15

20.3K 454 39
                                    


استيقظت باكراً فى الصباح وهى تشعر بالراحة لهربها من الأحلام والكوابيس المزعجة التى كانت تطاردها اثناء نومها ،مشت عبر غرفة الجلوس وانذهلت حين ارتطمت قدمها بشيء كان ممدداً على الأرض وحين نظرت إلى الكنبة وجدت جايك مستلقياً عليها مرتدياً ثيابه كاملة وإحدى يديه تتدلى عن الكنبة وتحتها كأساً من الشراب فارغاً.
دخلت السيدة فورستر الغرفة فى هذه اللحظة وظهر على وجهها نفس التعبير المنذهل الذى كان على وجه ليندا .
.
فتح جايك عينيه للحظة وحين رآها همست بغير تصديق "جايك؟"فلم يرد أوينظر نحوها بل نهض بترنح عن الكنبة واتجه نحو الباب بتثاقل .ثم سمعتا صوت أقدامه وهى تصعد السلالم.لملمت السيدة فورستر الزجاجة الفارغة والكأس بصمت ودخلت إلى المطبخ .تبعتها ليندا وهى تشعر بالذنب والخجل.فنظرت السيدة فورستربابتسامة مصطنعة المرح وقالت"إذن فقد أوقعته فلا يدرى أكان داخلاً أم خارجاً اليس كذلك؟حسناً،لقد أخبرتك منذ البداية ألا تدعيه يجعلك عبدته وكما يبدو فقد نجحت فى هذا .انا لم أرى ابنى جايك فى مثل تلك الحالة من قبل أبداً".
"انا آسفة"قالت ليندا بتلعثم وخجل"لكنى لا استطيع أن اكون واثقة من شعوره الحقيقى نحوى حتى أعرف أنه يفصل بينى وبين لين...".
.
ارتفعا حاجبا السيدة فورستر بحركة مشمئزة وقالت"سيكون أعمى إذا لم يفعل !فأنتما فتاتا مختلفتان تماماً".
ظهر العناد على ليندا وقالت "الأمر سيان،فأنا أريده أن يرسمنى،حتى استطيع أن ارى ..يستطيع أن يخبرنى واثقاً أنها...من يريد لكن حتى أرى تلك اللوحة بأم عينى لن اصدق أبداً"
ظهرت التسلية والاستمتاع على وجه السيدة فورستر وقالت"يرسمك؟حسناً هذه ليست فكرة سيئة..فجايك يرسم مايراه ولديه نظر ثاقب واضح تماماً"واستدارت إلى الطاولة وهزت كتفيها وتابعت"حسناً لن يرسم أى شيء هذا اليوم ،فهو بالتأكيد يحتاج لساعات طويلة".
وهذا ما فعله جايك فعلاً .فقد ظل مستغرقاً بالنوم حتى المساء تقريباً ونزل فقط بخجل مما رأووه منه فى الصباح،فتناول العشاء وصعد إلى غرفته ثاني بسرعة .
ذهب الجميع إلى فراشه باكراً تلك الليلة.نامت ليندا نوماً عميقاً لأول مرة منذ أيام وعندما نزلت إلى الطابق السفلى صباح اليوم التالى وجدت جايك يجلس على كرسيه يحتسي كوباً من الشاى.
نظر إلى بنطالها وقال"سنبدأ العمل اليوم".
شعرت بأعصابها تتصلب للحظة وأدركت انها تخاف هذه اللحظة ،التقى نظرتها المضطربة بابتسامة جافة.
قال بتهكم"الخوف من الخشبة"
رفعت ذقنها إليه بتحدى وقالت"لا".
.
وبعد نصف ساعة دخلت إلى المرسم بعد أن حاولت جهدها تأخير وصولها بالتلهى بالعديد من الأعمال .وجدته يخلط الألوان ويحضر الكرتون.
نظر إليها ببرود وأشار إلى ستارة فى زاوية الغرفة وقال"تستطيعى أن تخلعى ملابسك خلف تلك الستارة".
لعقت شفتيها الجافتين بارتجاف وقالت"جايك،انا...."
عيناه حدقتا بعينيها مباسرة وٍسأل"ماذا؟"السؤال كان غير متفهماً،فهو لن يقوم بمساعدتها ،كما رأت باقتراحه بأن يصرفا نظر عن الفكرة،كان كل شيء من اقتراحها وجايك سيجبرها على تنفيذ قرارها .
ببطء اتجهت إلى الستارة ويداها متجلدتين وهى تنزع ملابسها ووقفت هناك ويديها حول جسدها وترتجف.
.
صوت جايك جعلها تنفض بعصبية "انت تعرفين شكل التموضع "قال بوضوح"تعالى وتموضعيه حين تصبحين جاهزة".
نظرت من فوق الستارة فوجدته قد غارد المرسم وبرعشة امتنان أدركت انه فعل هذا ليسهل الأمر عليها ،فأسرعت إلى الكنبة المخملية الكبيرة وجلست بالطريقة التى كانت تجلس بها لين فى تلك اللوحة،عندما فتح الباب لم تجرؤ على النظر حولها .وقف جايك أمامها محدقاً بها،سمعته يتنفس بصعوبة ثم بعد دقيقة إقترب منها وناولها تفاحة ووجهه خالى من التعابير.
تراجع قليلاً إلى الوراء وأخذ يحدق بها فشعرت بالحرارة تكاد تحرق كيانها .
"يجب على تصليح التواضع"قال بجفاف ،وتحركت يداه يرفعا ذقنها قليلاًويديرا كتفيها ويرفعا ركبتها قليلاً.
وببطء أدرات رأسها ونظرت نحوه وعيناها الخضراوين ممتلأتان بالخجل والارتباك.
تصلب فك جايك وقال"إنسي وجودى،فكرة التواضع انك حواء تقدمين التفاحة لآدم..ألم تعلمى هذا؟إذا اردتينى أن أرسم هذه اللوحة اللعينة فيجب عليك جعل الأمر ممكناً.
"آسفة"همست"سأعتاد على الأمر بعد قليل من الوقت ".
تمتم"حسناً"ثم بدأ يعمل تدريجياً ،التوتر بينهما أخذ يتلاشي حالما إستغرق جايك بالعمل تماماً.
استرخت ليندا قليلاً وهى تراقب التعابير الداكنة على وجهه والتقطيبة المفكرة على جبينه والنظرة السريعة الفاحصة لعينيه الرماديتين .كان ينظر إليها كأنها مجرد شخص عادى .فكرت باستمتاع سري.قد تكون طاولة،أوسلة فاكهة أو أى شيء آخر يهتم هو فقط فى رسمه ،هل هذا ما رأته لين عندما تواضعت لاجل أن يرسمها ؟وهى تستلقى هنا الخبرة والتفاحة بين يديها بينما جايك منشغلاً بعمله كأنها مجرد شيء يرسمه ؟كان يصفر بنعومة ويديه تعملان على اللوحة .وأحست بفمها تتخدر فحركت اصابعها ببطء لتعيد لها الدم .
.
"لا تتحركى"قال جايك بحدة .
ابتسمت له قليلاً باستمتاع وقالت"آسفة".
نظر إليها حينها وكأنه قد رآها الآن وقال وهوينظر إلى فمها إبق تلك الإبتسامة"
"لا استطيع" قالت وهى تشعر بفمها يتصلب ثانية.
تمتم جايك بشيء ما .ثم غرق مجدداً فى عمله.
وببطء أخذت لين تشعر بظهرها يتصلب ويؤلمها وبعضلات قدميها تتشنج فسألته بتوسل "الا نستطيع التوقف الآن جايك؟"
"بعد لحظة"قال بسرعة.
الوقت بدا كأنه يمر ببطء شديد .فأطلقت تنهيدة ألم قصيرة وقالت "جسدى كله يؤلمنى جايك".
توقف عن العمل وملامح الإنزعاج بادية عليه وقال"حسناً،هذا يكفى لليوم ".
تمطت قليلاً لتعيد الليونة إلى عضلاتها وقالت ووجهها قرب المخمل "هل استطيع أن أرى ما قد أنجزت؟"
"ليس قبل ان تنتهى تماماً".
فوقفت باهتزاز عن الكنبة وكادت تقع عندما خانتها ركبتاها .تحرك جايك ليمنعها من السقوط واتكأت عليه لتستعيد توازنها وسمعت التسارع المفاجىء لضربات قلبه تصم أذنها ،واصبح تنفس ثقيلاً.
.
"ارتدى ملابسك ليندا"قال ودفعها بسرعة عنه وسمعته يغادر الغرفة وببطء اتجهت إلى حيث تركت ملابسها .
وتناولت عشاءها وهى تشعر بالألم الشديد فى إنحاء جسدها وبتخشب عضلاتها فصعدت إلى النوم وهى تجر نفسها جراً من التصلب والألم.
وحين استيقظت صباح اليوم التالى كانت تشعر بالتردد لتواضع للرسم ثانية ليس بسبب الخجل والارتباك فقط بل لأن جسدها لايزال يؤلمها من جلسة البارحة .
كان جايك يعمل بنفس التجرد والانشغال المهنى الكامل.راقبته عبر رموشها وقلبها يأن من ألم الحب ،وهى تنظر إلى عظام وجهه الصلب،الانحراف القوى لفكه ورقبته ،عضلات صدره القوية وجسده الرياضي تحرك ليختار الألوان ،ورأسه منحنى وهذه الحركة أشعلت غريزتها بالأنجذاب إليه.استدار ليواجهها والتقط النظرة التى كانت فى عينيها وفمها البادى الرغبة واللمعان داخل عيناها الخضراوين .إحمرار بسيط زحف على وجهه ،وحدقا ببعضهما البعض بصمت ،الرغبة المشتركة التمعت بينهما كالبرق وشعرت ليندا بأنها تغرق فى جدول نارى ،ثم استدار جايك ثانية وغرق فى عمله.
يوماً بعد يوم كانا يتابعان جلسات الرسم واخذت لينا تعتاد على صمت المرسم و على ملل الساعات ورتابتها وعلى صوت فرشاة جايك،نادراً ما كان يتكلم معها !كأنه يفضل عدم التكلم.،كان هناك شبه مؤامرة من الصمت بينهما ،لينا كانت تجلس و تراقبه وتدرك أن كل أنش فى ملامح وجهه محفوراً داخل قلبها .بكل دقيقة كانت تمر كانت تحبه اكثر واكثر،عيناها كانت تلتقيان للحظة ثم تبتعداً كأن ما كان يحصل بينهما عزيز جداً حتى عن الكلمات.
.
بدأت تتساءل كم ستستغرق اللوحة .فى إحدى الأمسيات رمى جايك بفرشاته بعيداً وأطلق تنهيدة مطولة .ثم ببطء أدار خشبة الرسم نحوها وأخذ يراقب وجهها .
نظرت بشوق ولهفة إلى اللوحة ،الطريقة المفاجأة التى أراها إياها قد سلبت تركيزها .
والآن ،فيما كانت تحدق اجتاحها شعور من التعجب .كانت تستلقى بنفس وضع لين التفاحة بين يديها الناعمتين وتنظر من اللوحة بتعبير من اللطف والنعومة ولكن فى عينيها تعبير عن الاستسلام الكامل وبدعوة صامتة ،دفعت بالدم إلى وجنتيها .جايك رسمها كما نظرت إليه ،وجهها ناعم التقاطيع لكن شغوف ومحب وألم الحب يظهر على فمها المشقوق
تحرك جايك ببطء وجلب لوحة لين ووضعها قرب اللوحة الجديدة .نظرت من الواحدة إلى الأخرى كانت لوحتين مختلفتين تماماً.نظرة العينين ،الفم، طريقة تواضع الجسد فى كلا اللوحتين كان متناقضاً بوضوح.
.
"حسناً"طالبها جايك بقوة.
نظرت إليه بخضوع وعيناها تغرقان وراء حرارة عينيه .فرمى بلوحة لين على الأرض وكأنها قطعة من الخشب ومشى نحوها،بارتجاف جعلته يحملها وقال"آه،يا إلهى ليندا ،انا اريدك منذ أيام".
وتعانقا بقبلة أحست ليندا أنها استمرت دهراً غرقت هى خلاله بأمواج الحنان والحب.
وابتعد جايك عنها قليلاً وقال"ليس عندك أى فكرة عما كنت تفعلينه بى بينما كنت ؟أرسمك "تمتم بوحشية "كلما نظرت إليك كان عقلى يكاد ينفجر لأنى أريد شيئاً ويجب على الأستمرار أولاً بالرسم.
فابتسمت له بمرح وقالت"كاذب،بالكاد كنت تشعر بوجودى أثناء انشغالك فى الرسم ".
"هكذا أردت أن أرسمك" قال "حاولت جاهداً بكل قوتى لكى انسي ماذا أرسم،لكن ياإلهى ليندا ،كان مستحيلاً...يداى كانتا ترتجفان معظم الوقت ولم أجرؤ على التحدث معك مخافة أن يفلت زمام الأمور فى حال سمعت صوتك :كنت تعذبيننى وانت تنظرين نحوي بتلك الابتسامة الرائعة ".
"بعض هذا دخل فى الرسمة "قالت بنعومة "انا خائفة قليلاً منك جايك،لن اتمكن من إخفاء ما أشعر به نحوك اليس كذلك جايك؟ تستطيع أن تقرأ كل نظراتى ".
فأجابها بصوت متهدج من العاطفة "وهل تستطيعين انت ان تقرأى كل نظراتى ،ليندا؟".
شعرت بخديها يحترقان تحت وطأة نظرته وقالت" يجب أن ارتدى ملابسي جايك يجب أن نعود إلى المنزل".
"ولكن..."همس وفمه مدفوناً فى شعرها "ولكنى اريد الآن..."
"ليس هنا جايك، قد يدخل أحدهم ".
.
"هل ستدعيننى انتظر حتى المساء ؟"سألها باحتجاج وعاطفة .
"جايك..."همست.
"حسناً،وما الفرق فى ساعات قليلة إضافية "تمتم وتابع "هيا إنهضى وارتدى ثيابك أيتها الفتاة الشقية وتوقفى عن إغوائى هكذا".

العشاء تلك الليلة كان متوتراً قليلاً .السيدة فورستر كانت تنتقل ببصرها بين الإثنين بنظرتها المرحة الهادئة ولكنها لم تقل شيئاً،وعندما نظفتا هى وليندا الطاولة ذهبتا إلى غرف الجلوس،كان جايك ينظر إلى ضوء المدفأة المنعكس على السقف وجسده منحنى على الكنبة ،نظرت إليه ليندا وشعرت بحنجرتها تتصلب.
أضاءت السيدة فورستر الضوء وجلست وأخذت تحيك كنزة سوداء كانت قد بدأت بها لليندا .وقام جايك وأشعل الراديو .جلست ليندا وهى محتارة اتجلس أم لا.نظرت إلى جايك عبر رموشها .كان قد عاد للإستلقاء على الكنبة ويديه تحت رأسه وجسده الطويل الرياضى مستلقى بتكاسل على الكنبة .تنقلت نظرة ليندا عليه عاطفة قوي تلتهب داخلها .
عينا جايك تحركا ونظرا إليها فرفعت إليه عيناها الممتلأتان حباً ولهفة فوقف فوراً واتجه إليها وحملها بين ذراعيه وقال بهدوء"تصبحين على خير أمى ".
فى غرفتهم حدقت به بمرح وقالت"لقد جعلت الأمر يبدو جلياً أمام والدتك، اليس كذلك؟"
خلع قميصه وابتسامة هادئة على فمه وقال"لقد جعلتنى انتظر وقتاً طويلاً ليندا ،فلا آبه لأمر أمى ،لا آبه لأمر الدنيا كلها ،تعالى إلى هنا وإلا أتيت انا إليك".فابتسمت له باستفزاز وقالت وهى بين ذراعيه "هل تذكر،لقد أمرتنى مرُّة بأن لا أخبرك اننى احبك جايك !قلت أن كلمة الحب لم تكن متداولة بيننا واننى لن اسمعك أبداً تقول انك تحبنى ".
نظر إليها والحب والحنان يلمع داخل عينيه وتنهد بقوة وقال"انا احبك ...آه ليندا، انا احبك جداً".
وذابت بين ذراعيه حين أخذ يعانقها بحنان وحب ولهفة وعرفا سوياً أن الإذلال والألم التى شعرت به يوم امتلكها تلك الليلة قد ذهبت ذكراه للأبد وأنهما سيتشاركان دائماً الحب والعاطفة الجياشة التى كانت تنبض داخل قلبيهما .
.
وبعد وقت طويل نظر إليها بحب وقال"لا تنظر إلى،فعيناك الثاقبتين تعرفان كل ما فى داخلى من أشياء".
"صورتى لك تخبرك ماذا أرى فيك"قال بنعومة وهو يداعب رقبتها "أنا أرى الفتاة اللطيفة الناعمة المحبة التى لم تستطع الإنتظار لتشاركنى الفراش..."
شدت شعره بمرح وقالت"انت حقاً شيطان ، الست كذلك؟لقد قلت انك شيطان مرة وانا واثقة من هذا....يصبح لديك قوة شيطانية حين يتعلق الأمر بى "
همهم وقال"هذا صحيح ،وهل أخبرتك انه مقدر لك أن تنتهى بين أحضان الشيطان ؟وماهو الأسوء يا حبيبتى ،انك لاتظهرين أى رغبة فى أن تهربى من هذه الأحضان".
دفنت ليندا رأسها فى كتفه وقالت"إن هذا صحيحاً جداً ،اعتقد أنه من الواجب لى أن انتمى إلى هذه الأحضان ..."
غمرتها ذراعيه بحب وقال"كنت اعلم هذا "
****
تمت

🎉 لقد انتهيت من قراءة روايات احلام/ عبير: جحيم هواك 🎉
روايات احلام/ عبير: جحيم هواكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن