري هي طوابير كروت الفيزا.

تقرر أن الوقت قد حان وأنك بحاجة للراتب لدفع دروس العيال، وقسط الجمعية، والثلاجة التي ليس فيها جرام لحم، وفاتورة الكهرباء اللعينـ ـة التي بدأت تلوح في الأفق. هكذا تقرر أن تخدع الجميع وتذهب للصراف الآلي في وقت لا يغادر فيه الناس بيوتهم. السابعة صباحًا مثلاً موعد مبكر بما يكفي. لو ذهبت في الخامسة صباحًا فلسوف يتم تثبيتك وفـ ـتح كرشـ ـك على الأرجح. لابد من وقت يجمع بين البكور والأمن.

لكنك تكتشف أن مصر فيها 90 مليون نسمة، وأن الكل فكر بنفس طريقتك. هكذا تذهب لآلة الصرف الآلي لتكشف أن هناك 6782 مواطنًا.

المشكلة أن أي طابور في العالم لابد أن يتحرك، حتى طابور من يثبون في لهيب البركان المشتعل لدى قبائل الإنكا، أو طابور من ستقـ *ـطع دA عش رقابهم، لكن هذا الطابور ثابت تمامًا.

الفكرة هي أن كل مواطن يبدأ محاولة الفهم لطريقة السحب، ثم يجري دورة تدريبية بسيطة لنفسه ويجرب عدة حلول وعدة اختبارات، بينما تلك السيدة البائسة المـ ـحبوسة داخل الآلة تكرر بلا توقف:

Thanks for banking with us

وتفشل العملية فيطلق سبة، بينما يتنهد الآخرون في ضيق، ويستغفرون الله. يقول الرجل الأصلع ذو الشارب:

ـ"يمكن ما فيهاش فلوس ؟"

ويقول المسن ذو الشعر الأبيض:

ـ"عطلانه باين "

الرجل الفاشل يجرب في عصبية اكثر. يضغط الشاشة بجنون حتى يوشك على كسرها، كأن هذا يجلب المال بسرعة .. يجلبه جدًا. والنتيجة هي أنها فقدت حساسيتها كأنه يتحسس رخامة المطبخ. يجرب مرة ومرة.

كتابات الدكتور احمد خالد توفيقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن